آثار ومصرياتأخبار

خبراء الآثار والترميم يطالبون بتوثيق مادة تميمة مكتشفة حديثًا بالكرنك قبل الإعلان عنها

في يوم 4 مارس، 2025 | بتوقيت 1:53 مساءً

أعلنت البعثة الأثرية المصرية الفرنسية، التابعة للمركز المصري الفرنسي لدراسة معابد الكرنك (CFEETK)، بالتعاون مع المجلس الأعلى للآثار والمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، عن اكتشاف مجموعة من الحُلي الأثرية، التي يعود تاريخها إلى بداية الأسرة السادسة والعشرين، وذلك أثناء أعمال التنقيب في القطاع الشمالي الغربي بمعابد الكرنك.

ومن بين القطع المكتشفة، تميمة أثرية تمثل تمثالًا ثلاثيًا للآلهة المصرية آمون وموت وخونسو، حيث جاء في إعلان الكشف أن مادة التميمة مصنوعة من الذهب.

مطالبات علمية بتوثيق المادة الأثرية للتميمة

في ضوء هذا الكشف، صرّح الدكتور عبد الرحيم ريحان، عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة ورئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، بأن اللجنة العلمية بالحملة قامت برصد التميمة المكتشفة وأبدت تشكيكها في المادة المصنوعة منها، حيث لاحظت أن لون التميمة الظاهر في الصور لا يعكس بريق الذهب الأصلي، الذي يميز الحُلي الذهبية المصرية القديمة، مثل كنوز توت عنخ آمون.

الدكتور عبد الرحيم ريحان
الدكتور عبد الرحيم ريحان ، رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية

وأضاف الدكتور ريحان أن اللجنة العلمية تطالب بـعرض التميمة على متخصصين في علوم الفلزات والترميم والآثار المصرية، لإجراء الفحص العلمي الدقيق لتحديد المادة الحقيقية، وإذا كانت بالفعل مصنوعة من الذهب، فمن الضروري تحديد عيار الذهب المستخدم.

مطالب بتوثيق مادة أحد التمائم المكتشفة بالكرنك مؤخرًا
مطالب بتوثيق مادة أحد التمائم المكتشفة بالكرنك مؤخرًا

رأي خبراء الترميم في مادة التميمة

أكدت الدكتورة داليا عبد الله، رئيس قسم الترميم الأولي للآثار العضوية بالمتحف المصري الكبير واستشاري حملة الدفاع عن الحضارة للترميم والصيانة، أن قيمة الأثر التاريخية والأثرية لا تعتمد فقط على المادة المصنوعة منها، بل على المعلومات التي يمكن أن يضيفها للاكتشافات الأثرية.

وأوضحت أن التميمة المكتشفة قد لا تكون مصنوعة بالكامل من الذهب، بل من سبيكة معدنية مثل النحاس الأصفر أو البيلون (وهو خليط من الذهب والفضة)، وذلك بناءً على مظهر المعدن في الصور. ومع ذلك، شددت على أن الفحص الظاهري لا يكفي وحده لتحديد الخامة، مشيرةً إلى ضرورة استخدام أجهزة الفحص العلمي الدقيقة، مثل مطياف الأشعة السينية (XRF) أو تحليل حيود الأشعة السينية (XRD)، والتي يمكنها إعطاء نتائج مؤكدة خلال ثوانٍ معدودة.

كما لفتت الدكتورة داليا الانتباه إلى عدم دقة ملامح التميمة، حيث تبدو مختلفة عن التقاليد الفنية المعروفة في نحت التماثيل المصرية القديمة، مما يفتح التساؤلات حول أصالة القطعة.

تحليل المعدن باستخدام قياسات الكثافة

من جانبه، اقترح  سامح مقار، الباحث في اللغة المصرية القديمة، استخدام طريقة علمية دقيقة وغير تدميرية للكشف عن مادة التميمة، وهي قياس كثافة المعدن، من خلال:

  1. وزن التميمة بدقة بالجرام.
  2. قياس حجمها باستخدام دورق مدرج لحساب مقدار إزاحة المياه.
  3. حساب الكثافة بقسمة الوزن على الحجم (جم/سم³).

وأوضح أن كثافة الذهب تبلغ 19.3 جم/سم³، بينما تقل كثافة النحاس والبرونز عن النصف، حيث تبلغ كثافة النحاس 8.94 جم/سم³، أما البرونز فتتراوح كثافته بين 7.4 إلى 8.9 جم/سم³. وبالتالي، فإن مقارنة كثافة التميمة مع هذه القيم ستكشف عن نوع السبيكة المستخدمة.

احتمالية استخدام ذهب منخفض العيار

أشار الدكتور خلف فارس الطراونة، أستاذ المسكوكات الإسلامية بجامعة مؤتة، إلى أنه ليس من الضروري أن تكون التميمة مصنوعة من ذهب عالي العيار (24 أو 18 قيراطًا)، إذ كان القدماء يستخدمون سبائك ذات نسب متفاوتة من الذهب والفضة والنحاس، وقد يكون المعدن المستخدم ذهبًا منخفض العيار (8 قيراط)، وهو الأقرب إلى اللون الأصفر، وفقًا لخبرته في المسكوكات الذهبية القديمة.

وأكد أن الطريقة الأكثر دقة لتحديد المادة هي إجراء فحص مخبري، أو عرض التميمة على خبير مجوهرات مختص، إذ لا يمكن الحكم على طبيعة المعدن من خلال الصور فقط.

دعوات لضبط منهجية الإعلان عن الاكتشافات الأثرية

أوضح طارق مسلم، الباحث في الآثار المصرية القديمة، أن صورة التميمة لا توحي بأنها مصنوعة من الذهب، بل تبدو أقرب إلى النحاس، مما يستدعي إجراء اختبارات علمية دقيقة قبل التسرع في الإعلان عن المادة المصنوعة منها.

استنادًا إلى هذه الآراء العلمية، شدد الدكتور عبد الرحيم ريحان، رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، على أهمية توثيق أي كشف أثري توثيقًا علميًا دقيقًا قبل الإعلان عنه، وذلك للحفاظ على المصداقية العلمية.

كما دعا إلى استخدام أحدث التقنيات في تحليل المواد الأثرية، وعدم الاعتماد فقط على التقييم الظاهري، وذلك لضمان دقة المعلومات المتاحة حول القطع الأثرية، وحماية التراث المصري من أي التباسات علمية قد تؤثر على سمعته عالميًا.

ويبقى السؤال..هل تميمة الكرنك الذهبية حقًا مصنوعة من الذهب؟

في ضوء هذه المطالب، يظل السؤال مفتوحًا: هل تميمة الكرنك الذهبية حقًا مصنوعة من الذهب؟ أم أن التحليل العلمي سيكشف عن معدن آخر؟ تبقى نتائج الفحص العلمي المنتظر هي الفيصل في هذا الجدل، والذي من شأنه أن يضيف مزيدًا من الدقة والشفافية في التعامل مع الاكتشافات الأثرية المستقبلية في مصر.