
سيصبح يوم 20 يناير 2025 يومًا فارقًا في تاريخ العالم الحديث، فهو يوم تنصيب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الجديد. ومعه، ستبدأ الولايات المتحدة فترة رئاسية جديدة تمتد لأربع سنوات، حيث وضع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطوطه العريضة لاستراتيجيته القادمة، وهو يقود أقوى دولة في العالم عسكريًا واقتصاديًا.
وقبل أن يؤدِّ اليمين الدستورية، بدأ ترامب باتخاذ قرارات مبكرة، حيث أرسل مبعوثه الشخصي، ستيف كوف، إلى الدوحة لحضور اجتماعات وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل في غزة، والمساهمة في حل أزمة الرهائن. بل إنه أصدر تصريحات حاسمة قبل تنصيبه، مؤكداً أنه في حال عدم إطلاق سراح الرهائن قبل يوم 20 يناير، فإن الوضع في غزة سيتحول إلى جحيم سيدفع ثمنه الشرق الأوسط بأكمله.
لم يكتف ترامب بتصريحاته عن الشرق الأوسط، قبل بدء رئاسته الفعلية، حيث اضاف إليها تصريحات شائكة، عن عزمه ضم جرين لاند إلى الولايات المتحدة، وكذلك خليج بنما، وتغيير اسمه إلى خليج أمريكا، وهي التصريحات النابعة، ولا شك، من الرغبة في تعزيز المصالح الأمريكية، من الناحية العسكرية والاقتصادية والسياسية، دون أية اعتبارات لمصالح الغير، إذ تضم جرين لاند قاعدة عسكرية أمريكية، تستخدم في المهام الدفاعية، لصد أية تهديدات أو هجمات على الولايات المتحدة من ذلك الاتجاه، وهو ما يجعل جرين لاند، بموقعها المتميز، أحد أهم ركائز خطة الدفاع الاستراتيجي عن الولايات المتحدة الأمريكية.
فضلاً عما تمتلكه جرين لاند من موارد طبيعية، مثل المعادن والنفط، مما يؤهلها لأن تكون امتداداً اقتصادياً لبلاده على المدى الطويل.

ورغم تربع الاقتصاد الأمريكي على قمة القوى الاقتصادية العالمية، حتى الآن، إلا أن رغبة ترامب في السيطرة والاستحواذ على خليج وقناة بنما، تبدو وكأنها تحسباً للمستقبل، الذي يُتوقع فيه أن يتفوق التنين الأصفر الصيني اقتصادياً على نظيره الأمريكي بحلول عام 2035، وهو ما يدفعه لمحاولة التصدي لجموح التقدم الاقتصادي الصيني. ومما لا شك فيه أن تلك التصريحات، التي لم ترقى بعد لمرحلة القرارات، من شأنها خلق توترات ومشاحنات مع الصين، التي تعتمد على ذلك المحور في معاملاتها التجارية البحرية، وتعتبر أي مساس به، تهديداً مباشراً لمصالحها الاقتصادية، وهو ما لن تسمح به، خاصة وأن الولايات المتحدة تعتزم، أيضاً، زيادة تواجدها العسكري في تلك المنطقة، مما يعني تحويل المحيطين، الهادي والأطلسي، إلى منطقة توتر بين أمريكا والصين.
ترامب-2.webp" alt="الرئيس الأمريكى دونالد ترامب 2" width="800" height="542" />
وتعليقاً على استقالة رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، علق الرئيس، المنتخب، ترامب “ممازحاً” بوجوب ضم كندا للولايات المتحدة الأمريكية، واعتبارها الولاية الواحدة والخمسون، للسيطرة على تدفق المهاجرين إلى بلاده عبر حدودها، مهدداً باستخدام القوة الاقتصادية ضدها، وهو نفس التعليق الذي أطلقه أكثر من مرة، قبل ذلك، في مناسبات مختلفة، والذي لم يُثر استياء الإدارة والشعب الكندي فحسب، وإنما رفع درجة التوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة وروسيا، لما تنطوي عليه مثل تلك الخطوة، وإن كنت أراها بعيدة التنفيذ على أرض الواقع، من تعزيز للقوى العسكرية الأمريكية في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، وهو ما يصطدم مع طموحات وأطماع روسيا لتحقيق ذات الهدف، لما تحتويه منطقة القطب الشمالي من ثروات خاصة، سواء النفطية أو المعدنية. وفي رأيي أن مثل تلك التصريحات تعد الشرارة الأولى للصراعات المستقبلية التي سيشهدها العالم.
أما فيما يخص رأي الرئيس ترامب، وموقفه السياسي من حلف الناتو، فقد أوضحه جلياً خلال فترة ولايته السابقة، ولم يحاول إخفاؤه خلال حملته الانتخابية، أو بعد فوزه، ولم ينتظر حتى استلام مهام الإدارة الأمريكية، ليعود إلى إثارة الجدل والتوتر، مجدداً، بشأن ذلك الأمر من خلال تصريحاته عن الطموحات التوسعية، بالتحرك عسكرياً، لضم جرين لاند، وقناة بنما، ومطالبة دول حلف الناتو بضرورة زيادة الإنفاق الدفاعي إلى 5% من إنتاجهم المحلي، وهو ما لا يتعدى، حالياً، 2% فقط من الدخل، مقابل نحو 2.6٪ تنفقهم الولايات المتحدة الأمريكية.
ورغم أن وزير الدفاع الأمريكي، بالإدارة الأمريكية الحالية، لويد أوستن، كان قد بعث برسالة طمأنة لدول حلف الناتو باستمرار عضوية بلاده به، إلا أن رسالته، لن يكون لها، مع الأسف، أي تأثير في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي مستقبلاً، إذ بعثها وهو على مسافة 10 أيام من مغادرة منصبه.
وقد جاءت تصريحات ترامب حول زيادة مساهمات دول حلف الناتو مثيرة لاستياء العديد من رؤساء وقادة أوروبا، ومنهم المستشار الألماني شولتس، والرئيس الفرنسي ماكرون.
وعلى صعيد الحرب الروسية الأوكرانية، فقد سبق لترامب أن وصف الرئيس الأوكراني “بالتاجر الشاطر”، بعدما حصل من الإدارة الأمريكية الحالية على مساعدات عسكرية بما يزيد عن 60 مليار دولار منذ بدء الحرب مع روسيا، وهو ما أثار انزعاج الرئيس الأوكراني.
كما سبق له، أيضاً، التصريح بقدرته على إنهاء الحرب خلال 24 ساعة، مضيفاً أنها لم تكن لتندلع لو كان موجوداً بالسلطة، إلا أنه لم يشر، من قريب أو بعيد، إلى آليات ووسائل إنهائها.
ورغم ذلك، يبقى الأمل في الوفاء بتعهداته، بعد وصوله إلى البيت الأبيض، ووقف تلك الحرب التي هددت السلام الاقتصادي في كل دول العالم.
ولكن جاءت الضربة من الرئيس ترامب، حين أعلن أثناء وجوده على متن الطائرة الرئاسية عن نقل أهالي غزة إلى مصر والأردن.
وبالطبع، لاقى استياء شديد من كافة أطياف الشعب المصري، مما دفع الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى التأكيد على أن غزة “خط أحمر”، وهو الموقف الذي وحّد الشعب المصري حول الرئيس السيسي لأول مرة منذ سنوات، رافضين ذلك المقترح بشكل قاطع.
وفجأة، جاءت ضربة أخرى من الرئيس ترامب خلال لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث أعلن دعمه لضم أجزاء من الضفة الغربية إلى إسرائيل، الأمر الذي قوبل برفض واسع في العالم العربي وجاء رفض كل مقترحات الرئيس ترامب من معظم دول العالم، وعلى رأسها فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وهي من أقرب الدول حليفًا للولايات المتحدة.
كما أن الحزب الديمقراطي الأمريكي أعلن رفضه لهذا القرارات، مؤكدًا عدم موافقته عليه، خاصة بعد تصريح ترامب بتمويل غزة لتحويلها إلى “ريفيرا الشرق الأوسط”.
ومع تصاعد الغضب في الشارع المصري والعربي، يبدو أن ترامب يكسب عداء المصريين والعرب.
وهكذا جاءت جميع أفكار وسياسة الرئيس ترامب منذ توليه السلطة يوم العشرين من يناير لتغيير العديد من المفاهيم السياسية في الفترة القادمة ليس في الشرق الأوسط ولكنه في العالم كله ومن هنا نقول ان العالم اصبح يصنف ما قبل ترامب ما بعد ترامب.