بأقلامهم

” اللواء الدكتور سمير فرج ” يكتب لـ ” المحروسة نيوز ” :رؤية تحليلية ..كيف خرجت إسرائيل من حرب غزة؟!!

في يوم 23 يناير، 2025 | بتوقيت 12:01 صباحًا

فى أعقاب كل حرب، وحتى قبل أن تهدأ أصوات القنابل، وينقشع دخان البارود، يكون المفكرون والمحللون العسكريون والسياسيون قد بدأوا، بالفعل، فى دراسة نتائج أعمال القتال، وما حققته تلك الحرب، والدروس المستفادة منها. واليوم، إن وضعت نفسى فى مكان أى من مراكز الدراسات الإسرائيلية، التى ستشرع، كغيرها، فى تقييم نتائج الحرب فى غزة، التى استمرت لمدة خمسة عشر شهراً، منذ اندلاعها فى أكتوبر 2023، فسيكون لى الكثير من التوصيات والتوجيهات.

وكطبيعة تلك النوعية من الدراسات، فإن تقييمها، وتحليل نتائجها، يرتبط، بالأساس، بالنظر إلى أهدافها، ودراسة ما تحقق منها، لذا دعونا نسرد، فى البداية، أهداف تلك الحرب، كما أعلنتها إسرائيل، منذ اليوم الأول لعملياتها العسكرية فى غزة، والتى تمثلت فى تحرير الرهائن بالقوة، كهدف أول، وهو ما لم يتحقق، إذ لم يتم تحرير الرهائن إلا من خلال المفاوضات،

أما ثانى الأهداف فكان القضاء على حماس، وهم ما لم يتحقق، كذلك، حتى وإن تمكنت إسرائيل من إضعاف قوة حماس العسكرية، إلا أنها لم تقضِ عليها.

كما أعلنت إسرائيل عن هدفها الثالث من الحرب، وهو الاستيلاء على غزة، وإخلائها من مواطنيها، وهو ما فشلت فيه إسرائيل، وخرجت قواتها من غزة خاوية الفرائض، ولم تتمكن من إخلائها، بعدما تصدى الرئيس السيسى للمخطط الإسرائيلى بتهجير أهالى غزة، قسرياً، إلى سيناء. وهكذا يتأكد لنا أن إسرائيل لم تحقق أى من أهدافها فى الحرب.

أما بالنسبة لأهدافها الداخلية، فقد ادعت الحكومة الإسرائيلية أن حربها فى غزة، وعملياتها العسكرية فى جنوب لبنان، من شأنها توفير الأمن والأمان لشعب إسرائيل، باعتبار أن الجيش الإسرائيلى يحارب كل من يحاول المساس بالمواطن الإسرائيلي، إلا أنها فشلت، مرة أخرى، فى ذلك، ووجد الإسرائيليون أنفسهم تحت وابل من الهجمات الصاروخية سواء من حماس أو الحوثيون أو حزب الله، على مدار خمسة عشر شهراً، تم خلالهم قصف تل أبيب وحيفا وإيلات، فكانت صفارات الإنذار تُطلق فى كل مكان، حتى اليوم الأخير قبل وقف إطلاق النار، وعجز جيش الاحتلال الإسرائيلى عن حماية الإسرائيليون، الذين أصيب الآلاف منهم.

وبتحليل العمليات القتالية نجد أن جيش الاحتلال الإسرائيلى اعتمد على ثلاثة أنظمة دفاع جوى للتصدى للطائرات المعادية والصواريخ، وهم القبة الحديدية، ومقلاع داود، والسهم (حيتسي)، ورغم تزامن عمل تلك الأنظمة، إلا أنها فشلت، جميعاً، فى حماية سماء إسرائيل، وهو ما أتوقع معه صدور توصيات بضرورة تطويرها ورفع كفاءتها، للقيام بمهامها. أما عن قدرات الجيش الإسرائيلى فى الدخول فى حرب تقليدية، مع جيوش نظامية، فقد أثبتت حرب غزة أن الجيش الإسرائيلى قد اكتسب خبرات قتالية، وتخطيطية، فى مواجهة حروب العصابات وحروب المدن، ولكن فقد كفاءته القتالية فى الحروب التقليدية ضد أى جيش نظامي، وهو ما من شأنه التوصية بعدم التورط فى أى حرب نظامية، قبل مرور عامين على الأقل، لحين إعادة تأهيل القوات والتدريب على الحرب التقليدية. وقد لفت انتباهي، بشدة، ما كشفته الحرب من مواطن الضعف فى معنويات القوات الإسرائيلية، انعكست من خلال دخول أعداد من الجنود للمستشفيات العسكرية، للحصول على العلاج النفسي، نتيجة رفضهم للحرب.

من ناحية أخرى، واجه الجيش الإسرائيلى صعوبات فى التعامل مع قوات الحوثيين فى اليمن؛ فرغم توجيه ضربات صاروخية، وهجمات جوية، غير فعالة، ضدهم، سواء من جيش الاحتلال الإسرائيلي، أو من قوات التحالف فى البحر الأحمر، إلا أن دقة الحوثيون فى إطلاق صواريخ باليستية كان ملحوظاً، وهو ما يدل على اتساع قاعدتهم المعلوماتية، مقابل المحدودية النسبية لمعلومات جيش الاحتلال عنهم، والتى اعتمدت على معلومات قوات التحالفات الأمريكية والغربية فى البحر الأحمر، وهو ما لم يكن كافياً. لذا أتصور أن يحاول جيش الاحتلال الإسرائيلي، مستقبلاً، تحقيق تواجد عسكرى فى منطقة القرن الأفريقي، لحماية مصالحه الملاحية فى البحر الأحمر، بما لذلك من تأثير مباشر على ميناء إيلات.

أما الإعلام الإسرائيلي، فقد تجلى ضعفه فى التصدى لموجات الغضب التى اجتاحت عواصم العالم، نتيجة للأعمال الوحشية التى يمارسها جيش الاحتلال ضد المدنيين، العُزل، فى غزة، وضد منظمات الإغاثة الأممية، حتى أن 800 جامعة أمريكية شهدت مظاهرات لتأييد الشعب الفلسطيني، واتهام الجيش الإسرائيلى بارتكاب جرائم حرب فى غزة والضفة الغربية. ورغم دعم الكثير من الإعلام الغربى لإسرائيل، من خلال الرقابة على المحتوى الإعلامى المتداول، والتمييز ضد غزة، بما جعل ما يذاع، سواء القصف المستمر للمدارس والمنازل والمستشفيات، لا يتعد كونه نسبة ضئيلة من فظائع الاحتلال، إلا أن الحرب كشفت حقيقة إسرائيل أمام كل شعوب العالم، وبعض قياداته، كدولة لا تراعى حقوق الإنسان، ولا تلتزم بالقوانين والمواثيق الدولية.

وفى ذات السياق، وعلى الصعيد السياسي، فقد كانت الحرب سبباً فى إدانة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، وإدانة رئيس حكومتها، بنيامين نتنياهو، لتفقد إسرائيل تأييد بعض الشعوب الداعمة لها، من قبل، وتسقط الشماعة التى كانت تعلق عليها أخطاءها، وهى “كره العالم لليهود”، كما ثبت، للمرة الثانية، بعد حرب أكتوبر 1973، كذب أسطورة “الجيش الإسرائيلى الذى لا يُقهر”، بعدما تهاوى أمام ضربات المقاومة.

وأخيراً، أتوقع تشكيل إسرائيل لجنة لمحاسبة المقصرين فى تلك الحرب، مثلما سبق وشكلت لجنة أجرانات فى أعقاب حرب 1973، وهو ما يخشاه نتنياهو، يقيناً من نتائج تلك اللجنة!

كاتب المقال

اللواء أركان حرب الدكتور سمير سعيد محمود فرج

Email: sfarag.media@outlook.com1

واحداً من أهم أبناء القوات المسلحة المصرية.

ولد في 14 يناير في مدينة بورسعيد، لأب وأم مصريين.

تخرج، سمير فرج، من الكلية الحربية عام 1963.

والتحق بسلاح المشاة، ليتدرج في المناصب العسكرية حتى منصب قائد فرقة مشاة ميكانيكي.

تخرج من كلية أركان حرب المصرية في عام 1973.

والتحق بعدها بكلية كمبرلي الملكية لأركان الحرب بإنجلترا في عام 1974، وهي أكبر الكليات العسكرية في المملكة البريطانية،وواحدة من أكبر الكليات العسكرية على مستوى العالم.

فور تخرجه منها، عُين مدرساً بها، ليكون بذلك أول ضابط يُعين في هذا المنصب، من خارج دول حلف الناتو، والكومنولث البريطاني.

تولى، اللواء أركان حرب الدكتور سمير سعيد محمود فرج، ، العديد من المناصب الرئيسية في القوات المسلحة المصرية، منها هيئة العمليات، وهيئة البحوث العسكرية. وعمل مدرساً في معهد المشاة، ومدرساً بكلية القادة والأركان. كما عين مديراً لمكتب مدير عام المخابرات الحربية ورئاسة إدارة الشئون المعنوية.

تتلمذ على يده العديد من الشخصيات السياسية والعسكرية البارزة، إبان عمله مدرساً في معهد المشاة، ومدرساً في كلية القادة والأركان المصرية.

لم تقتصر حياته العملية، على المناصب العسكرية فحسب، وإنما عمل، سمير فرج، بعد انتهاء خدمته العسكرية، في العديد من المناصب المدنية الحيوية، ومنها وكيل أول وزارة السياحة، ورئيس دار الأوبرا المصرية، ومحافظ الأقصر. ويشغل حالياً منصب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة NatEnergy.

وله العديد من الكتب والمؤلفات العسكرية، خاصة فيما يخص أساليب القتال في العقيدة الغربية العسكرية. كما أن له عمود أسبوعي، يوم الخميس، في جريدة الأهرام المصرية ومقال أسبوعى يوم السبت فى جريدة أخبار اليوم.