وسط محيط متلاطم الأمواج من التحديات التي تواجه مهنة الصحافة عالميًا ومحليًا، من تحديات اقتصادية، وأزمات الوسيط الورقي، وميلاد الوسائط الرقمية، تظل الصحافة كمهنة وإن كانت في خطر، هي أحد أهم أعمدة الدولة الوطنية الديمقراطية، والحارس الأمين للوعي العام.
فقد وقفت الصحافة المصرية، على مدار تاريخها، على ثغور الوعي، مقاتلة دفاعًا عن مقدرات الوطن واستقلال إرادته، محافظة على محددات أمنه القومي، بدوائره المحلية والإقليمية والقارية، قاتلت دفاعًا عن استقلال الوطن في مواجهة الاحتلال البريطاني، فاصدر الاحتلال قانون المطبوعات عام 1881، لاغلاق صحف الثورة العرابية: اللواء والدستور وأبناء النيل.
في عمق تاريخ مصر، تضرب الصحافة بجذورها مسافة تفوق 196 عامًا، بصدور العدد الأول من صحيفة الوقائع المصرية 3 ديسمبر 1828م، الممتد دورها حتى اليوم في نشر القرارات والقوانين كشرط أساسي لدخولها حيز التنفيذ.
وما بين نشأت الوقائع المصرية، وما تلاها من صحف خاصة أهلية، وحزبية، وقومية، تاريخ حافل من النضال، والدفاع المستميت عن الثوابت الوطنية، ودعم القضايا القومية العربية.
قاتلت الصحافة المصرية بالكلمة، في مواجهة الاحتلال البريطاني، ومواجهة وعد بالفور دعمًا للقضية الفلسطينية، فعقدت نقابة الصحفيين المصريين، مؤتمرًا دعمًا للشعب الفلسطيني في مواجهة الوعد الظالم في العام 1945, ليستمر الموقف الداعم على مدار الأجيال المتعاقبة وحتى اليوم.
واجهت الصحافة حملات بث روح اليأس والحروب النفسية، التي أطلقت بالتزامن مع نكسة 1967، ولعبت دورًا بارزًا قدمت فيه شهداء على الجبهة حتى تحرير سيناء في السادس من أكتوبر 1973، وما تلى حرب التحرير من معارك قانونية ودبلوماسية.
وصولًا إلى دور الصحافة والإعلام، في معارك التنوير، في مواجهة الفكر التكفيري، ومعارك التطهير من الإرهاب والتعمير، وحروب الشائعات، ونقل نبض المواطنين وهمومهم وآلامهم.
مبكرًا أدرك الصحفيون أهمية أن يكون لديهم نقابة، تعبر عن مصالح أعضائها، وتدافع عن مهنتهم، وتدير الحوار البناء لتحقيق ما يحقق مصلحة المهنة وأعضائها والوطن.
تلك المحاولات بدأت 1919، بمشروع قانون لنقابة الصحفيين، ومجلس برئاسة جبرائيل تكلا، وباءت أولى المحاولات بالفشل، أعقبها محاولة جديدة لأمين الرافعي ومحمود حمزة، في السادس من أكتوبر 1933، بتأسيس «أسرة الصحافة»، لم يكتب لها النجاح.
ليأتي 31 مارس 1941، حاملًا معه شهادة ميلاد النقابة، وثمرة جهود الاجيال، بصدور المرسوم الملكي رقم 10 لسنة 1941، بقانون إنشاء نقابة الصحفيين، ليتشكل مجلس مؤقت لإدارة شؤون النقابة الوليدة التي بلا مقر.
وفي الخامس من ديسمبر 1641، عقدت الجمعية العمومية الأولى لنقابة الصحفيين، بمشاركة 110 من الأعضاء، بمحكمة الاستئناف، لانتخاب أول مجلس للنقابة، من 12 عضوًا نصفهم ممثلين للصحفيين والنصف الأخر من ملاك الصحف.
وفي مقر دار البلاغ للصحافة والنشر، عقد المجلس أول اجتماعاته، لينتخب الأستاذ محمود أبوالفتوح أول نقيب للصحفيين، وتتوالى الاجتماعات في دور الصحف، ليصل عددها 28 اجتماعًا في العام الأول لمجلس النقابة.
وتتوالى الأحداث، وتصحح النقابة قانونها بصدور القانون 185 لسنة 1955، لتكون العضوية في النقابة قاصرة على الصحفيين، وحدهم، واستبعاد الملاك من عضويتها، لتمارس النقابة دورها في حماية الصحفيين وحقوقهم، وعلاقات عمل قانونية مع الملاك.
ومن المعنى إلى المبنى، نجحت الأجيال المؤسسة، في الحصول على مقر دائم للنقابة، ببدء وضع حجر الاساس في الأول من يونيو 1947، بمقرها الحالي 4 شارع عبدالخالق ثروت، ليفتتح المبنى في الخامس من مارس 1949، مبنى يليق بالصحفيين أمامه حديقة تمثل 60 ٪ من المساحة.
شهد المبنى القديم، المؤتمر العام الأول للصحفيين 30 أكتوبر 1964، مرورًا بالجمعيات العمومية التاريخية، وفي القلب منها الجمعية العمومية الطارئة 10 يونيو 1995 لرفض مشروع قانون تم إقراره بشكل مفاجيء 28 مايو 1995 يجيز الحبس ويعيق مهنة الصحافة.
تلك الجمعية الطارئة التي ظلت منعقدة بشكل دائم، لحين انتهاء الأزمة، عكست إدارة حكيمة من مجلس النقابة بقيادة النقيب الراحل الكاتب الصحفي إبراهيم نافع رحمه الله، للحوار البناء بين النقابة والدولة، واستجاب الرئيس محمد حسني مبارك وجمد القانون المعترض عليه لحين وضع مشروع.
ومع تزايد أعداد أعضاء النقابة، واحتياج المبنى للتطوير، وافقت الجمعية العمومية على مقترح مجلس النقابة برئاسة الكاتب الصحفي الراحل إبراهيم نافع، ليتم وضع حجر أساس المبنى الجديد 10 يونيو 1997 ، ليفتتح في يوليو 2002.
وما بين المؤتمر العام الأول للصحفيين، ومؤتمرهم العام السادس الذي يفتتح اليوم 60 عامًا، شهدت خلالها مهنة الصحافة تحديات وتحولات، ومستجدات، وتضاعف أعضاء الجمعية العمومية، ومشكلات سوق العمل، بما يجعل من المؤتمر العام بنسخته الحالية فرصة سانحة لحوار بناء.
نجاح المؤتمر مرهون بالبحث الجدي في علاجات جذرية لمشكلاتنا المهنية المتأصلة، لا مجرد حلول قشرية.
أولى تلك القضايا، إعادة صياغة البنية التشريعية، لتحقيق عدة أهداف:
1– خلق موارد اقتصادية تعزز قدرة المؤسسات الصحفية على الاستمرار وأداء دورها المهني، وحقوق العاملين بها.
2– خلق موارد اقتصادية دائمة لنقابة الصحفيين، تمكنها من تعزيز دورها الخدمي.
3– معالجة الثغرات التشريعية بما يعظم الحقوق والحريات والوجبات.
4– إصلاح التشريعات واللوائح الحاكمة للقيد، لمواكبة متغيرات سوق العمل، بحيث يرتبط القيد بمدى احتياج سوق العمل، مع حل أزمات الصحافة الرقمية.
5– تحقيق العدالة بإزالة الغبن الواقع على رواد المهنة وشيوخها، ومنحهم الحق في التصويت والترشح والمساومة بين قيمة بدل التكنولوجيا والتدريب وقيمة المعاش وما يطرأ عليهما من زيادات.
ثاني تلك القضايا:
ملف التدريب والارتقاء بالمهنة وربط الترقي باجتياز دورات تأهيلية، لضمان استمرارية خلق قيمة مضافة في القدرات تخلق فرص عمل تواكب التطور.
ثالث تلك القضايا:
إيجاد حلول جذرية لأزمة البطالة، وضمان الحق في أجور عادلة.
المؤتمر العام السادس فرصة، لبناء رؤية تعبر عن الجمعية العمومية، والخروج بتوصيات مصحوبة بآليات تنفيذية لإنقاذ مهنة في خطر.