أخبار

” الدكتور عبد الرحيم ريحان ” يكتب لـ ” المحروسة نيوز ” : تأسيس “علم الآثار القرآنى” ضرورة حتمية وليس ترفاً

في يوم 7 ديسمبر، 2024 | بتوقيت 3:00 مساءً

الحديث مع العالم الكبير حامل هموم تراث الوطن العربى الأستاذ الدكتور محمد الكحلاوى رئيس مجلس الآثاريين العرب هو كنز كبير، كلما جلست معه أو هاتفته تيلفونيًا أو حدثته عبر أي وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعى توالدت لديك أفكار كثيرة وتفّجرت لديك قضايا متعددة وقالوا في المثل ” من جاور السعيد يسعد”

وقضية وفكرة اليوم الذى نفجرها جاءت في حديث العالم الجليل عندما قال لى (الكثيرون يرفضون أي حديث من جانبنا حول النصوص القرآنية، لكن في المقابل فإن إسرائيل تتحدّث بالنص التوراتي وتفرضه علينا وتحاسبنا اليوم على تراثنا العربي وتنسبه لنفسها بناءً على نصوص توراتية، ولو أراد أي عالم آثار إطلاق مصطلح «علم الآثار القرآني» اتهموه بالجنون، فاليهود يعرفون جيدًا كيف يروجون لمعلوماتهم وتأصيلها حتى لو كانت مزورة، بينما نحن نعجز عن تسويق معلوماتنا حتى وإن كانت موثقة وصحيحة)

وقد لاحظت أثناء دراستى للعمارة والفنون البيزنطية بجامعة أثينا وتجوالى بين المكتبات الدولية بأثينا، المكتبة البريطانية والفرنسية والأمريكية ومكتبة جامعة أثينا نفسها أن معظم الأبحاث المنشورة بالدوريات العلمية بنسبة قد تصل إلى أكثر من 90% خاصة بتاريخ فلسطين والشرق الأدنى وكلها تعتمد على علم الآثار التوراتى المجنّد له علماء على مستوى العالم يقومون بأعمال حفائر في مواقع مختلفة تحت أي مسميات وينشرون أبحاثهم في الدوريات العلمية التي تدور في فلك تزوير تاريخ فلسطين بالكامل والشرق الأدنى كنتائج لهذه الحفائر الممولة من مؤسسات كبرى تتبنى علم الآثار التوراتى

وعلى الجانب الآخر حين يأتي علماء عرب لتفسير القرآن التفسير التاريخى والجغرافى يقف له بالمرصاد العلماء العرب أنفسهم بحجة الفصل بين القرآن الكريم وعلم الآثار بحجج واهية بأن القرآن ليس كتاب تاريخ، نعم هو ليس كتاب تاريخ لكنه كتاب دين فيه كل علوم العالم الذى استفاد منها الغرب في الطب والعلوم المختلفة، وتوقف المسلمون عن حدود قراءة القرآن في الجنازات ووضعه في الصالونات والسيارات كنوع من الكماليات، بحجة أن الغرب لن يعترف بالقرآن فكيف نستخلص منه حقائق تاريخ أو آثار، والرد على ذلك عدم اعترافهم ليس حجة على القرآن بل القرآن هو حجة على الجميع وعلم مفتوح ومتجدد بشرط وجود من يمتلكون الثقافة الواسعة لحسن تفسيره وفى آياته دعوة لدراسة التاريخ والآثار (قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِى ٱلْأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ) آل عمران 137.
العمارة والعمران

وتحدّث القرآن عن العمارة والعمران المرتبط بالحضارات (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) الحج آية 45.

والبئر تعنى ارتباط الحضارات بمصدر المياه، والقصر المشيد هو العمران الذى ينشأ حول مصادر المياه، وكلمة مَّشِيدٍ من الشيد وهو الجير الذي يستعمل كَمُونَةٍ في بناء الحجر وقديمًا كان البناء بالطوب اللَّبن والمونة من الطين، أما في القصور والمساكن الفخمة الراقية فالبناء بالحجر، وقد عرف المصرى القديم البناء بالطوب اللبن والبناء بالحجر وذكر ذلك في القرآن الكريم (فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا) القصص 38 وهو حرق الطوب اللبن لعمل الطوب الأحمر فيما يعرف اليوم بقمائن الطوب

الأهرامات
وجاء ذكر الأهرامات والمسلات (َوثَمُودَ الذين جَابُواْ الصخر بالواد وَفِرْعَوْنَ ذِى الأوتاد) الفجر 10، وهى الأهرامات التى تشبه الأوتاد الثابتة فى الأرض المتينة البنيان استُعمل الوتد في الصروح المشيَّدة السامقة العالية، وإنَّما يُقال للمباني والصروح والأبراج العالية أوتادًا لأنَّها مُثبتَّة في الأرض سامقة في السماء وربما تكون المسلات أيضًا، وتحدّث عن قطع فنية نعثر عليها في الحفائر مثل مكيال نبى الله يوسف وهو صواع الملك (قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِير)ٍ يوسف آية 72.

مائدة السماء

وجاء ذكر مائدة السماء وهو العشاء الأخير المشهور في المسيحية (إذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) المائدة آية 112.

المنشئات الدفاعية
واستمدت العمارة الدفاعية الإسلامية فقه الإسلام في نشأة الرباط والخانقاوات والقلاع والطوابى والأبراج (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) آل عمران 61
والمراد بالمرابطة ها هنا مرابطة الغزو في نحور العدو وحفظ ثغور الإسلام وصيانتها عن دخول الأعداء إلى حوزة بلاد المسلمين وأسس الرباط في أول الأمر كمنشأة عسكرية، ومن المرجح أن نظام الخانقاوات الذي ظهر بعد ذلك أُخذ عن الرباط، حيث إنه في الرباط كان المرابطون يؤهلون دينيًا وروحيًا بجانب تدريبهم عسكريًا للجهاد والدفاع عن حدود الدولة الإسلامية وكان الرباط يقام على الحدود وفى تونس اليوم اثنان من هذه الأربطة: الأول رباط المنستير، الذي شيده هرثمة بن أعين سنة 180هـ / 796م، والرباط الثاني: هو رباط سوسة على خليج قابس في شمال أفريقيا والذي أسس سنة 206هـ / 821م
القرأن والقضايا العصرية
يمكننا بالفهم والتفسير الصحيح للقرآن الكريم بواسطة المتخصصين واسعى الثقافة والمعرفة إيجاد حلول للكثير من القضايا الشائكة ومنها على سبيل المثال انتشار ظاهرة الحفر خلسة الذى زادت حدته في سنين الفوضى بعد 2011 ووجدوا ضالتهم في فتاوى غير علمية بتحليل الركاز أي يحق لك ما تحت منزلك

وفى هذا الصدد انتهزت فرصة وجودى في إحدى الندوات للعالم الكبير الدكتور أسامة الأزهرى بساقية الصاوى قبل توليه وزارة الأوقاف وسألته عن الركاز والحفر خلسة، والركاز في الإسلام يشير إلى ما وجد مدفونًا في الأرض من مال الجاهلية ويقصد به حضارات ما قبل الإسلام وأوجب الشرع فيه عند استخراجه الخمس لصاحب المنزل والباقي لمن استخرجه حسب ما هو معروف، ووجدت فيه نموذجًا للعالم الذى لا تتوقف مداركه عند علوم الدين فقط دون توسعتها بثقافة واسعة في كل العلوم

وأوضح الدكتور أسامة الأزهرى إن فتوى الركاز انتشرت فى فترة كان لا يعلم العالم من الأصل ما هى الآثار وما قيمتها وكانت الأشياء مجرد أحجار أو معادن يتم العثور عليها لذا وجب التصرف فيها فى حدود الخمس لصاحب المنزل الذى يتم الحفر أسفله ولو أن أهل الفتوى بالركاز بيننا فى هذا الوقت لأفتوا بتحريم الحفر خلسة لتغير المفاهيم.
وأشار إلى أنه بعد اكتشاف أهمية الآثار منذ القرن الماضى تحول مفهوم ما يتم العثور عليه تحت الأرض إلى ملكية عامة فالهرم مثلًا ملكًا لكل المصريين وبالتالى فإن الحفر خلسة خارج نطاق الأطر الشرعية والقانونية المعروفة من خلال المجلس الأعلى للآثار فهو حرام شرعًا وكل ما يترتب عليه من تهريب واتجار حرام شرعًا لأن هذه الآثار أصبحت تمثل وثيقة تاريخية حضارية لشعب معين وأصبحت جزءًا من كيانه وهويته والتلاعب بها واستخراجها بشكل غير قانونى هى عمل ضد الوطن والشعب وهويته.
ومن هذا المنطلق تطالب حملة الدفاع عن الحضارة بتأسيس “علم الآثار القرآنى” يتم تخصيص أقسام له بجامعة الأزهر وكليات الآداب ليكون بداية لفتح الطريق لآفاق واسعة في هذا العلم تسهم في تفسير الحقائق التاريخية والأثرية تعتمد على دراسة التاريخ والآثار وعلم الحفريات مع العلوم الدينية وفقه العمارة الإسلامية

كاتب المقال

الدكتور عبد الرحيم ريحان 

رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية 

المستشار الإعلامى والمتحدث الرسمى لإتخاد الآثريين العرب 

ليسانس اثار من كلية الاثار جامعة القاهرة قسم الاثار الاسلامية عام 1984.

ماجيستير في الاثار الاسلامية من قسم الاثار الاسلامية كلية الاثار جامعة القاهرة عام 2006 بعنوان “دراسة اثرية حضارية للاثار المسيحية بسيناء” .

عضو بالاتحاد العام للاثاريين العرب.

شارك فى عدة مؤتمرات علمية بجامعة القاهرة وجامعة الدول العربية وجامعة اثينا بأبحاث عن آثار سيناء وفلسطين.

أعماله العلمية

 عمل مفتشاً للاثار بمنطقة جنوب سيناء منذ عام 1986 ثم كبير مفتشين ، مديراً لمنطقة اثار ذهب

قام باعمال حفائر أثرية بعدة مناطق بسيناء شملت دهب، طور سيناء، طابا، واعمال مسح أثرى بمعظم أودية سيناء وأشرف على أعمال بعثة آثار يابانية بالطور وألمانية بواد فيران لمواسم عديدة.

حصل على منحة التدريب على أعمال الحفائر العلمية من مركز البحوث الأمريكى بالقاهرة Field school  عام 1996.

قدم 4 دراسات أثرية على مدى عامين 98- 1999 بقطاع التخصص فى الآثار البيزنطية بقسم التاريخ والآثار كلية الآداب جامعة أثينا عن العمارة والفنون البيزنطية وحصل على شهادة بإتمام دراسة اللغة اليونانية من نفس الجامعة.

 دكتوراة فى الاثار الاسلامية بقسم الاثار الاسلامية كلية الاثار جامعة القاهرة.

الابحاث المنشورة

منشأ الرهبنة بسيناء  (كتاب المؤتمر الرابع للآثاريين العرب الندوة العلمية الثالثة 27-29 أكتوبر 2001 ، القاهرة 2001)

قلعة صلاح الدين بطابا ومزاعم اليهود (كتاب المؤتمر الخامس لجمعية الآثاريين العرب الندوة العلمية الرابعة 19-20 أكتوبر 2002 ، القاهرة 2002)

الأنباط بسيناء ودورهم الحضارى (كتاب المؤتمر السادس للاتحاد العام للآثاريين العرب 4-6 أكتوبر 2003 ، القاهرة 2003).

حقيقة الهيكل المزعوم (مجلة الاتحاد العام للآثاريين العرب العدد الرابع يناير 2003 ).

طريق الحج المسيحى بسيناء وادعاءات اليهود (كتاب المؤتمر السابع للاتحاد العام للآثاريين العرب 2-3 أكتوبر 2004 ، القاهرة 2004).

سيناء عبر العصور (مجلة الاتحاد العام للآثاريين العرب العدد الخامس يناير 2004).

أصل وتطور البازيليكا (مجلة الاتحاد العام للآثاريين العرب العدد السادس يناير 2005).

المدينة البيزنطية المكتشفة بوادى فيران جنوب سيناء (كتاب المؤتمر الثامن للاتحاد العام للآثاريين العرب 26-27 نوفمبر 2005).

دير سانت كاترين بسيناء ملتقى الأديان (كتاب المؤتمر التاسع للاتحاد العام للآثاريين العرب 11-12 نوفمبر 2006 ، القاهرة 2006).

الاكتشافات الأثرية للآثار المسيحية بسيناء (مجلة الاتحاد العام للآثاريين العرب العدد السابع يناير 2006) .