المنطقة الحرةأخبار عاجلةسلايدر

دراسة جديدة تكشف عن وثائق الزواج والطلاق عند الأقباط

في يوم 17 نوفمبر، 2024 | بتوقيت 3:52 مساءً

كتب الدكتور  عبد الرحيم ريحان 

دراسة جديدة للباحثة الدكتورة رودينا بيومى حسن تتطرق لبعض التفاصيل المتعلقة بالزواج والمراسم التي تسبق الزواج وكتابة عقد الزواج والمهر والطلاق من خلال المصادر النصية المكتوبة بالخط القبطي، وعددها عشرة نصوص ترجع معظمها إلى الفترة من نهاية القرن السادس وحتى القرن الثامن الميلادي وقليل منها من الفترة المتأخرة للغة القبطية (من منتصف القرن التاسع إلي القرن الحادي عشر الميلاديين)
ويعد الزواج القبطي امتدادًا لتقاليد وعادات المصريين القدماء مع تغيرات ثقافية واجتماعية ظهرت مع انتشار المسيحية وكان الزواج بشكل عام مبنى على الحب والتفاهم والاهتمام بين الزوجين، من خلال أحد عقود الزواج القبطية حيث نجد الزوج يوعد زوجته بحسن المعاملة ويعبر عن هذا في أحد عقود الزواج قائلاً: “يجب على أن لا احتقرك وكأنك أكثر من جسدي”. 
الزواج القبطي: 
وتشير الدكتورة رودينا بيومى حسن إلى أن السائد في مصر الرومانية المتأخرة أن الرجال يبحثون عن زوجة في عمر ما بين 17 الى 20 عام وكان عمر النساء يقارب 13 الى 16 عام، وكان الزواج بين الأقارب في المجتمع المصري القبطي مرغوبًا وميسرًا لضمان الأصل وتقارب المستوى الاجتماعي وللحفاظ على ممتلكات الأسرة وغالبا ما نجد الزوج والزوجة في العقود القبطية من نفس القرية 
وفى اغلب الأحوال لم يكن من المعتاد توثيق هذه الاتفاقيات بعقد مكتوب وكانت عادة تتم بشكل شفاهي ولهذا نجد أن الوثائق المكتوبة عددها قليل، وقلة هذه النوعية من الوثائق ليس فقط حكرًا علي النصوص القبطية، وإنما في كل أنواع النصوص الأخرى (الديموطيقية، اليونانية وحتي العربية)، لعدم الحاجة للتوثيق بغرض التوثيق لذاته وانما يمكن الاستنتاج من خلال الوثائق القبطية انه يتم التوثيق في حالات نادرة ولأغراض محدده 
ومن الهام أيضا للزوجة ان يتم تحديد وضعها فيما يتعلق بالشؤون المالية والالتزامات وممتلكاتها الناتجة عن الطلاق والميراث وكذلك اثبات قيمة المهر المتفق عليه أو ما تبقى منه وقد يشمل العقد في بعض الاحيان شرط عذرية العروس.
عقد الزواج
وفى حالة اتفاق طرفي العقد على تسجيل هذا الاتفاق في عقد مكتوب كان يتم الرجوع الى كاتب مختص بتوثيق هذه العقود غالبا، أو أحد أفراد الأسرة  وقد يكون الكاتب هو الزوج او الزوجة ، وتم التعبير عن الزواج بأن “يتخذ زوجة/ امرأة لنفسه”. وكان العقد لابد أن يحتوي على مجموعه من العناصر الهامة التي تضفي عليه صفته القانونية وكذلك بعض العناصر الثانوية الإضافية، فعلى سبيل المثال من العناصر الأساسية:
1- التعريف بأطراف العقد وصفتهم ووظائفهم أحيانًا وكذلك مدينتهم فنجد على سبيل المثال أحد طرفيى العقد يكتب ” انا باخوم، ابن تاجر الألوان بساده من اخميم الذى يعيش حاليا فى مقاطعة بسوى، أصدر هذه الوثيقة وأكتب إلى 
2- يتعين عند كتابة الوثيقة وضع تاريخ محدد للوثيقة وإن كان يستخدم تقاويم مختلفة أو حتى أن يحدد التاريخ حسب سنوات حكم حاكم معين او عدد سنوات اعتلاء أحد البطاركة للبطريركية.
3- تحديد الغرامات لمن يخل ببنود العقد أو يفسخه وإمكانية مقاضاته أمام المحكمة.
4- نجد في نهاية العقد بعض توقيعات الشهود الموثوقين وكانوا غالبًا من نفس البلدة، ولم يكن للشهود عدد محدد فيتراوح ما بين شاهدين وحتى سته عشر شاهد في أحد العقود ومن المميز جدا في توقيعات الشهود ان نجد لهم صفات مختلفة فهم أحيانًا افراد عاديين من أفراد الاسرة وأحيانًا يكونوا من الكهنة وكذلك يمكن أن نجد شهودًا مسلمين من بينهم وهذا يوضح التداخل القوى بين أفراد المجتمع آنذاك بعد دخول الإسلام إلى مصر 
عناصر ثانوية
وتشير الدكتورة رودينا بيومى حسن إلى  العناصر الثانوية في الزواج والتي تختلف باختلاف نص الاتفاق بين الأطراف نجد منها على سبيل المثال 
1- عظة: يقوم كاتب العقد باقتباس بعض الفقرات والآيات الكتابية من الأناجيل ثم يعطى بعض التعاليم والقيم عن الزواج والتعريف بحقوق وواجبات الزوج والزوجة من خلالها وكان الغرض منه هو تقويم وتربية الأسرة على الحب.
2- المهر: لم يكن للمهر نفس القيمة في جميع العقود، وكذلك تنوع بين مبالغ مالية فنجد فى بعض الأحيان المهر قليل جدًا يصل إلى نصف عملة ذهبية، وفى حالات أخرى يصل إلى مائة عملة ذهبية، وكان يمكن دفع المهر على أجزاء حتى يتم دفعه كليًا قبل الزواج أو يتبقى منه مبلغ يتم دفعه بعد الزواج ويتم توثيق هذا بالعقد وهو ما يعرف “المؤخر” في فترة دخول الإسلام، وعلى الجانب الآخر نجد بعض العقود تحتوي على أشياء عينية تقدم كمهر للعروس كأدوات الزينة والمجوهرات والقماش والحبوب وأحيانًا بعض الممتلكات كالأراضي والمنازل.
3-  بعض التسويات المالية المتعلقة بممتلكات الزوجة في حاله وفاة زوجها اأو انفصالهما، يمكن أن نرى بعض الأسس التي يبنى عليها الزواج بين الأقباط من خلال عقود الزواج فمنها أن الزوج لن يتخذ زوجة أخرى بعد هذه الزوجة وأن هذه الزيجة تكون الأولى والأخيرة لكل منهما وفقًا لما ورد في نص الكتاب المقدس.
كما أن شرط البكارة للعروس تم الإشارة إليه أيضًا في بعض المواضع حيث كانت دليلًا على العفة والأخلاق الطيبة. وبالرغم من عدم وجود نموذج تشريع قانوني كامل يذكر صلات القرابة المحرمة في الزواج، والوحيد المعروف لدينا يرجع إلى القرن الثالث عشر لابن العسال إلا اننا نجد هذا مشار إليه بوضوح في إحدى الوثائق القبطية ويؤكد أن الزوجة ليست (بنت الأخت، بنت الأخ، أخت الأم، أخت الأب). 
طلاق أم انفصال؟؟ 
وتنوه الدكتورة رودينا بيومى حسن إلى أن الطلاق في مصر القديمة كان معروفًا وتم توثيقة في حالات قليلة للغاية وأقدم هذه الوثائق كانت من الأسرة السادسة والعشرين، وجميعها من منطقتى طيبة وجيبلين ولا تتجاوز عشر وثائق، وكذلك الوثائق اليونانية تظهر أنه تم إبرام عقود للطلاق وتم توثيقها أيضًا في أشكال مكتوبة مختلفة وفقًا للتقاليد المحلية.
بالإضافة إلى إقرار الانفصال فإن هذه العقود تحتوي على بنود حول إرجاع المهر والإذن بالزواج مرة أخرى وكانت النصوص اليونانية تسرد الحدث تفصيليًا مع توضيح سبب الانفصال، أمّا بالنسبة للأقباط فالأمر مختلف تمامًا فنص العقيدة يمنع هذه الممارسات حيث أن الطلاق أمر غير متعارف عليه ومنبوذ في الشريعة المسيحية،  ولكن ومع ذلك كان هناك شواهد عديدة في النصوص الوثائقية القبطية تفيد بأن بعض الأزواج انفصلوا بالفعل.. فيبدو ان الانفصال كان يتم سواءً بالاتفاق بين الطرفين أو بناءً على رغبة أحدهما دون الآخر وعبَّر عنه بمصطلح “هجر الزوج/الزوجة” وهناك تعبيرات أخري استخدمت أيضًا للإشارة إلى حالة الانفصال وهى ” الطرد” “المقاطعة ” و “الترك ” كما كانوا يعطى كل فرد للآخر الحق في الزواج مرة أخرى، ويبدو أن أمر الانفصال أيضًا لم يكن بحاجة إلى توثيق كما كان الأمر بالنسبة للزواج فلم نعرف إلى الآن إلا وثيقة قانونية واحدة ترجع إلى اتلفترة من القرن السابع الى الثامن توثق حاله انفصال كاملة كتبت بواسطة الزوجة لزوجها مع إعطاء الزوج الحق في الزواج الثاني وربما كان هناك نسخة أخرى كتبت بواسطة الزوج وبها نفس البنود والصلاحيات للزوجة أيضا مع كتابة الوعود بعدم مقاضاة أحدهما الآخر، واتسم هذا العقد بالإيجاز الشديد كما لم يتم ذكر سبب للانفصال.
وأن الشواهد التي تخص الطلاق أو الانفصال في النصوص القبطية لم تكن تصدر من خلال الكنيسة مثلما هو الحال فى الزواج، وإنما كانت وثائق مدنية وتكتب مثل هذه الوثائق بناءً على طلب أحد الأطراف بتوثيقها وذلك يكون غالبًا فى حالة وجود مشاكل أو تسويات مالية أو لمنح أحد الزوجين الحق فى الزواج مرة أخرى.
   

مقالات ذات صلة