بنوك واستثمار

شيخة البحر: الذكاء الاصطناعى من عوامل التمكين الهامة لدعم نمو وتطور البنوك

في يوم 31 أكتوبر، 2024 | بتوقيت 6:45 مساءً

نظم مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار الذى يعقد فى الرياض حلقة نقاشية استضافت نائب الرئيس التنفيذى لمجموعة بنك الكويت الوطني، السيدة/ شيخة البحر، تناولت التحولات المتسارعة للمشهد المالى والدور المحورى الذى تضطلع به البنوك التقليدية، وتأثير الذكاء الاصطناعى والتكنولوجيا المالية، فى تشكيل مستقبل القطاع المصرفى.

وضمت الجلسة التى جاءت تحت عنوان: “هل تستطيع البنوك التقليدية مواكبة الثورة التى أحدثها الذكاء الاصطناعى وشركات التكنولوجيا المالية؟” شخصيات بارزة من قطاعات الخدمات المالية والتكنولوجيا حول العالم، وتم خلالها استعراض التحديات والفرص الناجمة عن صعود الذكاء الاصطناعى والتكنولوجيا المالية، ومساعى البنوك التقليدية للتعايش – أو التفوق على المنافسة – فى هذه البيئة الرقمية المتسارعة. وفى ظل ما أحدثته التكنولوجيا المالية من تطورات قلبت موازين القطاع، قدمت البحر رؤى فريدة حول كيفية مواكبة بنك الكويت الوطنى لهذه الابتكارات، وقيادته للجهود الرامية إلى تشكيل مستقبل القطاع المالى.

إعادة تعريف المشهد المصرفي

افتتحت البحر الحلقة النقاشية موضحة أنه على الرغم من وصف التكنولوجيا المالية (FinTech) بأنها ‘ثورة’ اجتاحت القطاع المصرفي، إلا أن البيانات المتاحة تكشف صورة أكثر دقة. وأكدت أنه “على الرغم من استثمار مليارات الدولارات، لا توجد شركة تكنولوجيا مالية واحدة مصنفة ضمن أفضل 250 بنكاً عالمياً. فواقع الأمر أن التكنولوجيا المالية ليست ثورة تهدف إلى استبدال الخدمات المصرفية التقليدية، بل تعتبر من التحديات التى تحفّز التطور.”

وأشارت البحر إلى أنه خلافاً للاعتقاد الشائع، أثبت نموذج أعمال القطاع المصرفى مرونته بصورة ملحوظة، حيث صمد أمام الاضطرابات المتعددة على مدى العقد الماضي، مبينة أن البنوك التقليدية، بما فى ذلك بنك الكويت الوطنى، تعمل على دمج التقنيات المستحدثة ضمن عملياتها لتعزيز الوظائف المصرفية الأساسية بدلاً من استبدالها.

<a href=
شيخة خالد البحر ثانى أقوى سيدة أعمال فى الشرق الأوسط لعام 2024" width="800" height="1000" /> شيخة خالد البحر ثانى أقوى سيدة أعمال فى الشرق الأوسط لعام 2024

وتابعت قائلة: “إن التقدم الذى شهدناه خلال العصر الرقمى لا يعنى أن التكنولوجيا المالية تعتبر بديلاً عن البنوك التقليدية، بل يتعلق الأمر بدمج الابتكارات الرقمية ضمن نموذج أعمال أكثر شمولاً. ونرى فى النموذج الذى يتبعه بنك الكويت الوطنى ما للتحول الرقمى من إمكانيات، الأمر الذى يتيح لنا وضع أسس متينة وقواعد راسخة للخدمات المصرفية التقليدية مع الاستفادة من أحدث الابتكارات التكنولوجية لتعزيز تجارب العملاء”.

الخيار ما بين التحالف والصراع التنافسي: دور البنوك وشركات التكنولوجيا المالية فى رسم ملامح النظام المالى الجديد

وناقشت الجلسة ما إذا كانت البنوك التقليدية وشركات التكنولوجيا المالية ستتجه نحو التنافس أو التعاون، حيث أوضحت البحر أن مستقبل الخدمات المصرفية لن يعتمد فقط على المنافسة، بل على الشراكات الفعالة والتعاون المثمر.

وأفادت بأنه “رغم امتداد جذور التنافس بين البنوك وشركات التكنولوجيا المالية على استقطاب العملاء، إلا أننا الآن فى مرحلة تعاونية جديدة. فالبنوك التقليدية تمتلك القوة المالية، بينما تتميز شركات التكنولوجيا المالية بالمرونة والابتكار. والتحدى الذى يطرحه هذا الوضع يتمثل فى تحقيق التوازن بين هذه المزايا، حيث لا يتعلق الأمر بتفوق أحدهما على الآخر بقدر ما يتعلق بالاستفادة من نقاط القوة لدى كل جانب”.

وأشارت البحر إلى تجربة بنك الكويت الوطنى كمثال على هذا النهج، لافتة إلى النجاح الكبير الذى حققه “وياي”، أول بنك رقمى فى الكويت، من حيث نسبة الإقبال التى تخطت المستهدف 4 مرات، فى ظل تركيزه فى الأساس على استقطاب شريحة الشباب التى تشكل مستقبل الخدمات الرقمية.

وقالت البحر: “فى بنك الكويت الوطني، ندير عملياتنا التقليدية إلى جانب وياي، الذى يعتبر بنكاً رقمياً بالكامل. وتكمل كلتا العمليتين بعضهما البعض وتقدمان تجربة فريدة تركز على العميل، وهذا هو التحول الحقيقى الذى يشهده القطاع المصرفي”.

وأكدت أنه يجب أن يكون هناك تركيز على زيادة الثقافة المالية لجيل الشباب وأن تكون هذه العملة مستمرة لأنها تصنع الفارق، كما شددت على ضرورة التركيز على الاستثمار فى الأمن السيبراني، خاصة فى ظل التحديات والتطورات المتسارعة فى هذا المجال على مستوى العالم.

إدارة الذكاء الاصطناعى فى إطار المنظومة المصرفية

<a href=
شيخة خالد البحر" width="800" height="600" /> شيخة خالد البحر

ومع الانتقال إلى دور الذكاء الاصطناعي، بدأت النقاشات خلال الجلسة فى استعراض الإمكانيات والمخاطر المرتبطة بتطبيقه فى القطاع المالي، وذلك فى ضوء استثمار البنوك مليارات الدولارات فى أنظمة تعمل بالذكاء الاصطناعى للكشف عن الاحتيال وإدارة المخاطر، فى الوقت الذى ما زالت فيه بعض المخاوف المتعلقة بظهور نقاط ضعف جديدة قد تنشأ عن استخدام الذكاء الاصطناعى وما لذلك من تأثيرات سلبية على النظام المصرفى.

وذكرت البحر أن “الذكاء الاصطناعى يعتبر من العوامل التمكينية الهامة، حيث يمكنه تمكين البنوك من تحليل كميات ضخمة من البيانات، واكتشاف الأنماط، ومحاكاة السيناريوهات”، لكنها حذرت من أنه “على الرغم من تعزيز الذكاء الاصطناعى لقدراتنا، ينبغى ألا نتوقف عند هذا الحد، إذ يبقى الإشراف البشرى أمراً بالغ الأهمية، فالتكنولوجيا تقدم لنا التوصيات، إلا أن اتخاذ القرارات يجب أن يبقى أولاً وأخيراً فى أيدى البشر”.

كما أكدت البحر على أهمية الشفافية والمساءلة فى أنظمة الذكاء الاصطناعي، مشددة على أنه فى حين يمكن للذكاء الاصطناعى أن يقدم رؤى قوية، يجب على البنوك التأكد من أن هذه الرؤى تستند إلى بيانات موثوقة يمكن التحقق منها. وحذرت من الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي، قائلة: “لا يمكننا السماح للذكاء الاصطناعى بأن يكون صانع القرار الوحيد. من الضرورى أن يكون هناك قائد خلف عجلة القيادة لمراقبة العمليات، ومراجعة النتائج، والتدخل عند الضرورة”.

الخدمات المصرفية فى خضم المشهد المتغير

فى ظل تركيز النقاشات حول التكنولوجيا المالية على التطبيقات الموجهة للعملاء، قالت البحر إن الإمكانات الحقيقية للذكاء الاصطناعى تكمن فى عمليات المكاتب الخلفية، والامتثال للقواعد التنظيمية وتوزيع رأس المال على الاستثمارات المختلفة.

وتابعت البحر حديثها قائلة: “قمنا فى بنك الكويت الوطنى بأتمتة أكثر من 100 عملية باستخدام أتمتة العمليات الروبوتية (RPA)، وكانت النتائج مبهرة، حيث لا يقتصر دور الذكاء الاصطناعى والتعلم الآلى على تعزيز كفاءة العمليات المصرفية فحسب، بل يعيد تعريفها، ما يتيح لنا أن نكون أكثر استجابة وديناميكية”.

وأشارت إلى أن الذكاء الاصطناعى يمكن أن يُحدث ثورة فى إدارة المخاطر من خلال التعلم المستمر من النقاط التى تُظهرها البيانات الجديدة وتعديل ملفات تعريف المخاطر فى الوقت الفعلي، معتبرة أن هذا هو المجال الذى سيكون فيه التأثير الأكبر  للذكاء الاصطناعى فى الخدمات المصرفية، حيث يمكن تحسين المهام القائمة على القواعد والبيانات لتحقيق دقة وسرعة أكبر.

<a href=
شيخة خالد البحر" width="800" height="800" /> شيخة خالد البحر

التوازن بين الدور الرقابى والابتكار

وخلال مناقشة الجلسة للعلاقة المعقدة بين الابتكار والرقابة فى ظل التطور السريع الذى يشهده القطاع، وجهود الحكومات لمواكبة التقدم التكنولوجي، أشادت البحر بالدور الحيوى الذى تلعبه الجهات الرقابية لحماية النظام المالى مع مواصلة دعم الابتكار.

وتابعت حديثها قائلة: “سارعت الجهات الرقابية إلى إدراك أهمية التقنيات الرقمية ودورها الفعال فى الخدمات المصرفية، وقام العديد منها بإطلاق بيئة رقابية تجريبية، أو ما يعرف بـ(Sandbox)  للمساعدة فى اختبار الحلول الرقمية الجديدة، إلا أننا نرى أن الدور الرئيسى للجهات الرقابية يجب أن يكون فى التركيز على حماية النظام المالى وخضوع الخدمات المصرفية لرقابة مشددة لسبب وجيه يتمثل فى أهمية دورها فى الاقتصاد العالمي، إذ إن أى اضطرابات تصيبها يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة”.

التمويل المدمج: هل ستفقد العلامات التجارية للبنوك أهميتها؟

وتطرقت الجلسة النقاشية أيضاً لظاهرة التمويل المدمج، والتى تعتبر من الموضوعات المثيرة للاهتمام، حيث يتم من خلالها دمج الخدمات المصرفية ضمن المنصات غير المصرفية. ومع تزايد الشركات التى تقدم خدمات مالية عبر النظم الرقمية، يتوقع البعض أن “العلامات التجارية” للبنوك قد ينظر إليها باعتبارها أنظمة قد عفا عليها الزمن، إلا أن البحر أكدت أن الدور الحيوى الذى تقوم به البنوك التقليدية لا غنى عنه.

وقالت: “يعمل هذا النموذج الجديد بشكل جيد فى نطاقات أصغر مثل المحافظ الإلكترونية والتحويلات، لكن البنوك ستظل العمود الفقرى للنظام المالي، فالتمويل المدمج مجرد مثال آخر على كيفية تطور القطاع المصرفى لتلبية متطلبات العملاء المتغيرة. وسيتعين على البنوك مواصلة التكيف من خلال تطوير تقنياتها الخاصة أو الدخول فى شراكات مع شركات التكنولوجيا المالية لتقديم هذه الخدمات.”

وأشارت البحر إلى أن بعض البنوك الرقمية لجأت مرة أخرى لاستخدام النماذج التقليدية من خلال فتح فروع غير متصلة بالإنترنت وتقديم خدمة عملاء تعتمد على التفاعل البشرى لتعزيز النمو، ما يدل على أنه حتى قادة التكنولوجيا المالية يدركون قيمة الخدمات المصرفية التقليدية.

ريادة التغيير: إستراتيجية شاملة للابتكار

وأخيرًا، استعرضت الجلسة التحديات الرئيسية التى تواجهها البنوك التقليدية. وأكدت البحر أنه لضمان قدرة البنوك على المنافسة فى عصر التحولات التكنولوجية السريعة، يجب أن يتجاوز تركيزها مجرد الاستثمار فى التكنولوجيا إلى إعادة تشكيل ثقافتها التنظيمية بالكامل.

وبينت البحر أنه يتعين على قادة القطاع تعزيز ثقافة الابتكار لتتغلغل فى جميع جوانب المؤسسة، لافتة إلى أن الأمر لا يقتصر فقط على اعتماد التقنيات الرقمية، بل يشمل أيضاً مواءمة كل عمليات اتخاذ القرار مع التحلى بالعقلية الرقمية، بدءاً من تعيين الموظفين الجدد وصولاً إلى التخطيط الإستراتيجى على المستوى التنفيذى.

وشددت على ريادة بنك الكويت الوطنى فى مجال التحول الرقمي، مؤكدة فخرها واعتزازها بإنجازات البنك على هذا الصعيد.

وأضافت البحر: “مسيرتنا نحو دمج التقنيات الرقمية مع الحفاظ على استقرار الخدمات المصرفية التقليدية وتعزيز الثقة بها تعكس التزامنا الدائم بتقديم أفضل الخدمات لعملائنا”.

وبالنظر إلى التوجهات المستقبلية، اختتمت البحر حديثها بتوقعات طموحة للعام 2030 قائلة: “الرؤساء التنفيذيون الذين سيتمكنون من تحقيق التوازن المناسب بين الخدمات المصرفية التقليدية ومرونة التكنولوجيا المالية هم من سيحددون مستقبل هذا القطاع. وسيعتمد النجاح على القدرة على التكيف والابتكار والنمو، مع الحفاظ على القيم الأساسية التى جعلت من الخدمات المصرفية التقليدية ركيزة للاقتصاد العالمى.