تاريخ العلاقات العمانية المصرية راسخ ومتواصل وثابت منذ أكثر من 3500 عام، حين كان التواصل الحضاري ممتدا بين العمانيين والأسر الفرعونية، ولعب اللبان العماني الشهير كسلعة استراتيجية دورا محوريا في ذلك التواصل الحضاري الفريد، واستمر ذلك التواصل في العصر الحديث بين القاهرة ومسقط، وهناك عدة محطات مهمة أثبتت صلابة هذه العلاقات ورسوخها.
لعل وقوف سلطنة عمان مع مصر أثناء عملية السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979 ، والتي نتج عنها استعادة مصر لبقية أرضها في سيناء هو من أكثر المواقف السياسية المشهودة بين سلطنة عمان وجمهورية مصر العربية. ولا يزال الشعب المصري يتذكر بكل التقدير والاحترام الموقف المشهود للقيادة العمانية آنذاك، حيث كان القرار التاريخي للمغفور له السلطان قابوس بن سعيد -رحمه الله.
وتواصل هذا الانسجام والنهج السياسي في عهد النهضة المتجددة التي يقودها بحكمة واقتدار جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- ولعل زيارة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي لسلطنة عمان ولقائه المثمر مع جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- والنتائج المهمة على صعيد الملفات السياسية والاقتصادية، حيث توافق الرؤى العمانية والمصرية في كل القضايا التي تهم المنطقة والعالم العربي، كما أن التوقيع على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم والبرامج التنفيذية بين البلدين يعطي مؤشرًا على توافق الرؤيتين: عمان2040 ومصر 2030.
في 18 نوفمبر من كل عام، تحتفل سلطنة عُمان بعيدها الوطني المجيد، وها هي أيام قليلية تحتفل بالذكرى الـ 53 للعيد الوطني، في ظل طفرة تنموية مذهلة، وبنية تحتية راسخة، ونظام تعليمي متاح للجميع، ومستشفيات عالية الجودة، واستراتيجيات تنموية ذات أهداف طويلة المدى، كل تلك الإنجازات حصيلة قيادة محنكة، أطلق شرارتها ورعاها لعقود السلطان الراحل قابوس بن سعيد مؤسس نهضة عُمان الحديثة، والآن يكمل خليفته صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق – حفظه الله ورعاه -، المسيرة المظفرة، وهو صاحب رؤية عُمان 2040 المتجددة، وشهادة موثقة على صمود العُمانيين وعملهم الجاد.
وأكد معالى السفير عبد الله بن ناصر الرحبى ، سفير سلطنة عُمان بالقاهرة ، ومندوبها الدائم بجامعة الدول العربية ، أن مصر وسلطنة عمان تجمعهما علاقات أخوية على كافة الصعد،وأن تلك العلاقات أصلها ثابت بثبات جذورها منذ عهد القدماء المصريين،ومستمرة فى التطور ترفرف عليها روح المحبة وترويها ينابيع التعاون المشترك،وعاما تلو الآخر تزداد العلاقات بين مصر وسلطنة عمان قوة ومتانة،وتضيف للمسيرة المتميزة والراسخة للعلاقات بين البلدين، فالحكمة والاتزان كانتا دائما عنوانا للعلاقات بين البلدين، وتمتد تلك العلاقات بثقة وثبات فى ظل القيادة السياسية الحكيمة للبلدين.
ونوه الرحبي إلى أن العلاقة القوية التي تجمع السلطان هيثم بن طارق وأخيه الرئيس السيسي أحدثت تطوراً كبيراً في العلاقات بين البلدين على كافة المستويات.
وأعرب الرحبي عن خالص الشكر والامتنان للدولة المصرية قيادة وحكومة وشعباً على كل ما تقوم به مصر لوقف الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، مشددا على أن الأولويات العمانية والمصرية واحدة،وتقوم على ضرورة وقف إطلاق النار بشكل دائم في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة،وإدخال المساعدات الانسانية والطبية بالكميات المطلوبة لنحو 2.3 مليون إنسان في قطاع غزة،والإسراع بإعادة الإعمار،وصولاً إلى ضرورة الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وبناء دولته المستقلة ذات السيادة على حدود 4 يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وأشار إلى دعم سلطنة عمان لكافة الخطوات المصرية لوقف الحرب الاسرائيلية على الشعب الفلسطيني وفتح أفق سياسي لتطبيق حل الدولتين، حيث تجسد هذا الدعم العماني في المشاركة العمانية الرفيعة في مؤتمر القاهرة للسلام في أكتوبر الماضي ، والذي شارك فيه السيد شهاب بن طارق آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشئون الدفاع، فضلا عن نجاح سفارة سلطنة عمان بالقاهرة في توصيل طائرات الدعم والمساعدة العمانية إلى الشعب الفلسطيني حيث نجحت السفارة بالقاهرة بالتعاون مع الهلال الأحمر المصري والجهات المصرية في توصيل المساعدات العمانية بكميات كبيرة إلى الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
وذكر سفير عمان بالقاهرة أن السلطنة تخطو خطوات اقتصادية كبيرة بفضل الرؤية الحكيمة التي صاغها ويشرف على تنفيذها السلطان هيثم بن طارق، والذي يؤكد دائما على سعيه الدؤوب نحو تعزيز مكانة الدولة العصرية والحضارية والاقتصادية وأن يكون المواطن العماني شريكا حقيقيا فى التنمية الشاملة.
وأوضح أن رؤية عمان 2040 تهدف في المقام الاول الى تحقيق تنمية مستدامة للإقتصاد العماني،وتركز بشكل خاص هذه الرؤية على جذب الاستثمارات وتعزيز البيئة الاستثمارية أمام المستثمر العماني والعربي والدولي، ولهذا جاءت كل التقييمات الدولية لتشيد بما حققته سلطنة عمان في خلق بيئة استثمارية جاذبة للإستثمارات في كافة القطاعات.
وقال الرحبي ان الاستثمار في “القطاعات الخضراء ” يحظى بمكان ومكانة خاصة” في رؤية عمان 2040، والتي تعد رؤية واعدة تستشرف المستقبل، متطلعا إلى مزيد من التطور لتحقيق مزيد من الإنجازات وفق منظومة عمل طموحة تساهمم في صياغتها كل شرائح المجتمع العماني، وهو الأمر الذي يؤكد تكامل وتناغم عمل المؤسسات والوحدات الحكومية والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني،وظهرت نتائج هذا العمل جليا في منجزات ماثلة للعيان في مختلف المجالات اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا تحقيقًا لرؤية عمان 2040.
واستعرض السفير الرحبي الجهود التي تبذها السلطنة من أجل جذب الاستثمارات وتعزيز الاستدامة البيئية والوصول الى الحياد الكربوني، موضحا أن سلطنة عمان تتمتع بالعديد من المزايا الاستثمارية التي مكنتها من استقطاب الاستثمارات المحلية والأجنبية من بينها الأمن والاستقرار السياسي، وتطبيق نظام اقتصادي حر والسماح للأجانب بتملك المشروعات بنسبة تصل الى 100 %، وعدم وجود قيود على تحويل الاموال والأرباح للخارج، وعدم وجود ضريبة دخل على الأفراد وتوحيد المعاملة الضريبية.
وتابع أن سلطنة عمان تتمتع بمقومات استثمارية من شأنها تشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي وتسهيله، فالموقع الجغرافي المتميز لسلطنة عمان والمطل على ممرات بحرية دولية وإقليمية في ظل تواجد وشموخ الموانئ العمانية يفتح لها آفاق الاستثمار والتبادل التجاري الحر.
ولفت إلى أن سلطنة عمان تنظر للمرحلة القادمة باعتبارها مرحلة مهمة من مراحل التنمية والبناء، وتستهدف تحقيق مستقبل أكثر ازدهارا يواكب تطلعات الشباب وطموحات المجتمع العماني ومواجهة التحديات الاقتصادية المحلية والعالمية، وجذب الاستثمارات الأجنبية عبر توفير عدد من الحوافز منها أسعار الخدمات التنافسية، والإعفاء الضريبي لمدة خمس سنوات الذي يمكن تمديده.
وقال الرحبي إنه في إطار سعي سلطنة عمان لتشجيع بيئة الأعمال الاستثمار، بذلت السلطنة دوراً كبيراً في تقليص الدور الحكومي في الاقتصاد وإفساح الطريق للقطاع الخاص، وتم خفض رسوم عدد كبير من الخدمات الحكومية وإطلاق منصة إجادة لرفع كفاءة الأداء الحكومي، وإعادة هيكلة مجلس المناقصات وحزمة واسعة من الإجراءات لتسهيل وتبسيط الأعمال، مع تطوير مستمر للخدمات وإجراءات المستثمرين والتوسع في طرحها رقميا مما يعد عاملا مهما للغاية في شفافية بيئة الأعمال.
واضاف أن هذه الجهود أثمرت في زيادة ” القيمة المضافة ” للموارد التي تتمتع بها السلطنة عبر توقيع اتفاقيات لإنشاء بعض المشاريع الصناعية الكبرى بمشاركة رؤوس الأموال الأجنبية كمشروع البولي بروبلين ومشروع اليوريا والامونيا ومشروع الميثانول ومشروع الصلب والحديد و مشروع الأسمدة في ولاية صور ومشروع شركة قلهات للغاز الطبيعي المسال.
وشدد على أن سلطنة عمان قطعت خطوات جادة وكبيرة في التوجه نحو الاقتصاد الأخضر، لأن الرؤية المستقبلية ” عمان 2040 ” تستهدف تحسين تصنيف السلطنة في عدة مؤشرات لتصبح ضمن أفضل 20 دولة في العالم في مؤشر الابتكار العالمي ومؤشر الأداء البيئي وضمن أفضل 10 دول بالعالم في مؤشرات الحوكمة.
ونوه الى سعي سلطنة عمان نحو توطين صناعة الهيدروجين الاخضر بهدف الوصول لمكانة عالمية مرموقة في هذا القطاع الاقتصادي الواعد، وذلك عبر خطط وبرامج طموحة وتسريع وتيرة تطوير اقتصاد الوقود النظيف.