1- (دوس علي الدنيا و أمشي عليها ….أنا و إلا أنت لينا مين فيها):
في عام 1999 تعرضت لقطع في غضروف الركبة للساق الشمال وقرر الأطباء أجراء عملية بالمنظار في مستشفي القصر العيني الفرنساوي وتمت العملية بغير رعاية طبية سليمة من الجراح المعالج مما أدي لمضاعفات عديدة بسبب الإهمال الشديد أثناء العملية وبعدها…قررت مغادرة المستشفي علي عكاز ….خرجت وأنا أستند علي كريمتاي سارة ويارا وكانت زوجتي قد سبقتنا لإحضار السيارة أمام باب الخروج للمستشفي من ناحية كورنيش النيل….غضبت غضبا شديدا لعدم قدرتي علي الحركة بعد العملية بسبب تضخم الركبة تضخما كبيرا يعيق الحركة فنظرت إلي السماء ورفعت يدي لأستجير بالله و أنا غاضبا و أتمتم بعبارات عدم الرضا بقضاء الله و عندئذ حدث شيء عجيب جدا….إذا انشقت الأرض عن رجلا يقود أحد الدرجات البخارية المعدة خصيصا لذوي الاحتياجات الخاصة حيث وجدته مقطوع الساقين حتى أعلي الركبة وكان يجلس أمامه ولد وبنت صغيران ويجلس خلفه زوجته و هي تحمل طفلا رضيعا ….كان هذا الرجل المؤمن بقضاء الله حلوة و مرة يغني هو و زوجته واحدة من أجمل أغاني الزمن الجميل للفنانة المبدعة /ليلي مراد في فيلم عنبر وتلحين الموسيقار المبدع/محمد عبد الوهاب وكلمات الشاعر /حسين السيد والتي يقول في كلماتها :
(دوس علي الدنيا و أمشي عليها ….أنا و إلا أنت لينا مين فيها)
دوس ع الدنيا وامشي عليها أنا والا انت لينا مين فيها
أنا والا انت لينا مين فيها؟
دوس ع الدنيا وطير وديني جنة حبك واطفي حنيني
عايزة أشوف الجنه بعيني وانت معاي واعيش لياليها
ليه الدنيا ح نبكي عليها أنا والا انت لينا مين فيها
أنا والا انت لينا مين فيها؟
إوعى تحاسب مهما يقابلك وإوعى غيرك يوصل قبلك
كل الدنيا قلبي وقلبك وانت عيني اللي ح اشوف بيها
ليه الدنيا حنبكي عليها أنا والا انت لينا مين فيها
أنا والا انت لينا مين فيها؟
اجري وحصل شوقي وحبي واسبق فرحة روحي وقلبي
طول ما انا جنبك وانت جنبي ليه الدنيا حنبكي عليها
إوعى تشغل روحك بيهاانا والا انت لينا مين فيها
دوس ع الدنيا وامشي عليها أنا والا انت لينا مين فيها
أنا والا انت لينا مين فيها؟
سبحان الله كيف لهذا الرجل مقطوع الساقين حتى أعلي الركبة أن يكون سعيدا راضيا بقضاء الله ويحمده علي نعمته بينما أنا الذي أصبت فقط بتضخم الركبة ومازلت أحتفظ بساقي الاثنتين سليمتين ومع ذلك أبديت غضبي و عدم رضاي بقضاء الله ……كيف لهذا الرجل المؤمن أن يقول في الأغنية دوس علي الدنيا و هو مقطوع الساقين …و أنا الذي مازلت أحتفظ بساقي لا أستطيع أن أدوس علي الدنيا…….و لا أستطيع أن أمشي بها ……سبحان الله …سبحان الله……..علمت أن الظهور المفاجئ لهذه الأسرة السعيدة والتي سرعان ما اختفت لدرجة أن كريمتاي سارة ويارا لم يلحظا وجودهم علمت أنها رسالة السماء لتنقذ عبدا أحبة الله …جاءت الرسالة لترد العبد لصوابه وتجعله يرضي بقضاء الله وليعرف معني الآية الكريمة في سورة الشعراء التي تقول :
2-كسر الساق…..خير أم شر؟
في سبتمبر عام 1991 أصيبت والدتي الحبيبة بالداء اللعين(السرطان والعياذ بالله) وكانت تحتاج لمن يرعاها خلال فترة النهار ليقدم لها العلاج أو لمن يسقيها أو يقدم لها الطعام ويساعدها علي الحركة في شقتها —-كان العام الجامعي علي وشك البداية مع ضرورة تواجدي في الكلية نهار كل يوم و في نفس الوقت ارتباط شقيقاتي فاطمة وسناء بالعمل الحكومي و بالتالي ضرورة تواجدهما في عملهما صباحا…..تباحثت الموقف مع أخي الأكبر المرشد السياحي /أحمد عباس المرتبط هو أيضا بالعمل الشاق مع بداية الموسم السياحي الشتوي و قررنا السفر لمحافظة الفيوم لإحضار أبنه حارس العقار الذي يسكن فيه أخي وتقيم معه والدتي الحبيبة لتقوم هذه الفتاة برعاية والدتي في الفترة الصباحية حتى تعود شقيقتاي من عملهما ويستلما مهمة العناية بأمنا الحنون.
حضر أخي لمقر الكلية بالجيزة ليصطحبني للفيوم ومن شدة حرصي علي تلبية نداء الواجب تعثرت قدماي في حجر صغير في حجم الحمصة الصغيرة فطرت أعلي الأرض و وقعت علي الأرض مما أدي لكسر في ساقي اليسري…..وقعت علي الأرض و تألمت ألما شديدا مضاعفا لسببين :السبب الأول هو ألم كسر الساق…والسبب الثاني هو ألم التأخير عن نداء الواجب ….انهمرت الدموع من عيناي إمام زملائي أعضاء هيئة التدريس بالقسم وتلاميذي الطلاب….عندئذ أقترب أخي الأكبر /أحمد عباس و الابتسامة العريضة تغطي وجهه وقال لي:أشكر الله علي الحل الأمثل الذي قدمه الله لأسرتنا ….كسرت ساقك لتكون أنت ممرض والدتك الحبيبة فلا حاجة مطلقا للذهاب للفيوم……أدركت رحمة الله عز وجل وضحكت من كل قلبي ….ذهبت للمستشفي حيث تم عمل الجبس اللازم للساق المكسورة ثم عدت لمنزل أخي للإقامة مع والدتي وتمريضها ورعايتها طول اليوم وليس للفترة الصباحية فقط…..لقد قدم الله أجمل هديه لإنسان وجعلني أعيش ملاصقا لوالدتي في أخر أيامها مستمتعا بحنانها و دعواتها المستجابة بأذن الله….وحينما مضت 40 يوما علي تجبيس ساقي وفي يوم 28 أكتوبر 1991 ذهبت للطبيب لفك الجبس وحدث أمر الله و أنا في عيادة الطبيب وكانت الابتسامة تغطي وجهها الكريم فرحه بعدم وجودي بجوارها لحظة تسليم روحها إلي بارئها الرحمن الرحيم وكانت قد صرحت بذلك الأمر لشقيقتي الكبيرة /فاطمة قبل وفاتها مباشرة حيث كانت سألت عني فعلمت بذهابي للطبيب.
حتى وهي تستسلم لقضاء الله كانت تخاف علي من هذه اللحظة الصعبة جدا علي أصغر أبنائها و آخر العنقود كما كانت تحب أن تدعوني به والمقرب جدا لقلبها خاصة وأنة يحمل أسم المرحوم والدها /الحاج عوض حسين.
رحم الله والدي العزيزين و أسكنهما فسيح جناته فرحين بما أتاهما من رحمة وخير وسعادة.