بأقلامهم

” اللواء الدكتور سمير فرج ” يكتب لـ ” المحروسة نيوز ” : قصة حرب أكتوبر من خلال مناظرتى مع شارون فى محطة الـBBC بلندن (1)

في يوم 4 أكتوبر، 2024 | بتوقيت 11:51 مساءً

كانت الأمطار تهطل بشدة، وأنا أخرج من محطة مترو الأنفاق في لندن لكي أتجه إلى مبني إذاعة الـBBC لكي أجري مناظرة مع الجنرال شارون. حول حرب أكتوبر في برنامج بانوراما، الذي كان يقدمه الإذاعي البريطاني الشهير، ادجر الآن في هذا الوقت.

كنت وحيدا، ليس معي، غير المظلة التي أحتمي بها من أمطار لندن الرهيبة، وفي يدي الثانية، البدلة الاسموكن التي قمت باستعارتها من زميلي في الكلية الرائد الكويتي عدنان عبد الغفور، لأن مرتبي في البعثة لم يكن يسمح لي بشراء هذه البدلة الإنجليزية الفاخرة.

ووصلت إلى مبني الـBBC، وكانت هناك جموع غفيرة من الجالية اليهودية ترحب بالجنرال شارون وتشجعه، وهو يدخل هذه المناظرة مع الضابط المصري الذي جاء يدرس في بريطانيا، المهم أن ينتصر شارون. في هذه المناظرة، ولن أحكي تفاصيل قصة دخولي إلى المبنى.

عموما. كانت حرب 1973  عيد الغفران أو يوم كيبور Yom KIPPUR WAR هي احدث حرب تقليدية تمت في العصر الحديث بين دولتين تمتلك كل منها أحدث تقنيات العصر من الأسلحة والمعدات فلقد نالت هذه الحرب اهتمام العديد من المؤسسات ومراكز الدراسات الاستراتيجية في كل انحاء العالم حتى القنوات التليفزيونية .

وهذا ما دعا قناة BBC البريطانية عام 1975 إلى أن تدعوني لعمل مناظرة علمية مع الجنرال الإسرائيلي شارون قائد القوات الإسرائيلية في معركة ثغرة الدفرسوار غرب قناة السويس ولقد قام بالتحكيم على هذه المناظرة أساتذة من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن The International Institute for Strategic Studies أو IISS ، حيث كان هذا المركز يجمع خيرة الباحثين العسكريين في مجال الاستراتيجية والأمن القومي في العالم.. وكانت إصداراته كل عام تعد من المراجع العلمية التي يعتمد عليها كل الباحثين العسكريين في العالم كله.

ولذلك كانت هناك لدي قناعة بحيادية هذا المعهد وقدرته على التحليل الدقيق لما قامت به القوات المصرية في مرحلة التخطيط و إدارة اعمال القتال

وكنت قد انهيت دراستي في كلية القادة والاركان المصرية وكان ترتيبي الأول في التخرج وطبقا للنظام المعمول به في القوات المسلحة المصرية فقد تم ترشيحي للدراسة في كلية كمبرلي الملكية بإنجلترا في دورة عام 1975 أي بعد انتهاء حرب أكتوبر مباشرة حيث سافرت إلى لندن عام ١٩٧٤ لحضور دورة التأهيل قبل الدورة الأساسية، وبدأت الدراسة وكنت في هذا العام طالب في كلية كمبرلي الملكية بإنجلترا .. وهي كلية من أعرق.. وأقدم كليات القادة والأركان في العالم.. وكانت مصر قد أوقفت إرسال مبعوثيها لهذه الكلية منذ أزمة السويس عام 1956.

وبعد عشرين عاماً .. كنت أول دارس مصري التحق بهذه الكلية.. لمدة عام كامل… وكان الجنرال أرييل شارون أيضاً من خريجي هذه الكلية.. مع إسحاق رابين.. وبن اليعازر .. وتال.. وجونين… وغيرهم من كبار القادة العسكريين في إسرائيل.

وكان من المهم لمصر أن تبدأ في ارسال ضباط مصريين لدراسة الفكر والعقيدة القتالية الغربية التي كانت بعيدة عن الفكر المصري العسكري الذي يعتنق ويطبق العقيدة القتالية الشرقية وفور وصولي إلى لندن ومع بدء الدراسة صدرت جريدة ” الصن داي تايمز ” Sunday Times يوم الأحد في الصفحة الأولى منها صورتي لتعلن وصول أول ضابط مصري للدراسة في لندن والذي سيعود ليحارب الإسرائيليين بعد دراسته وتساءلت كيف تقبل حكومة جلالة الملكة قبول هذا الضابط المصري ، كذلك كان هناك جرحى مصريين من معارك أكتوبر يتلقون العلاج في لندن في هذا التوقيت،

ومن هذا المقال عرف الجميع ان هناك ضابط مصري يدرس في كلية كمبرلي في لندن وهذا ما شجع ادجار الن ” مقدم برنامجه الأسبوعي الشهير بانوراما على قناه BBC يوم الاحد في اهم توقيت من الساعة الثامنة إلى العاشرة مساءاً لكي يحضر الى الكلية ويقابل مدير الكلية أنذاك الجنرال بيتش ويطلب مقابلتي لاقناعي بالاشتراك في برنامجه بانوراما للحديث عن حرب أكتوبر / يوم Yom Kippur War كما يطلق عليها في الغرب حيث لم يتحدث أي ضابط مصري على أي قناه في الغرب عن هذه الحرب عكس الضباط الإسرائيليين الذين يتحدثون في جميع وسائل الاعلام وكانت لي شروط لقبول الاشتراك في البرنامج هو أن جميع الأسئلة يجب ان تكون معدة من قبل ولن اقبل بأي سؤال على الهواء لاحراجي. كذلك من حقي رفض أي سؤال اعتبره مسيء للجيش المصري وثالثا يجب موافقة حكومتي في القاهرة وبالفعل أرسلت الى وزارة الدفاع في مصر حيث وافق المشير الجمسي أنذاك على أن اشترك في ذلك البرنامج ممثلا عن مصر في اطار عرض الخطة المصرية لاقتحام قناه السويس وتدمير خط بارليف.

ولقد استمرت المناظرة بيننا لمدة ساعة ونصف على الهواء مباشرة.. تضمنت الساعة الأولى تسجيلات خارجية.. معي.. ومع الجنرال شارون.. عرضت فيها خطة القوات المصرية في اقتحام قناة السويس.. وكيف نجح الجيش المصري في اقتحام أكبر مانع مائي في التاريخ.. وسقوط خط بارليف.. ويجب أن نوضح أن الحديث.. في وسائل الإعلام الغربية.. كان يختلف كثيراً.. في ذلك الوقت عن الحديث في وسائل الإعلام العربية.. حيث يعتمد الإعلام الغربي.. على الحقائق.. والأرقام والإحصائيات والمقارنات.. وليس على الكلام المرسل. ومن هنا تظهر صعوبة التعامل .. حيث ركزت على أن يكون عرض التخطيط المصرى وإدارة القتال لحرب أكتوبر  1973  متسما بالوضوح والدقة والصدق معتمداً على النجاح العظيم.. الأشبه بالأسطورى من وجهة نظر كل المراكز والمؤسسات العسكرية في العالم لما قام به الجيش المصري في مجال الفكر والتخطيط وإدارة العمليات العسكرية على ضفاف قناة السويس، على الرغم من أن كل تقارير معاهد الدراسات الاستراتيجية قبل أكتوبر.. كانت تؤكد استحالة قيام مصر بأي عمل عسكري شامل وخاصة اقتحام أكبر مانع في التاريخ.

وجدير بالذكر انه قبل التسجيل تلقيت الأسئلة من مقدم البرنامج ادجار الن ولقد وجدت أن هناك أسئلة من الصعب الرد عليها بمفردي فأرسلت تلك الأسئلة الى وزارة الدفاع في القاهرة ولما كانت عندي في تلك الفترة إجازة من الكلية فلقد أمر الفريق الجمسي ان انزل مأمورية للقاهرة وتكونت لجنة من هيئة العمليات وإدارة المخابرات الحربية وتم معاونتي في الرد على جميع الأسئلة في مقالي في العدد القادم نستكمل ما حدث في تلك المناظرة.

كاتب المقال

اللواء أركان حرب الدكتور سمير سعيد محمود فرج

Email: [email protected]

واحداً من أهم أبناء القوات المسلحة المصرية.

ولد في 14 يناير في مدينة بورسعيد، لأب وأم مصريين.

تخرج، سمير فرج، من الكلية الحربية عام 1963.

والتحق بسلاح المشاة، ليتدرج في المناصب العسكرية حتى منصب قائد فرقة مشاة ميكانيكي.

تخرج من كلية أركان حرب المصرية في عام 1973.

والتحق بعدها بكلية كمبرلي الملكية لأركان الحرب بإنجلترا في عام 1974، وهي أكبر الكليات العسكرية في المملكة البريطانية،وواحدة من أكبر الكليات العسكرية على مستوى العالم.

فور تخرجه منها، عُين مدرساً بها، ليكون بذلك أول ضابط يُعين في هذا المنصب، من خارج دول حلف الناتو، والكومنولث البريطاني.

تولى، اللواء أركان حرب الدكتور سمير سعيد محمود فرج، ، العديد من المناصب الرئيسية في القوات المسلحة المصرية، منها هيئة العمليات، وهيئة البحوث العسكرية. وعمل مدرساً في معهد المشاة، ومدرساً بكلية القادة والأركان. كما عين مديراً لمكتب مدير عام المخابرات الحربية ورئاسة إدارة الشئون المعنوية.

تتلمذ على يده العديد من الشخصيات السياسية والعسكرية البارزة، إبان عمله مدرساً في معهد المشاة، ومدرساً في كلية القادة والأركان المصرية.

لم تقتصر حياته العملية، على المناصب العسكرية فحسب، وإنما عمل، سمير فرج، بعد انتهاء خدمته العسكرية، في العديد من المناصب المدنية الحيوية، ومنها وكيل أول وزارة السياحة، ورئيس دار الأوبرا المصرية، ومحافظ الأقصر. ويشغل حالياً منصب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة NatEnergy.

وله العديد من الكتب والمؤلفات العسكرية، خاصة فيما يخص أساليب القتال في العقيدة الغربية العسكرية. كما أن له عمود أسبوعي، يوم الخميس، في جريدة الأهرام المصرية ومقال أسبوعى يوم السبت فى جريدة أخبار اليوم.