ثلاثة عشر شهراً مرت، منذ بدء القتال في غزة، يوم 7 أكتوبر 2023، عندما نفذت حماس عمليتها ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي، فيما أطلقت عليه اسم “عملية طوفان الأقصى”. ويومها توقع الكثيرون ألا تستمر تلك الحرب لأكثر من أسبوعين، على عكس العسكريون، الذين يؤمنون بإمكانية تحديد موعد بدء المعركة، واستحال التكهن بموعد انتهائها، وهو ما أثبتته تلك الحرب، المستمرة منذ ثلاثة عشر شهراً، دون تصورات عن موعد توقفها.
وبالنظر إلى تكتيكات تلك الحرب، يتضح أن إسرائيل، طبقت في عملياتها العسكرية، منذ بدايتها، مفهوم “المراحل”، المعمول به في العقيدة، أو المدرسة، العسكرية الغربية؛ متخذة من غزة مرحلة أولى للعمليات، بهدف تدمير حماس، والاستيلاء على قطاع غزة، وتحرير الرهائن، وفقاً لما أعلنته في بداية العمليات، ولما لم تنجح في تنفيذ أي من تلك الأهداف، اللهم إلا بإضعاف حماس نسبياً، بدأت، بعد أحد عشر شهراً، في تنفيذ المرحلة الثانية، بتحويل القوات الإسرائيلية تجاه جنوب لبنان، بهدف تدمير القوة المسلحة لحزب الله.
فبدأت تلك المرحلة بتنفيذ خطة اغتيالات ضد قادة حزب الله، وعلى رأسهم حسن نصر الله، وعدداً من قيادات الصف الأول والثاني، مع تدمير شبكة الاتصالات، وتصفية 3000 فرد من خلال تفجير أجهزة البيجر. ثم أعقبت ذلك باقتحام الجنوب اللبناني، بدعوى تأمين عودة أهالي المستوطنات الإسرائيلية على الحدود مع جنوب لبنان، فتمكن رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، باستعادة، بعض من ثقة الإسرائيليين، الغاضبين بسبب فشله، وحكومته، في الإفراج عن الرهائن لدى حماس، حتى كتابة تلك السطور.
ومن المنتظر استمرار نتنياهو في القتال حتى القضاء على القوة العسكرية لحزب الله، التي تعد أكبر قوة عسكرية، غير نظامية، في العالم، وإقصاء عناصرها إلى ما بعد نهر الليطاني، لتحقق بذلك عملياته العسكرية، في جنوب لبنان، هدفها بإضعاف القوى القتالية لحزب الله، أما من الناحية السياسية، وبعد إجبار حزب الله على الانسحاب إلى ما بعد نهر الليطاني، فستعمل إسرائيل على تحديد تواجد قوات الجيش اللبناني، وقوات اليونيفيل التابعة للأمم المتحدة، على الحدود من نهر الليطاني حتى حدود إسرائيل مع جنوب لبنان، تنفيذا للقرار 1701.
وبمقارنة مسرح العمليات العسكرية في قطاع غزة، مع تلك في جنوب لبنان، ففي ظني أن وعورة الأرض، والطبيعة الجبلية لجنوب لبنان، ستكبد إسرائيل، في تلك المرحلة، خسائر كبيرة، على صعيد المهاجم الإسرائيلي، أمام مقاتلي حزب الله، العالمين بطبيعة الأرض، والحافظين لمداخل ومخارج الوديان والجبال، وهو ما أثبته سير العمليات، إذ ام تتقدم إسرائيل سوى بضع المئات من الأمتار داخل الجنوب اللبناني، حتى الآن.
وفي ذات السياق، وجهت إيران ضربة جوية ضد إسرائيل، رداً على اغتيال إسرائيل لحسن نصر الله وإسماعيل هنية، ورغم أن تلك الضربة الجوية لم تسبب أضراراً بالغة في إسرائيل، إلا بإصابة فتاة من البدو في صحراء النقب، إلا إن إسرائيل توعدت إيران برد عنيف. وهنا تم تصور سيناريوهات ذلك الرد الإسرائيلي، في اثنين؛ السيناريو الأول، وهو البسيط، الذي تمنى الجميع ألا تتجاوزه إسرائيل، بضرب أهداف عسكرية إيرانية، داخل إيران، وبعض المطارات والمخازن والمصانع العسكرية، بينما السيناريو الثاني، الذي خشاه الجميع، وحذرت منه أمريكا، أن تقوم إسرائيل بضرب المفاعلات النووية الإيرانية، ومصادر البترول. فاكتفت إسرائيل بالأول، الذي راح ضحيته أربعة إيرانيين، وضربت 20 هدفاً، داخل إيران، من خلال ثلاث موجات بالطائرات، لم يكن من بينهم أهدافاً نووية أو بترولية.
وعند تلك اللحظة، تنفس العالم الصعداء، لأن البديل كان حرباً إقليمية، واسعة النطاق، لا يعلم مداها إلا الله. وبدا من ذلك الرد، انصياع نتنياهو، لأول مرة، منذ بداية الحرب، لرأي الولايات المتحدة الأمريكية، الذي نقله وزير خارجيتها، أنتوني بلينكن، عندما زار المنطقة قبل ثماني وأربعين ساعة من الضربة الإسرائيلية، ونصح إسرائيل بعدم التعرض للمفاعلات النووية الإيرانية. وقد تواردت بعض الأنباء عن إبلاغ إسرائيل لإيران بموعد وأهداف العملية، ورغم نفي إيران، إلا أنني على يقين، بأن إيران كانت على علم، على الأقل، بالموعد، حتى وإن كان من خلال وسيط، وليس عن طريق إسرائيل، مباشرة.
ولعل ذلك النفي الإيراني، لتبرير إعلانها بالرد، مرة أخرى، على إسرائيل، وهو ما أستبعد حدوثه، إذ لابد وأن إيران تخشى استفزاز إسرائيل، ودفعها لاستهداف المفاعلات النووية، لذلك لا أرى غرضاً من التصريحات الإيرانية إلا إحداث ضجة إعلامية، بينما تنتظر نتائج سباق الانتخابات الأمريكية، بعد عدة أيام، إذ سيعمل ترامب، في حال فوزه، على إيقاف هذه الحرب، كما وعد خلال حملته الانتخابية.
ومنذ أيام، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي عن مبادرة لوقف إطلاق النار، في قطاع غزة، يتم خلالها إطلاق سراح 4 من الرهائن الإسرائيليين لدى حماس، مقابل عدد من السجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، ورغم اعتراض نتنياهو عليها، في البداية، إلا أن ذلك لا يعدو كونه مناورة سياسية، في ظل حرصه على حل مشكلة الرهائن، التي تعد الأعقد في الشارع الإسرائيلي، والدليل أنه أرسل رئيسي الموساد والشاباك، لمصر، في الأسبوع الماضي، أثناء صياغة المبادرة، خاصة وأنه يملك، اليوم، ورقة جديدة للتفاوض على زيادة أعداد الرهائن الذين سيفرج عنهم، وهي جثمان يحيى السنوار.
وعموماً أتوقع أن يكون الأسبوع القادم هاماً في مسار الأزمة، خاصة مع بدء الانتخابات الأمريكية، التي ستكون نتائجها عامل حاسم لإنهاء الحرب.