كتب الدكتور عبد الرحيم ريحان
إن فلسفة بناء الهرم تقوم على عدة أسس، كيفية البناء واختيار التوقيت وتأمين العمال والمساكن الخاصة بهم مما يدحض كل الآراء التي تشكك في قدرة العامل المصري على بناء معجزة العالم القديم الهرم الأكبر ونسبه إلى آخرين أو كائنات فضائية.
وادى الجرف
تعد أكبر شهادة على دور عمال بناة الأهرامات هو الكشف الهام لبعثة آثار مصرية – فرنسية مشتركة برئاسة بيير تالييه وسيد محفوظ عملت منذ عام 2011 بميناء وادى الجرف على البحر الأحمر وعثرت عام 2013 على مجموعة رائعة من البرديات عند مدخل المغارات
وكانت تلك المغارات تستخدم كورش عمل ومخازن وأماكن سكنية، وكان هذا الموقع مستخدمًا فى عهد الملك خوفو وأن فريق العمل الذى كان يعمل فى هذا الموقع هو نفسه الذى عمل فى بناء الهرم الأكبر وهذا يدل على وجود جهاز إدارى على درجة عالية من الحرفية لإدارة البناء فى عهد خوفو حيث تشير بردية وادى الجرف إلى تفاصيل كاملة عن طريقة بناء الهرم الأكبر وأسماء عمال البناء، وهناك بردية تخص أحد كبار الموظفين ويدعى “مرر” تحكى يوميات فريق العمل الذى كان يقوم بنقل كتل الحجر الجيرى من محاجر طرة على الضفة الشرقية للنيل إلى هرم خوفو عبر نهر النيل وقنواته، وتوزيع الحصص اليومية للأطعمة التى كانت تستجلب من مناطق عديدة فى دلتا نهر النيل.
حائط الغراب
قامت الباحثة الآثارية رنا التونسى بعمل دراسة بعنوان ” مقابر حائط الغراب مدينة العمال بالجيزة” ويقع هذا الحائط جنوب شرق أبو الهول بارتفاع 10م، وبامتداد 200 م، به باب في المنتصف رجح العلماء أنه يفصل بين أماكن سكن العمال وبين الجبانة الملكية.
وتشير الباحثة الآثارية رنا التونسى إلى أن العلماء والباحثين كشفوا عن جبانة عمال بناء الأهرامات، ففي عام ١٩٣٤م قام الدكتور “سليم حسن” بالحفر في جنوب السور الضخم الذي يقع أسفل الوادي جنوب شرق الهرم الذي يبلغ طول الجزء المتبقي منه الآن حوالي ۲۰۰م وارتفاعه ۱۰م ويوجد في المنتصف باب ضخم، فاعتقد البعض أن هذا السور قد بني ليفصل الميناء عن منطقة الأهرام، ولكن بمرور الوقت تبين أن هذا السور بني في عهد الملك خوفو وقد سمى هذا الجدار باسم “حائط الغراب” لأن الغربان كانت تصطف عليه عند غروب الشمس ويُعتبر هذا السور أقدم وأهم سور في التاريخ حيث كان يخرج العمال من الباب الموجود للعبور مع شروق الشمس للعمل في بناء الأهرام ثم العودة في الغروب.
تم العثور علي هذه المقابر عن طريق الصدفة في ظهر 14 أغسطس 1990 عندما سقطت سائحة من فوق جوادها اصطدم حافرها بجدار من الطوب اللبن يقع علي تل رملي مرتفع في المنطقة الواقعة جنوب شرق تمثال أبو الهول التي تسمى الجبل القبلي
وتنوه الباحثة الآثارية رنا التونسى إلى أعمال التنقيب بالموقع عن طريق بعثة الآثار المصرية برئاسة عالم المصريات الدكتور زاهى حواس مايو1990 واستمرت حتى مارس 1993م، وتقع هذه المقابر علي بعد 2كم جنوب أبو الهول
وفي الموسم الأول من تلك الحفائر1990-1991م تم العثور على 11 مقبرة كبيرة وحوالي 100 قبر صغير وكانت المقابر الكبيرة مرتبطة بمقابر صغيرة تقع أمام وحول القبور وكانت هذه المقابر مستطيلة أو مربعة أو بيضاوية الشكل، ولم تتناولها يد اللصوص باعتبارها مقابر عمال فقراء
نتائج دراسة المنطقة
أكدت دراسة المنطقة الواقعة جنوب حائط الغراب أنها المنطقة الوحيدة التي تضم مقابر العمال ومساكنهم فى عصرالدولة القديمة، فقد عثر على عظام آدمية وفي منطقة أخرى تجاورها عثر على بقايا حبوب من القمح، واعتبرت قرية حائط الغراب موقع استيطان العمال والإداريين الذين عملوا علي بناء أهرامات الجيزة، لتميزه بمباني كبيرة جدًا تستخدم ما يصل إلي 185000 طوبة طينية في كل مبنى
كما أن الجزء المركزي من الموقع كان بالتأكيد ثكنات توفر أماكن إقامة لقوة عاملة متناوبة لحين الانتهاء من مهمة البناء
كما تم اكتشاف بقايا تجمع سكاني كبير يقع في المنطقة الجنوبية الشرقية لهضبة الجيزة وتبعد حوالي 400م جنوب أبو الهول، محاطة بسور حجري يبلغ طوله حوالي 200م، وعرضه 10م يشكّل الحدود الشمالية الغربية للمدينة من الناحية الجنوبية والشرقية تحدها قرية نزلة السمان ومنطقة كفر الجبل، ومن الغرب حفائر مقابر العمال بناة الأهرامات
وقبل أن يبدأ بناء الهرم كان لابد من وجود عدد كافي من المنازل والمخابز للحفاظ علي بقاء قوى عاملة تتكون من عشرات الآلاف مما يعنى إنشاء مدينة متكاملة الخدمات، حيث تم العثور في موقع حائط الغراب على أربع مجموعات من الأروقة الرئيسية وهي تشبه المساكن المؤقتة لإقامة العمال إلي جانب ما أطلق عليه اصطلاحًا المدينة الغربية والمدينة الشرقية، وهما عبارة عن مساكن متكاملة للإقامة العائلية الدائمة إلي جانب الكشف عن المبنى الإداري الملكي لتخزين الغلال
وفى أقصى جنوب شرق الموقع عثر على مجموعة من أفران الخبز، كما عثر علي ما يشبه منطقة صناعية أو منطقة إنتاج كبري يوجد بها الكثير من المخلفات تدل علي أنها استخدمت كمجمع لإنتاج كميات كبيرة من الغذاء كما احتوى الموقع علي الكثير من بقايا العناصر المرتبطة بالإعاشة حيث وجد عدد ضخم من عظام الطيور وعظام الأسماك إلي جانب الرماد الأسود المحروق الناتج عن طهي الطعام وأواني صنع الطعام، مما يرجح أن هذه الأماكن كانت مخصصة لإعاشة أعداد غفيرة من العمال
كما قام العمال بحفر قناه بطول أربعة أميال إلي نهر النيل حتى يتمكنوا من خلالها نقل الإمدادات من جميع انحاء مصر مباشره إلي موقع العمل مع حفر وبناء وإنشاء أرصفه لتلقي أطنان الإمدادات اللازمة لمدينه العمال
كما تم الكشف جنوب هرم منكاورع عن موائد للعمال ومعامل شاسعة لإعداد الطعام ومكان لصناعة الأسماك لإمداد العمال بالمؤن اللازمة، وهي عبارة عن قاعات ضيقة طويلة يبلغ عددها حوالي مائة قاعة تأوي كل منها نحو 50 عامل وكانت هذه المدينة تسع حوالي 4000 عامل
مطالب الحملة
ويطالب الدكتور عبد الرحيم ريحان رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية بفتح هذه المقابر للزوار المصريين فمن حقهم التعرف على الدليل المادى الملموس على أن أجدادهم هم بناة الأهرامات للإسهام فى تعزيز بناء الإنسان وتعزيز الهوية من منطلق مبادرة رئيس الجمهورية للتنمية البشرية “بداية جديدة لبناء الإنسان”
كما يطالب بفتح هذه المساكن والمقابر وإتاحتها للباحثين المصريين وإزالة كل المعوقات أمام مزيد من الدراسات عن هذه المنطقة الهامة المسجلة تراث عالمى باليونسكو والتى تتطلب دراسات مستفيضة عنها
من الجدير بالذكر أن مقابر ومساكن مدينة عمال الهرم ممنوع دخولها للمصريين وقاصرة على دخول الأجانب بتصريح خاص لمجموعات 5 أفراد برسوم 750 جنيه