كتب الدكتور عبد الرحيم ريحان
شهد شريف فتحي وزير السياحة والآثار، احتفالية إطلاق تأسيس شركة “المسار” للتنمية السياحية، والتي أقيمت مساء أمس بأحد فنادق القاهرة الكبرى، حيث ستقوم الشركة في ضوء أعمالها المشاركة في تطوير الخدمات ببعض نقاط مسار رحلة العائلة المقدسة في مصر.
وفى ضوء ذلك نوضح أن مسار العائلة المقدسة الحالى يعتمد على حلم البطريرك ثيوفيلوس الثالث والعشرون بطريرك الإسكندرية المتوفى فى 412م حيث قام بتدوين حلم رآه فى منامه أن السيدة مريم العذراء جاءته فى المنام ودلته على رحلتها والسيد المسيح والقديس يوسف النجار إلى مصر وأماكن إقامتهم
وكان هذا الحلم صدى لحلم آخر جاء ذكره فى إنجيل متى عن يوسف النجار نصه ( ولما انصرفوا إذا ملاك الرب قد ظهر ليوسف فى حلم قائلًا “قم وخذ الصبى وأمه واهرب إلى مصر وامكث هناك حتى أقول لك، فإن هيرودس سيبحث عن الصبى ليهلكه” ، فقام وأخذ الصبى وأمه ليلًا وانطلق إلى مصر، ومكث هناك حتى موت هيرودس) إنجيل متى الفصل الثانى من 13 -15
(فلما مات هيرودس إذ ملاك الرب يظهر فى حلم ليوسف فى مصر قائلًا: قم وخذ الصبى وأمه فقد مات الذين كانوا يبتغون قتل الصبى) إنجيل متى الفصل الثانى من 19 – 21
وأمام هذا المسار نكشف عن إشكاليات أثرية وتاريخية وجغرافية تحتاج إلى إجابة، الأولى أن العائلة المقدسة كانت هاربة من حاكم رومانى وتهرب إلى دولة من الولايات الرومانية وهى مصر لذلك يجب أن يتجنبوا أى مواقع بها حاميات رومانية والموقع الأول فى طريق رحلتهم هى الفرما، وبالطبع لم يعبروا على مدينة الفرما مباشرة والموجود بها تل الكنائس حاليًا لوجود حامية رومانية، وربما عبروا الطريق الصحراوى جنوبها ولكن بنيت الكنائس فى الفرما فيما بعد تبركًا بمرورهم
الإشكالية الثانية وهو وجود حصن بابليون معقل الرومان العسكرى فى مصر، ومن المستحيل أن تمر العائلة المقدسة به فى رحلة الذهاب وتختبىء فى مغارة فى عقر دار الحامية العسكرية الرومانية فى حصن بابليون وقد ثبت استمرار استخدام نفس الموقع للأغراض العسكرية فى الفترة الرومانية وحتى الفتح الإسلامى حتى لا يقبض عليهم أتباع هيرودس
كما أن تاريخ بناء مغارة إبى سرجة يعود إلى القرن العاشر أو الحادى عشر الميلاديين كما أثبتها عالم الآثار (بيتر شيهان) فى حفائره كما لم تبن أى كنائس فى مصر القديمة والفسطاط إلا بعد الفتح الإسلامى لمصر وبالتالى فقد بنيت كنيسة أبى سرجة بعد تلاشى الأهمية العسكرية للحصن الرومانى والإشكالية الثالثة هى استحالة أن تبحر العائلة المقدسة نهر النيل فى مركب عادى وليس شراعى طبقًا لرسومات أيقونات العائلة المقدسة من الشمال إلى الجنوب ضد التيار كما هو فى المسار الحالى من المعادى إلى ميت رهينة إلى صعيد مصر
حيث كانت زيارات ورحلات الحج إلى أبيدوس فى مصر القديمة في نهر النيل تبحر ناحية الجنوب بواسطة مراكب يعلوها السارى والشراع باستخدام الدفة في نهاية المركب لتوجيها لذلك فإن الإبحار فى نهر النيل من الشمال إلى الجنوب يكون ضد التيار، لذلك تستخدم المراكب الشراعية باعتبار الرياح تهب على مصر من الشمال الغربى فى معظم الشهور وفى الاتجاه من الجنوب إلى الشمال تعتمد على الجريان الطبيعى للمياه، وفى كل صور أيقونات رحلة العائلة المقدسة يبحرون فى مركب عادى وليس مركب شراعى، وبالتالى فالعائلة المقدسة قد استقلت المركب مرة واحدة فى رحلة العودة وليس الذهاب
وقد اكتشفنا الإجابة وتقديم الحلول لكل هذه الإشكاليات فى كتاب للدكتور حجاجى إبراهيم أستاذ الآثار الإسلامية والقبطية بجامعة طنطا الحاصل على وسام فارس من إيطاليا ” المعقول فى خط سير العائلة المقدسة فى مصر” والذى حقق الرحلة بنفسه وزار كل مواقعها وقد أهدى منه نسخة لقداسة البابا تواضروس الثانى
ويشير الدكتور حجاجى إبراهيم فى كتابه إلى وجود طريقين لرحلة العائلة المقدسة، الطريق السرى كان منذ قدومهم من فلسطين حتى وصولهم إلى الدير المحرّق وكانوا يتحركون بسرية تامة خوفًا من أن يلحق بهم جنود هيرودس ويقبضوا عليهم، وطريق جهرى بعد موت هيرودس
الرحلة السرية
الرحلة السرية كما حققها الدكتور حجاجى إبراهيم تبدأ من رفح “رع بح” ثم العريش وقد أقام بها نبى الله إبراهيم تعريشة لزوجته سارة للإقامة بها فسميت العريش، ثم الفرما فى طريق بعيدًا عن الحامية الرومانية، والفرما تعنى الأرض اللزجة وهى برامون بالقبطية وتعنى الوقفة فحين تقف فى الفرما فأنت بين قارتى آسيا وإفريقيا ثم إلى بلبيس “بربس” وبها معبد الإله بس القطة ثم تل بسطا “باستت” وهى القطة وعندها زلزلت تماثيل المعابد المصرية القديمة ثم كفر الدير بمنيا القمح بالشرقية حيث البئر الشهير بئر شيشنق وبه حاليًا كنيسة الملاك ميخائيل بمنيا القمح
ومن موقع كنيسة الملاك ميخائيل بمنيا القمح إلى سخا بكفر الشيخ ومنها إلى نبع الحمراء بوادى النطرون ولم تمر بموقع أديرة وادى النطرون الحالية فقد بنيت تبركًا بالرحلة ومن وادى النطرون إلى سمنود بالغربية ثم إلى موقع شبرا الخيمة حاليًا بالقليوبية ثم إلى باسوس ثم مسطرد ثم أون وتضم حلمية الزيتون والزيتون وعين شمس ثم المرج “المراجو” ثم اتجهوا إلى طريق الزعفرانة حاليًا إلى موقع دير الأنبا بولا والأنبا أنطونيوس وتفجرت هناك الآبار ثم طريق الشيخ فضل وبه قرية الشيخ فضل وهو طريق يؤدى إلى محافظة المنيا حاليًا ثم إلى الجرنوس بمغاغة وبها بئر مياه ثم عبروا بالمعدية إلى جبل الطير بسمالوط ثم الأشمونيين ثم بئر السحابة أو الصحابة والإسمين صحيحين فمن أسماء السيدة مريم السحابة ثم كوم ماريا إلى دير المحرّق بأسيوط نهاية الرحلة
الرحلة العلنية
الرحلة العلنية بعد موت هيرودس الملك الذى كان يطلبهم وبدأوا يتحركوا جهرًا بين الناس وقد احتفوا بهم وغنوا لهم الترانيم الشهيرة والاحتفاليات التى سجلت تراث عالمى لامادى، ثم اتجهوا إلى درنطة “درنكة” بأسيوط ثم عبروا بالمعدية إلى موقع المعادى حاليًا أى أبحروا مع التيار فى نهر النيل من الجنوب إلى الشمال ثم إلى موقع بئر رومانى يشغله ضريح أبو السعود الجارحى الآن ثم إلى الموقع الذى بنى عليه جامع عمرو بن العاص وبه بئر قديم شربت منه العائلة المقدسة ثم البئر خارج حصن بابليون، وقد بنى حصن بابليون بعنيخي والآشورين فى الأسرة ٢٥ ودمره بسماتيك في الأسرة ٢٦ مع اتير النوبي ثم أعاد البناء تراجان سنه 98م وجعله أصغر من الأول فأصبحت البئر خارجه ثم مغارة أبوسرجة بعد أن زال الخطر من الحامية الرومانية بالحصن بعد موت هيرودس ثم أرض حارة السقايين حيث البئر وهى الآن كنيسة الملاك ميخائيل وأول مدرسة بنات أيام سعيد باشا ثم حارة زويلة وبها بئر وصهاريج ثم باايسوس ثم مسطرد وأون (الحلمية والمطرية وعين شمس) ثم تل بسطة ومنها إلى الفرما ورفح إلى فلسطين
ونؤكد أن المسار الذى حققه الدكتور حجاجى هو المسار الصحيح والمنطقى طبقًا للحقائق الأثرية والتاريخية والجغرافية كما يضيف 3 محطات هامة يجب إدراجها فى مشروع إحيار المسار وهى كفر الدير بمنيا القمح بالشرقية ودير الأنبا بولا والأنبا أنطونيوس وقرية الشيخ فضل، ويطالب بتعديل المسار بناءً على الحقائق الأثرية والتاريخية والجغرافية وإضافة الثلاث محطات الجديدة