آثار ومصرياتأخبارسياحة وسفرشئون مصريةمنوعات

الباحث الاثارى والمرشد السياحى احمد السنوسى يواصل مع” المحروسة نيوز “كشف كنوز مدينة القاهرة المهملة《2》

مدينة القاهرة من اقدم المدن التاريخية ولكن حالها الان.. سيئ للغاية!

في يوم 2 أكتوبر، 2019 | بتوقيت 3:18 صباحًا

من الأمور العجيبة والتي تبكى لها العين والقلب حال القاهرة التاريخية بل والقاهرة الحديثة كذلك، ونتحدث اليوم عن احد شوارع القاهرة العظيمة وهو شارع الصليبة على سبيل المثال.بعيدا عن رئيس الحى او حتى محافظ القاهرة فان المسئول الأول عن شارع الصليبة بل والقاهرة التاريخية ككل هي وزارة الاثار فقط وخاصة وخاصة للمبانى التاريخية بانوعها،ولكن للأسف الشديد تقع مسئولية أخرى تابعة لحى الجمالية وهى المسئولة عن إعطاء تصاريح البناء وذلك بعد موافقة هيئة الاثار بطبيعة الحال،وهنا تقع بيروقراطية شديدة بين الاثار والحى.

فمثلا في شارع الصليبة هناك بعضا من البيوت القديمة القابلة للهدم وخاصة لو حدث زلزال شديد وهذا لا شك فيه،وعندما يرغب صاحب العقار في هدمه وهو أصلا ليس بمبنى اثرى يرى العذاب كله بين رئاسة الحى وبين هيئة الاثار تحت مسمى (منطقة اثرية او القاهرة القديمة) ومع ذلك نجد قيام منشأت حديثة بل واحيانا كبيرة على المبنى الاثرى نفسه وخاصة لو تدخل مسئول كبير في الدولة او حتى عضو مجلس شعب ذو قوة ونفوذ.

القمامة تملأ شارع الصليبة بالقاهرة التاريخية الإسلامية
القمامة تملأ شارع الصليبة بالقاهرة التاريخية الإسلامية

وبين هذا او ذاك يضيع الاثر ويضيع التاريخ بين الزحف العمرانى وبين جشع الناس وارتفاع أسعار الأرض والمبانى وخاصة في تلك المناطق الحساسة التاريخية وهذا ليس مشكلة شارع الصليبة فقط بل احياء كثيرة وقديمة في القاهرة التاريخية.وقد كان منذ سنين طويلة مشروع كبير في عهد الوزير فاروق حسنى تحت مسمى (تطوير وترميم القاهرة التاريخية) واهتموا بشارع واحد فقط وهو الجمالية ودخلت فها المناقصات والسرقات وتحت اشراف المقاولين العرب وهكذا ضاعت الملامح ولم يتم عمل شيئا سوى تنظيف الشارع فقط ومنع السيارات بالمرور فيه،ولكنه الان رجع الى اصله القديم واصبح تهريج في تهريج وكل الدواب تمشى فيه وكانه لم ينظف من قبل قط.ولكن للأسف الشديد فان البشر والأثر يعانى فى هذا الحى الذى يتكون من 14 شياخة،ومن أهمها الصليبة الذى تعرضت آثاره للكثير من الاهمال منذ زلزال أكتوبر 1992.وهو الأمر الذى أوجد العديد من الاقتراحات منها جعل القاهرة التاريخية منطقة منفصلة عن محافظة القاهرة كانت احد اراء (منظمة اليونيسكو للحفاظ على الاثار) وبهذا تقتصر بحدودها الشمالية على المنطقة التى تقع عند تقاطع طريق النصر مع شارع الأمير قرقماش.

أما المجلس الأعلى للآثار فقد اقترح أن يكون الشارع مخصصا للمشاة فقط،حتى لا تتعرض الآثار للضرر.كما أعلن صراحة على أن هذه الآثار يلزمها 500 مليون جنيه سنويا فى حين أنه يتحرك فى حدود مبالغ معينة ولا تكفى لمثل هذه المقترحات والمشاريع.

ولو بدأنا من شارع شيخون،و يقع فى بداية الشارع قسم الخليفة وبمجرد النظر لوضع المكان بشكل عام لايمكن تصور ان هذه المنطقة زاخرة بالاماكن والآثار الاسلامية الفريدة التى تشهد بزهو العصورالتى شيدت بها. ومن العجب في هذا الشارع هى الصعوبة البالغة فى التجول سيرا على الأقدام فى الشارع المزدحم بالسيارات التى تسير فى اتجاهين معاكسين،رغم ضيق الشارع الذى لا يسع سوى حارتين للمرور فقط،وإن كان هذا لم يمنع من وجود سيارات على جانبى الطريق مما يزيد الامر تعقيدا.أما الأرصفة فتم احتلالها من جانب اصحاب المحال والورش،شأنها شأن أى شارع فى القاهرة،التى تمتد على طول الشارع الذى يعانى من التلوث السمعى والهوائى والبصري

والدليل على ذلك فنجد اثار هامة في الشارع ولا منجد لها بجانب الاهمل الشديد مثل سبيل وكتاب قايتباى انشأ في عام 1479 م،والدور الثانى له تشغله وزارة الثقافة ولا تساعد في ترميمه وتقول بان ذلك مسئولية هيئة الاثار وليس وزارة الثقافة.وعلى بعد عدة أمتار المدرسة الناصرية التى تجاورها الورش والمحال،ثم مبنى آثرى اخر دون على لافتته انه سبيل الامير عبدالله وتم ترميمه فى سبتمبر 2008،ولكنه مغلق! وبالاستفسارعنه من اصحاب المحال الموجودة بالمبنى الآثرى أكدوا ان وضعهم قانونى ومرخص.

القمامة تملأ شارع الصليبة بالقاهرة التاريخية الإسلامية
القمامة تملأ شارع الصليبة بالقاهرة التاريخية الإسلامية

اما شارع الصليبة او (خط الصليبة) حسب الاصطلاح المتداول في كتب التاريخ والخطط،عند تقاطع مدينة العسكر التي اندثرت الآن بالكامل،ومدينة القطائع التي لم يتبق من آثارها سوى جامع ابن طولون.وكان الشارع مسرحا لكثير من الأحداث السياسية والاجتماعية في العصر المملوكي:من مواكب السلاطين وإقامة الاحتفالات،إلى مؤامرات المماليك ضد بعضهم البعض،إلى تنفيذ عقوبة (التجريس) على من يرتكب مخالفة تستحق،سواء من الأمراء أو المماليك أو حتى العامة.

وقد اكتسبت الصليبة أهمية استراتيجية نظرًا لموقعها بين عواصم مصر الإسلامية عبر عصورها،ومع انتقال مقر الحكم إلى القلعة في العصر الأيوبي،قبل الأمراء على السكن فيه وحوله،وشيدوا منشآتهم العسكرية فيه،بالإضافة إلى مصانع الأسلحة المنتشرة حول الصليبة، فضلًا عن قلعة الجبل

ونظرا لأهمية المنطقة،أنشأ العديد من رجال الدولة في عصر محمد علي وأبنائه دورًا ومنازل، مثل دار الأمير عبد اللطيف باشا أمام مدرسة قاني باي المحمدي،كما اختصت الدولة العلوية الشارع بإنشاء ثلاث صيدليات،في وقت كان إجمالي عدد الصيدليات في القاهرة بالكامل 44 صيدلية،وكانت الصيدليات في ذلك الوقت نقلة نوعية في صناعة الدواء،حيث كانت محالّات العطارة هي المصدر الوحيد لتجهيز الدواء.

وتحتوي مسافة النصف كيلو متر وهى طول الشارع من ميدان القلعة وحتى شارع مارسينا على الآثار طبقًا لترتيبها المكاني بالنسبة للقادم من ميدان القلعة،ومتجهًا إلى ميدان السيدة زينب وهو يضم 14 اثرا إسلاميا مثل:- سبيل وكُتّاب السلطان الأشرف قايتباي ثم مدرسة وجامع قاينباي المحمدي ثم سبيل وكُتّاب الأمير عبد الله كَتخدا عزبان ثم جامع ومدرسة شيخون ثم امامها مباشرة تقع خانقاه شيخون وملحق بها حمّام للرجال،وعلى بعد قليلا منها حمام للسيدات.

بعد ذلك نجد تقاطع شارع الصليبة مع امتداد الشارع الأعظم،ونلاحظ عند التقاطع أن الشارع المتجه إلى الحلمية يسمى السيوفية

القمامة تملأ شارع الصليبة بالقاهرة التاريخية الإسلامية
القمامة تملأ شارع الصليبة بالقاهرة التاريخية الإسلامية

وسمي بذلك لأن معظم ساكنيه كانوا من صانعي السيوف والأدوات الحربية.أما على يسار التقاطع والذي يتجه إلى الخليفة والسيدة نفيسة، فيُسمى بشارع الركيبة أو بالأدق (الرُكابية) وهم الذين يحملون السلاح حول الخليفة عند ركوبه في المواكب،ولهم زي خاص بهم،وكذلك هم الذين يركبون خيول السلطان والأمراء للعناية بها وترويضها وتدريبها على السباق.

بعد ذلك نجد على اليمين،وعلى رأس شارع السيوفية أثرا إسلاميا جليلًا هو سبيل وكُتّاب أم عباس ذا الطراز المتأثر بكلٍ من العمارة العثمانية والأوروبية،وبعد خطوات قليلة نجد مدرسة وجامع تغري بردي الرومي،ثم نجد أمامه وعلى بُعد خطوات بقايا أحد قصور السلطان الغوري.

وإذا تقدمنا قليلًا سوف نجد تقاطع الصليبة مع شارع (أزبك) والذي يؤدي إلى بركة الفيل،وشارع أحمد بن طولون الذي يقع فيه جامعه الشهير،وبجواره الأثر الرائع (بيت الكريتليةمتحف جارى اندرسون الان) وإذا مشينا قليلًا فسوف نجد مسجد الخضيري على اليمين،وأمامه مباشرة مسجد ومدرسة صرغتمش.

ولاهمية هذا الشرع فلقد قامت منذ اكثر من عامين  لجنة الوعى الحضارى والأثرى لنقابة المهندسين بالتعاون مع إدارة الوعى الأثرى بالجمالية وبحضور رئيسها الأثرى (محمد خليل) بزيارة لشارع الصليبة وكان ذلك في سبتمبر 2016،واعطت توصيات كثيرة وطبعا الأموال في المقام الأول للمحافظة على الأثر او لابعاد الورش عن هذه المنطقة،وكان الملبغ المخصص يتعدى 500 مليون جنيها.ومن هنا ثار أصحاب الورش وقدموا الشكاوى العدة في قسم الخليفة ومحافظ القاهرة واكدوا بان وضعهم قانونى ومرخص من قبل الحى،ومن ذلك الوقت وحتى الان لا حس ولا خبر عن اى شيء يخص شارع الصليبة.والى لقاء مع البوت القادم والحديث عن مدينة القاهرة.

 

الباحث الاثارى والمرشد السياحى

احمد السنوسى