في العقود الأخيرة، أصبحت الاستدامة أحد المحاور الأساسية في صناعة السياحة على مستوى العالم. ومع تصاعد الوعي البيئي وزيادة الضغوط على الموارد الطبيعية، برزت السياحة الخضراء كوسيلة لتحسين تأثير السياحة على البيئة وتقليل البصمة الكربونية، خاصة في قطاع السياحة البيئية وقطاع الطيران.
السياحة الخضراء: ما هي؟
السياحة الخضراء تعني السفر والسياحة بطريقة مسؤولة تجاه البيئة، تهدف إلى تقليل الأثر البيئي للنشاطات السياحية والمحافظة على الطبيعة والتنوع البيولوجي. إنها تشمل مجموعة من الممارسات، مثل استخدام الطاقة المتجددة، تقليل النفايات، واستخدام المواد الصديقة للبيئة في كل مراحل السفر والإقامة.
وسائل النقل السياحي الخضراء: التوجهات الحالية
العديد من الدول حول العالم بدأت في تبني وسائل نقل صديقة للبيئة ضمن خططها السياحية. السيارات الكهربائية والحافلات الهجينة أصبحت خيارات شائعة في المدن السياحية الكبرى، حيث تساهم هذه الوسائل في تقليل الانبعاثات الكربونية بشكل كبير مقارنة بوسائل النقل التقليدية التي تعتمد على الوقود الأحفوري.
على سبيل المثال، في دول مثل النرويج والسويد، تم إدخال حافلات كهربائية بالكامل للنقل السياحي، والتي لا تنتج أي انبعاثات ضارة وتساهم في تحسين جودة الهواء في المدن السياحية. هذه الخطوات ليست فقط جيدة للبيئة، بل تعمل أيضًا على تعزيز صورة هذه المدن كوجهات سياحية مستدامة.
تطوير البنية التحتية للنقل الأخضر:
لضمان نجاح التحول نحو النقل السياحي الأخضر، يجب على الدول الاستثمار في تطوير البنية التحتية اللازمة لدعم هذه الوسائل. وهذا يشمل بناء محطات شحن للسيارات الكهربائية في الأماكن السياحية وتحديث أساطيل النقل العام لتشمل وسائل نقل أقل تأثيرًا على البيئة.
التحديات والفرص:
على الرغم من الفوائد الكبيرة للنقل السياحي الأخضر، هناك بعض التحديات التي يجب التعامل معها. تكلفة التحول إلى وسائل النقل الكهربائية قد تكون مرتفعة في البداية، لكن على المدى الطويل، يمكن أن تؤدي إلى توفير كبير في التكاليف التشغيلية، بالإضافة إلى الفوائد البيئية.
أيضًا، يتطلب التحول نحو النقل الأخضر تغييرات في السياسات والتشريعات لدعم وتشجيع استخدام وسائل النقل المستدامة. هذا يشمل تقديم حوافز للمستثمرين في قطاع النقل السياحي الأخضر وتطوير معايير بيئية صارمة لعمليات النقل السياحي.
قطاع الطيران والسياحة البيئية: التحديات والفرص
قطاع الطيران اليوم يمثل حوالي 2.5% من إجمالي الانبعاثات الكربونية على مستوى العالم، مما يجعله هدفًا رئيسيًا لجهود تقليل البصمة الكربونية. شركات طيران رائدة مثل “كي إل إم” و”لوفتهانزا” تبنت خططًا طويلة الأمد لتحقيق صافي صفر انبعاثات كربونية بحلول عام 2050، من خلال استخدام الوقود الحيوي، وتحسين كفاءة استهلاك الوقود، وتطوير طائرات أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة.
على سبيل المثال، شركة “كي إل إم KLM ” قامت بتشغيل أول رحلة تجارية تعتمد على الوقود الحيوي في عام 2011، ومنذ ذلك الحين، تستمر في تعزيز استخدام هذا النوع من الوقود للحد من تأثيرها البيئي. وتهدف العديد من شركات الطيران الأخرى لتحقيق نفس الهدف في إطار رؤية 2050 التي وضعتها منظمة الطيران المدني الدولي (ICAO) لتقليل الانبعاثات الكربونية.
نحو مستقبل مستدام:
السياحة الخضراء في النقل السياحي ليست فقط اتجاهًا عالميًا، بل هي ضرورة لضمان مستقبل مستدام لصناعة السياحة. التحول نحو وسائل النقل الصديقة للبيئة سيساهم بشكل كبير في تقليل البصمة الكربونية وتحسين جودة الهواء، مما يعزز من جاذبية الوجهات السياحية ويحسن من تجربتها البيئية.
مع استمرار الابتكار في تكنولوجيا النقل، يمكننا أن نتوقع رؤية المزيد من وسائل النقل المستدامة تدخل حيز الاستخدام في قطاع السياحة. ولكن لتحقيق هذا الهدف، يجب أن يكون هناك تعاون وثيق بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع لضمان التحول نحو نقل سياحي أخضر يضمن مستقبلاً أفضل للأجيال القادمة.
الاستدامة والسياحه الخضرا قي شوكات الطيران :
تعمل شركات الطيران على تحسين كفاءة الطائرات وتقليل الوزن الإجمالي للرحلات من خلال استخدام مواد أخف وزناً وأكثر استدامة في صناعة الطائرات. هذه المبادرات تأتي كجزء من التزام قطاع الطيران العالمي بتحقيق أهداف عام 2050، والتي تتضمن تقليل الانبعاثات بنسبة 50% مقارنة بمستويات عام 2005.
إحدى الشركات الرائدة في هذا المجال هي “إيزي جيت”، التي تعمل على تشغيل رحلات طيران كهربائية قصيرة المدى بحلول عام 2030. هذه الطائرات تعتمد بشكل كامل على الطاقة الكهربائية وتساهم بشكل كبير في تقليل انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون مقارنة بالطائرات التقليدية.
من جهة أخرى، قطاعات السياحة البيئية تبنت ممارسات خضراء مثل استخدام مصادر الطاقة المتجددة في المواقع السياحية، وتقليل استهلاك المياه، وإدارة النفايات بشكل مستدام. على سبيل المثال، منتجعات “سيكس سنسيز” حول العالم تبنت مبادرات للحفاظ على الموارد الطبيعية المحيطة بها، مثل إعادة تدوير المياه واستخدام الألواح الشمسية لتوليد الطاقة.
أهداف عام 2050: السياحة المستدامة
الأمم المتحدة يا اصدقائي وضعت أهدافًا طموحة لعام 2050 لتحقيق سياحة مستدامة على مستوى العالم. وتشمل هذه الأهداف تقليل الانبعاثات الكربونية بنسبة 80% في قطاع السياحة البيئية، وزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة في جميع الأنشطة السياحية، وتحقيق صافي انبعاثات صفرية في قطاع الطيران. لتحقيق هذه الأهداف، يحتاج العالم إلى تضافر جهود الحكومات والشركات والأفراد في تبني سياسات وتشريعات تعزز من السياحة الخضراء.
السياحة الخضراء في مصر: نشر الوعي وتحديث التشريعات
في مصر، التي تتمتع بثروة من المواقع السياحية البيئية، أصبحت السياحة الخضراء ضرورة ملحة لتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والمحافظة على البيئة. نشر الوعي بالسياحة الخضراء وتحديث التشريعات والقوانين أصبح أمرًا حيويًا لدعم هذه الجهود. يجب أن تشمل هذه التشريعات حوافز للشركات السياحية التي تتبنى ممارسات مستدامة، وتفرض معايير صارمة على عمليات البناء والتشغيل في المواقع السياحية البيئية.
من الضروري أيضًا دمج مفاهيم السياحة الخضراء في مناهج الجامعات وكليات السياحة والفنادق، لضمان أن الجيل القادم من المهنيين السياحيين مدرك لأهمية الحفاظ على البيئة. هذا يتطلب جهودًا مشتركة من وزارة السياحة والتعليم العالي لتعزيز التعليم المستدام في هذا المجال.
السياحة الخضراء في مصر: الدور والتحديات
مصر، باعتبارها وجهة سياحية رائدة، لديها إمكانيات هائلة لتطوير السياحة الخضراء. رغم الجهود المبذولة، لا يزال هناك حاجة ملحة لنشر الوعي حول أهمية السياحة الخضراء وتحديث التشريعات والقوانين المرتبطة بها. يجب على الجامعات وكليات السياحة إدراج السياحة الخضراء في مناهجها لتجهيز الجيل القادم من المهنيين بالمعرفة والأدوات اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة في هذا القطاع.
في مصر، يمكن أن يشمل ذلك مثلا تحديث وسائل النقل السياحي التقليدية مثل الحافلات السياحية الكبيرة إلى نماذج أكثر كفاءة في استهلاك الوقود أو حتى التحول إلى استخدام الحافلات الكهربائية، خاصة في المدن السياحية الشهيرة مثل القاهرة والأقصر وأسوان.
في إطار هذا الاتجاه، يمكن لمصر أن تتبنى سياسات تشجيعية للسياحة البيئية، مثل دعم المشروعات السياحية التي تحافظ على البيئة وتعزز من التنوع البيولوجي. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي تعزيز الاستثمار في وسائل النقل السياحي المستدامة، مثل السيارات الكهربائية وحافلات الهيدروجين، وتطوير البنية التحتية الداعمة لها.
السياحة الخضراء في النقل السياحي: خطوة نحو المستقبل:
في ظل التحولات الكبيرة التي يشهدها العالم نحو الاستدامة، أصبح النقل السياحي الأخضر أحد المحاور الرئيسية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. النقل السياحي يلعب دورًا محوريًا في صناعة السياحة، ويؤثر بشكل مباشر على البيئة من خلال الانبعاثات الكربونية والتلوث البيئي. ومع تزايد الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة، أصبح التحول نحو وسائل نقل أكثر صداقة للبيئة خطوة أساسية نحو مستقبل أكثر استدامة.
نحو مستقبل أكثر خضرة
السياحة الخضراء ليست مجرد اتجاه حديث، بل هي ضرورة لاستدامة صناعة السياحة وحماية البيئة للأجيال القادمة. يتطلب تحقيق الأهداف الطموحة لعام 2050 التزامًا عالميًا، ومع استمرار التقدم في التكنولوجيا والوعي البيئي، يمكننا أن نتطلع إلى مستقبل أكثر خضرة واستدامة في قطاع السياحة.
كاتب المقال
علاء خليفة
رئيس مجلس إدارة شركة “خبراء الديجيتال لاستراجيات التسويق الحديث ” في الإمارات ومصر،
رئيس مجلس إدارة شركة EGY TRACE – ايجيتريس الدولية لتقنيات وحلول أنظمة التحقق والرؤية الحاسوبية وأنظمة وحلول الواقع المعزز.
محاضر دولي وخبير في وضع استراتيجيات التسويق الدوليه للمقاصد العالمية.
يمتلك خبرة واسعة في مجال التسويق والتكنولوجيا المتقدمة والبلوك تشين، وأنظمة الرؤية الحاسوبية، والذكاء الاصناعي، وكذلك أنظمة قياس وتتبع وتقارير الانبعاثات الكربونية وفقًا لاتفاقية ال CBAM
الخبير التسويقى الدولى ” علاء خليفة ” يكتب لـ ” المحروسة نيوز ” : ضريبة الكربون والتخفيف عن التحديات البيئية
للتعرف وللمزيد من المقالات للكاتب أدخل على الرابط التالى
https://elmahrousanews.com/?s=%D8%B9%D9%84%D8%A7%D8%A1+%D8%AE%D9%84%D9%8A%D9%81%D8%A9+