مقدمة :
هناك علاقة أزلية بين الإنسان والكائنات الحية الدقيقة( الميكروبيوم البشري )وهي أنواع خاصة تعيش في كل مكان بجسم الإنسان وتكثر في الفم والأمعاء وعلي الجلد كما تتواجد بكثرة في الأمعاء الغليظة وعددها هائل جدا يتجاوز عشرة أضعاف عدد خلايا الجسم وكرات الدم بكل أنواعها , وهذه الكائنات تعيش بطريقة تكافلية وتكاملية مع الانسان تفيده ويفيدها وتضره ويضرها وهذا المجتمع أطلق عليه أسم ميكروبيوتا Microbiota .
تعريف:
ومن دراستنا في المراحل التعليمية عرفنا أن الأحياء التي تعيش في أحشائنا والتي تسمي Gut –Microbiota وهي بكتيريا كنا نعتقد أن دورها بسيط في تصنيع بعض الفيتامينات مثل فيتامين ك وب12 والعوامل المساعدة – ولكن أتضح أن الموضوع أكبر بكثير مما نعتقد سواء في التأثير علي الصحة أو طريقة عمل تلك البكتيريا والذي يعد عملا عجيبا ومعجزا , وأهم دور تقوم به هو القضاء علي البكتيريا الممرضة التي توجد في الأمعاء بشكل طبيعي , والحرب بينهما تحكمها البيئة التي نوفرها لها ,فإذا كانت البيئة مناسبة لنمو البكتيريا الضارة نمت و قويت والتهمت البكتيريا النافعة والعكس صحيح فإذا كانت البيئة صحية أو شبه صحية تفوقت البكتيريا النافعة ومنعت عنا الكثير من الأمراض .
كيف تتكون تلك البيئات :
الجنين في بطن أمه يعيش في بيئة معقمة ولكن أثناء ولادته يبدأ أرتباطه بتلك البكتيريا والتي يأخذ بعضها من أمه حتي أن الأطفال الذين يولدون قيصريا تكون نسبة البكتيريا من الأم أقل , ومع نمو الطفل تتكاثر أنواع البكتيريا عليه وداخله حسب البيئة التي يعيش فيها ,فإذا كانت بيئة صحية كثرت البكتيريا النافعة وحققت له الكثير من الفوائد الصحية وقللت من الأمراض التي يتعرض لها , وإن كانت البيئة غير صحية تفوقت البكتيريا الضارة علي النافعة فسببت له الأمراض , ونقصد بالبيئة هنا نمط الحياة ونوع التغذية والأدوية والملوثات البيئية واللياقة البدنية – فكلما توافرت حياة صحية للطفل والبالغ كلما ازدادت البكتيريا النافعة وساعدت علي تحسين صحة الشخص والعكس صحيح , أكثر عدد من تلك البكتيريا يكون في الجزء الأول من الأمعاء الغليظة ( القولون الصاعد ) ثم تقل حتي تصل إلي المستقيم وتتغير أنواع البكتيريا وتختلط بين النافعة والضارة والبكتيريا الهوائية وغير الهوائية.
ما هو دور الميكروبيوم :
تساعد تلك الكائنات المجهرية في إمتصاص العناصر الغذائية خاصة المعادن والفيتامينات وتؤثر علي هضم بقية العناصر الغذائية ويعتمد ذلك علي نوع البكتيريا النافع والضار .
- المساعدة في هضم بعض العناصر الغذائية مثل الكربوهيدرات حيث تنمو تلك البكتيريا علي الألياف الغذائية وغير الغذائية بشكل كبير والتي لايمتصها الجسم وتعمل علي تخمير الكربوهيدرات وتنتج عناصر غذائية مختلفة ومنها الأحماض الدهنية القصيرة السلسلة وهذا يساعد علي تخزين الدهون .
- تؤثرعلي الجهاز المناعي سلبا أوإيجابا حسب نوع البكتيريا وأيضا لها تاثير علي الجهاز الليمفاوي (خاصة العقد الليمفاوية ) وأظهرت الأبحاث الحديثة تأثير الميكروبيوتا علي تكوين الخلايا المناعية T- Cell وإنتاج الأجسام المناعية – IgA .
- تؤثر علي صحة القولون والأمراض التي تحدث فيه أو تبدأ منه , ومنها التأثير علي سمك الطبقة المخاطية التي تحمي الأمعاء , ونفاذية الخلايا فيه لدخول وخروج العناصر الغذائية ومكونات الدم , وتبادل العناصر الغذائية بين الدم وخمائل الأمعاء وقدرة أنسجة الأمعاء علي تجديد الخلايا وصيانة نفسها .
- التأثيرعلي فاعلية وظائف الأمعاء وصحة أنسجته وهذا بدوره يؤثرعلي بقية الأعضاء والأنسجة والخلايا في الجسم كله وقدرته ومناعته .
- التأثير علي الجهاز العصبي بزيادة أو نقص سرعة إستجابته للمؤثرات وهذا بالتالي يؤثرعلي الإنفعالات النفسية ولهذا تؤثرفي تقليل أو زيادة المشاعرالنفسية السلبية أو الإيجابية وحتي حدوث القلق والتوتر والإكتئاب .
- التأثيرعلي تنظيم تخليق العظام والأسنان والعوامل المؤثرة عليها وبالتالي المعالجة والوقاية من هشاشة و ترقق العظام عند الكبار والكساح عند الأطفال .
- من أكثر الدراسات التي نشرت خلال الفترة القريبة الماضية علاقة الميكروبيوم مع أمراض القلب والشرايين والجلطات وعلاقتها بالكوليسترول والدهون الثلاثية .
وهناك قائمة طويلة من الأمراض تم إكتشاف علاقتها بالميكروبيوم ,وتجري الأبحاث وتعقد المؤتمرات لمناقشة طبيعة تلك العلاقة وآلية عملها وكيفية الإستفادة منها في الوقاية و العلاج , وفي المقابل هناك دراسات في المختبرات وعلي حيوانات التجارب تعطي نتائج مذهلة ولكنها ما زالت تحت البحث وتحتاج وقتا لحين إثباتها , ومنها دور المضادات الحيوية التي يتناولها الأطفال لأي سبب كان في إحداث الأمراض لاحقا ومنها السمنة , وعلاقة الميكروبيوم بصحة الكبارومنها الخرف المبكر ,وأيضا مع الحمل والإرضاع , وزيادة ونقص الوزن والتحكم في العادات الغذائية .
ومن الدراسات العجيبة وجود علاقة بينها وبين صحة المخ ,والمشاعر من خلال التأثير علي هرمون السيروتينين.
حقيقة خيالية :
معلومة ظهرت خلال نقاش العلماء والجمعيات الطبية المتخصصة وهي أن البكتيريا في أمعائنا تدمن أكلات معينة لأنها تعودت عليها سواء أكلات صحية أو غير صحية وأن تلك البكتيريا تحب السكر والدهون , فتعجبها الوجبات السريعة كثيرا ومع إستمرار الشخص علي تناولها تدمنها تلك البكتيريا ولكن الأغرب من ذلك أن تلك البكتيريا لديها تواصل مباشر مع المخ Gut –Brain Axis حيث تقوم بعدة عمليات تتضمن تأثير بعض الهرمونات مثل الكورتيزول بحيث تجبرك علي تناول تلك الأغذية التي تعودت عليها فتشعر بشهية غيرعادية لتلك الوجبات فتجتمع شهيتك العادية مع شهية البكتيريا الضارة داخل أمعائك وتشدك علي تناول تلك الأغذية بشراهة وذلك الجسر الذي يربط المخ بالأحشاء له تاثير متبادل بينهما بواسطة تلك البكتيريا .
“الدكتور محمد عبد المنعم صالح” يكتب لـ ” المحروسة نيوز ” عن : ثوابت المجتمع .. بين الجشع و الهلع !!
“الدكتور محمد عبد المنعم صالح” يكتب لـ ” المحروسة نيوز ” عن : القائد ذو الثلاثة أبعاد
البكتيريا والمرض المستعصي: هناك نوع من الألتهاب يصيب الأمعاء مع ألم شديد يترافق مع إسهال شديد مصحوب بالدم وإرتفاع في درجة الحرارة وفقد للسوائل تصل لحد الجفاف ولا يستجيب للعلاج ولا للمضادات الحيوية ,وظل هذا المرض مشكلة لكل من يصيبه أسم هذا المرض C. difficile Colitis ثم وجدوا أن الميكروبيوم علاج لتلك الحالة المرضية المستعصية ,وأستبشر الناس بها ولكن البكتيريا الأقوي في علاج تلك الحالات تنمو أساسا وتتكاثرفي أمعاء الأنسان , فكان الخيارالأفضل نقل تلك البكتيريا النافعة من قولون الإنسان السليم إلي الإنسان المريض وقد لوحظ التحسن خلال 48 -96 ساعة وقد طورت بعض الشركات تقنيات لحفظ تلك البكتيريا وإعادة حقنها في الشخص المريض أوتعبئتها في كبسولات وتناولها عند الحاجة .
كيف نحصل علي البكتيريا النافعة:- أفضل مصدر متوفروسهل هوتناول الزبادي واللبن الرايب حيث تكثر البكتيريا النافعة فيهما ولهذا ننصح كل من يتناول مضاد حيوي يصفه الطبيب لأي سبب كان أن يكثرمن تناول الزبادي حيث يعوض البكتيريا التي يقضي عليها المضاد الحيوي الذي لايفرق بين البكتيريا النافعة والضارة وإنما يقضي علي الجميع
- بعض المخللات تحوي بكتيريا نافعة ولكن ذلك يعتمد علي طريقة تصنيعها وحفظها , ولهذا لا ننصح بتناول المخللات الشعبية أو التي لا نعرف مصدرها ولا نضمن طريقة تصنيعها وحفظها لكيلا تعود المنفعة المامولة إلي ضرر صحي علينا .
- تناول الزبادي واللبن المتخمر ( الرايب ) هو بداية إضافة البكتيريا النافعة ولكن ليس لضمان تكاثرها فتلك البكتيريا كائنات حية تحتاج لتوفير بيئة مناسبة لتنمو وتتكاثر مثلها مثل بقية الكائنات الحية ,ولهذا تحتاج لتوفير ألياف غذائية كتلك الموجودة بالخضروات والفواكه والحبوب الكاملة ,وأيضا تحتاج أن نقلل فرص تكاثر البكتيريا الضارة فلابد أن نتجنب الزيوت والسكريات والمعلبات والأغذية الضارة ونقلل من الأغذية التي تسبب تخمر النشويات بسبب زيادة البكتيريا الضارة ,ونهتم بصحتنا العامة ونمط حياتنا مثل تنظيم مواعيد الأكل وتنظيم النوم ومزاولة الأنشطة الرياضية المناسبة كل ذلك يساعد في توفير بيئة صحية لتكاثر البكتيريا النافعة علي حساب البكتيريا الضارة , وبهذا نهيئ لأجسامنا فرصة الأستشفاء الذاتي أي نجعل الجسم يعالج نفسه ويرفع مناعته ويقاوم الأمراض بطريقة مناسبة دون الحاجة لتناول الأدوية والمضادات الحيوية .
حفظ الله الجميع من كل سوء ومرض
كاتب المقال
الدكتور محمد عبد المنعم صالح
Email :[email protected]
رئيس المنتدي العالمي لخبراء السياحة
دكتوراه العلوم الطبية البيئية – جامعة عين شمس
خريج الكلية الحربية المصرية –الدفعة 25 اطباء –1974
ماجستير الميكروبيولوجيا الطبية والوبائيات –الأكاديمية الطبية العسكرية
استشاري صحة البيئة والميكروبيولوجيا الطبية
إستشارى تدريب صحة وسلامة الغذاء بغرفة المنشات الفندقية
إستشارى برنامج التوعية الصحية ضد كوفيد -19
إستشارى تدريب الإدارة البيئية للفنادق ( الفنادق الخضراء )
إستشارى التدريب علي التنافسية في القطاع السياحي ، تابع لمنظمة العمل الدولية
إستشارى التدريب في منظمة الفنادق والنزل الأمريكية ، سابقاً
إستشارى التدريب في كلية أدنبره “اسكتلندا” سابقاً
عضو جمعية الباجواش المصرية
عضو لجنة جودة التعليم وأخلاقيات البحث العلمي ، كلية السياحة والفنادق، جامعة المنصورة
عضو لجنة جودة التعليم في الرقابة علي الأغذية-كلية الطب البيطري، جامعة بنها سابقاَ