فجأة تغيرت مجريات الأحداث، في الدول الأوروبية، بظهور “نادي اليمين”، المعروف عنه اهتمامه، بالأساس، بالقضايا الداخلية للدول، وحرصه على حماية الهوية من تهديدات ثقافات الدول الأخرى، خاصة تلك التي تتسرب، بشكل عام، من خلال المهاجرين إلى الدول الأوروبية.
وخلال الشهور الماضية، كانت السويد والمهجر وبولندا وإسبانيا أولى الدول الأوروبية التي انضمت لنادي اليمين، وتبعتهم إيطاليا، بعد نجاح “حزب أخوة إيطاليا” في تشكيل الحكومة، برئاسة زعيمته السيدة جورجيا ميلوني، بعد نيلها ثقة الناخبين، من خلال سجلها السياسي الحافل، منذ أن كانت أصغر وزيرة، في تاريخ إيطاليا، عندما تم اختيارها، في عام 2008، وزيرة للشباب، في حكومة سيلفيو بيرلسكوني.
وما هي إلا شهور بسيطة حتى مُنيت أوروبا بضربة ثانية، في الشهر الماضي، عندما حقق حزب العمال البريطاني فوزاً ساحقاً في الانتخابات، والتي اعتبرت النتيجة الأسوأ في تاريخ الانتخابات التي خاضها حزب المحافظين، إذ لم ينل سوا 121 مقعد، فقط، من مقاعد مجلس العموم البريطاني، البالغ عددها 650 مقعداً، في حين حصل حزب العمال على 412 مقعد، وحصل حزب الديمقراطيين الأحرار على 71 مقعد. لينتهي، بذلك، 14 عاماً من سيطرة حزب المحافظين على السلطة، وتعيين كيرل ستارمر رئيساً للوزراء، خلفاً لخمسة قادة مختلفين من المحافظين، آخرهم ريتشي سوناك.
تلا ذلك الانتخابات التشريعية الفرنسية، التي دعا إليها ماكرون بعد هزيمة تحالفه السياسي في انتخابات البرلمان الأوروبي، وتصدر نتائج تلك الانتخابات التشريعية تحالف اليسار بحصاد 182 صوتاً، وحصل حزب أقصى اليمين 143 صوتاً، بينما جاء تحالف الرئيس ماكرون في المركز الثاني، بعدد 168 مقعد، وحصلت باقي الأحزاب اليسارية الأخرى على 13 مقعد. وقد أفرزت الانتخابات الفرنسية عن عدة مفاجآت، كان أولها تصدر ماريان لوبان، رئيسة الحزب اليميني الفرنسي المتطرف، لنتائج الانتخابات في مرحلتها الأولى، إلا أن ذلك لم يدم، إذ تبدل الترتيب، وصارت في المركز الثالث، خلال المرحلة الثانية من الانتخابات، وهو ما يدل على دخول فرنسا لمرحلة جديدة، لم يعد لحزب الرئيس الفرنسي، خلالها، الغلبة في البلاد.
وتمثلت الضربة الأخيرة في سيطرة اليمين على انتخابات الاتحاد الأوروبي، بعد فوز ميلوني، وحزبها اليميني المتطرف برئاسة فراتيلي ديتاليلا. وبحسب صحيفة ايل ميساجيرو الإيطالية، فإن ميلوني هي الأقوى، اليوم، في أوروبا، بعد تراجع وخروج الأحزاب المنتمي لها الرئيس الفرنسي ماكرون، والمستشار الألماني شولز، من انتخابات الاتحاد الأوروبي. وللإجابة عن معنى ذلك التحول الجديد وسيطرة اليمين المتطرف على مقاليد الأمور في أوروبا، فيمكن تفسيره ببساطة بأن أوروبا ستشهد تطوراً كبيراً في سياستها الداخلية والخارجية، ستتضح صوره، في الفترة القادمة، من خلال محاولات الاستقلال السياسي عن الولايات المتحدة الأمريكية، والتخلي عن دور الحليف التابع لأمريكا.
والحقيقة أن الرئيس الفرنسي، ماكرون، كان قد نادى، من قبل، بضرورة تأسيس جيش أوروبي موحد، كبديل عن الاعتماد على حلف الناتو، إلا أن أحداث الحرب الروسية الأوكرانية، قد عطلت التباحث حول تنفيذ تلك الفكرة. وهو ما يدفعنا للحديث عن رأي اليمين المتطرف في أوروبا بشأن تلك الحرب، واتفاقه مع رأي الشعوب الأوروبية الرافضة لتكبد فاتورة الدعم المادي والعسكري لأوكرانيا، دون محاولة الوصول لحل سلمي بين الدولتين. لذا فمن المنتظر أن تشهد الشهور القليلة القادمة تغييراً كبيراً في مواقف الدول الأوروبية، تجاه الحرب الروسية الأوكرانية، خاصة في حال وصول الرئيس الأمريكي، ترامب، إلى البيت الأبيض، المنتظر أن يعمل على الوصول لحل سلمي لتلك الأزمة، إلا أن ذلك لن يثني اليمين الأوروبي عن تحركاته لرفض الهيمنة الأمريكية، والتبعية لها، خاصة مع إصرار ترامب على تحميل أوروبا لمصاريفها في حلف الناتو.
وعلى المستوى الداخلي، فسيعمل اليمين المتطرف، بكل هذه الدول، في الفترة القادمة، على الحد من الهجرة إلى أوروبا، بل وسيعيد العديد من المهاجرين، الموجودين حالياً في أوروبا، إلى بلادهم، قبل توفيق أوضاعهم بالحصول على إقامة دائمة أو جنسية. كما سيحارب المسلمين الموجودين في البلاد الأوروبية، وهو ما بدأت ظواهره بمنع ارتداء الحجاب داخل المدارس بتلك الدول، فضلاً عن منع الدراسة العربية والإسلامية ببلادهم، من منطلق حرص اليمين المتطرف في أوروبا، من الحفاظ على الهوية، وعدم خلطها بالهوية العربية الإسلامية. ولا عجب أن نلاحظ، مؤخراً، كثرة الحديث عن انتشار محلات الشاورما الشامية، والدونير التركي، في أركان أوروبا، وهو ما يعني، من وجهة نظر اليمين الأوروبي، تهديد للنسيج الأوروبي، ناتج عن الاختلاط مع المسلمين، وهو ما تزداد خطورته مع احتمالات حصول أولئك المسلمين على جنسية الدول الأوروبية المقيمين فيها.
والحقيقة أن الخطر الأكبر، ليس اجتماعياً، فقط، بقدر كونه سياسياً، إذ يتخوف اليمين الأوروبي، من تحول الأغلبية السكانية في دولهم، بعد سنوات معدودة، للإسلام، في ضوء تكوين الكثير من الأسر المسلمة من ستة أو سبعة أفراد، مقابل ما لا يزيد عن ثلاثة أفراد، في المتوسط، بين الأسر الأوروبية، مما يعني أن السلطة داخل البرلمانات الأوروبية، ستؤول، مستقبلاً، لأفراد مسلمين، من أصول غير أوروبية، لذا نجد اليمين المتطرف في أوروبا يقاتل، ويحارب، بكافة الطرق لوقف الهجرة العربية والإسلامية إلى دولهم. وهو ما سيسفر عن متغيرات جديدة في الدول الأوروبية، تحت حكم اليمين المتطرف، سنتابع نتائجها في السنوات القادمة.