رغم أن الزواج أحد أشهر أشكال الارتباط بين الجنسين داخل المجتمعات الحديثة وأكثرها قبولا لتلبية نداء الطبيعة الإنسانية.. فإنه ما زال يستحوذ على استغراب ودهشة العديدين وكأنه تقليد يجري حديثا.. ربما ما يبرر استغراب ودهشة العديدين من الزواج الإضافات المتلاحقة عبر السنين بمراسمه وعقوده المبرمة التي قيل إنها تعمل على الحد من سوء نية العروسين..
ويؤكدون سوء نية أهل العروسين رغم التقدم الحضاري من ضرورة إحضار شهود على ما يجري وبطاقاتهم.. بل واستحداث “القايمة” التي لا بد للعريس من التسليم بها وبأنها تضم جميع أركان عفش الزوجية، وغالبًا ما تحوي مفروشات ومنقولات لم يتم إحضارها سوى في نية أهل العروس كجزء من كلبشة العريس، ويطالبونه بالإمضاء عليها لإظهار حسن نيته وعدم غدره بالعروس.. ويتسلمها منه أهل العروس ويضعونها في ركن مكين لوقت عوزه!
وبالطبع يتم الزواج في جو من الود المتبادل المغلف بسوء النية المكتوم وغير المعلن.. ما بين قائمة يريد أهل العروس توقيع اسم الكريم عليها.. والكريم، أي العريس، يوقع عليها بمضضٍ إظهارًا لحُسن النية.. وإن بدا الأمر عكس ذلك..
وبالطبع ما يجري يتم بلغة غير منطوقةٍ إنما على الأقل مفهومة ولا تحتاج إلى تصريح من أحدٍ ويكفي التلميح بدلا من التصريح في مثل هذه الأمور شديدة التعقيد.. وإذا حاول العريس الاعتراض على بعض ما جاء بالقايمة يكون التصريح بديلًا عن التلميح وباللغة الفصيحة :هو أنت في نيتك حاجة دا توقيع شكلي وعفشك في بيتك ومراتك معاك ..إلا إذا كنت بقى- لا سمح الله- يعني ناوي.. وربنا ما يجيب حاجة وحشة ..امضي بقى خلينا نفرح وتاخد عروستك وتهيص..ويهيص ازاى بعد كل دا مش عارف ..!
والعروسة للعريس.. وتبدأ لغة جديدة داخل بيت الزوجية تُسمى لغة الزواج وتبزغ في الظهور بعد مرور سنواتٍ قليلةٍ على الزواج ونسيان سوء النية الذي استدعى إحضار الشهود وكتابة القايمة.. وهي لغة تحتاج من الزوج النباهة وكثير من الفطنة وإلا تبدلت حياته جحيمًا.. والقاموس الزواجي ثري ومتجدد ومترادفاته متشابهة مع لغة الحياة اليومية لكن دلالته مختلفة تمامًا..
مثلًا: إذا دار نقاشٌ زواجي كالمُعتاد واختتمته الزوجة بكل هدوءٍ قائلة: “خلاص اعمل اللي إنت عايزه”، فالزوج العصري الروش يفهم تمامًا ماذا تعني العبارة السابقة في قاموس الحياة اللغوية الزوجية.. وهي أنها تُترجم ببساطة :اعمل اللي أنت عايزه بس حتندم حتندم.. واعمل اللي أنا قلت عليه أحسن لك!
وعلى طول ودرءًا لمعارك قادمة الزوج الفاهم الفطن للغة الزوجية يقول: بقى دا كلام أنا كنت بس بأحاول أفهم الموضوع معاكي.. وعلى فكرة رأيي تقريبًا هو رأيك، بس كنت بتأكد إني فهمت اللي أنت عايزاه!
هنا تكون قد نضجت بالفعل وفهمت لغة الزواج وآثرت السلامة وبعدت عن سكة الندامة.. وإياك أن تسمعها تقول لك عن موضوع :طيب طيب..!ولا تترجم كلمات “طيب طيب “بأنها تسليم وموافقة منها.. إنما هي رفض تام وزهق وتعني “لاء لاء لاء”، أنت قرفتني وزهقتني في عشتى..
وعليك أن تداوي الأمر سريعًا وتلحق نفسك وتلمها.. وحين تردد: أنا مرهقة النهاردة جدا.. وتحكي لك عن مأساة المنزل، والغسيل، والمسح، والكنس، والشغالة، والبواب، وأسعار الطماطم، واللحمة، والرجالة مرتاحة من الهمّ دا.
عليك- هنا- أن تفهم سريعًا تلك الجُمل المتلاحقة الرصاصية.. وتعني لا تطلب منها شيئًا اليوم.. ومن الأفضل أن تتصل بأهلك سريعًا وتحذر من يفكر في زيارتك اليوم أن يؤجل لفرصة أخرى.. وبالمرة عدم التفكير في رفع سماعة التلفون وإجراء محادثات، فاليوم ملبدٌ بالغيوم وتدعي يا رب يعدي على خير..ولا تطلب منها تحضير القميص الفلاني أو البدلة العلانية لأنك ذاهب لاجتماع غدا في العمل.. انس كل ذلك والتزم الهدوء والصمت..
وما عليك سوى مواساتها ببعض الكلمات التي تظهر اعتزازك بمقدرتها على مواجهة مصاعب الحياة وأزماتها بحيث يبدو في كلامك أنها المرأة الوحيدة المظلومة في هذه الدنيا وتتصعب شويه على قدرتها الهائلة.. وارسم علامات الأسى والمواساة لها على وجهك، وكن قريبًا من البكاء إن استطعت ولا تبك واحمد ربنا بصوتٍ عالٍ أنه وهبك مثل هذه المرأة الحمول!
أما إذا عُدت من العمل ووجدتها تبادرك: تحب تأكل إيه النهادره؟ فكن لبقًا ورد سريعًا: إيه رأيك لو نبعت نجيب حاجة دليفري سريعًا.. لأنها بالتأكيد قضت معظم الوقت إما في مكالمة تليفونية ونسيت عمل الأكل أو أن الثلاجة فاضية أو زهقت من حكاية الطبيخ كل يوم.. وصدقني: لو تعلمت وأتقنت لغة الزواج لأمضيت بقية عمرك في سعادة وهناء.