في خضم أحداث الحرب الإسرائيلية الغاشمة على غزة، فاجأتنا الولايات المتحدة الأمريكية بإعلانها عن إنشاء جسر بحري، أمام سواحل غزة، هدفه تيسير نقل المعونات الإنسانية إلى أهالي غزة من خلال الموانئ القبرصية.
إلا أن البعض رأى، في ذلك الجسر الأمريكي، هدفاً آخر، وهو تهجير سكان غزة إلى أوروبا، وذلك بعدما رفضت مصر، رفضاً قاطعاً، تهجير سكان غزة إلى سيناء، لما فيه من تقويض لركائز القضية الفلسطينية، مستخدمة في بياناتها الرسمية لفظ “تهجير قسري” باعتباره التوصيف الحقيقي لتلك المحاولات، على عكس ما يروج له الإعلام الغربي بأنه “Transfer”، والتي تعني “نقل”.
تشير الأرقام إلى أن تكلفة ذلك الرصيف بلغت 230 ألف دولار، يضاف إليها تكاليف إعادة تركيبه لأربع مرات، بعد انهيارات متتالية ناتجة عن سوء الأحوال الجوية، قبل اتخاذ القرار بإزالته بالكامل بعد فشل إصلاحه في المرة الرابعة. جدير بالذكر أن عدد الأيام التي تم فيها تشغيل ذلك الجسر البحري لم تتعد 12 يوماً، ولم يُنقل من خلاله ما يتجاوز 8 آلاف طن من المساعدات الإنسانية.
وهنا يبرز السؤال البديهي، عن كفاءة الولايات المتحدة، صاحبة أقوى جيش في العالم، وفقاً للتصنيف العالمي، في إقامة رصيف عائم أمام سواحل غزة، إن كان قد انهار لأربع مرات، في تلك المدة الزمنية القصيرة، وتناثرت أجزاءه في عرض البحر؟ وعما إن كان بناؤه قد اعتمد على الدراسات الفنية اللازمة، المتضمنة حسابات المد والجذر، وارتفاع الأمواج، وطبيعة الطقس، والتي يتم على أساسها تحديد شكل الجسر، وتصميمه، والمواد اللازمة لتنفيذه، وحمولته القصوى؟
هل من المنطقي أن تعجز أكبر دولة في العالم عن حساب وتحديد المعوقات التي قد تحد من قدرة الجسر على الصمود؟ وهل عجزت بعد تفكك الجسر في المرات الأولى والثانية والثالثة على إعادة حساباتها قبل إعلان فشلها في إعادة بنائه في المرة الرابعة؟! علماً بأن الفترة التي تم خلالها تشغيل الجسر ليس بها نوات في البحر المتوسط.
لقد دفعتني مهزلة إدارة الجيش الأمريكي، لذلك الحدث، إلى استعادة ذكرى قدرة القوات المسلحة المصرية، ونجاح سلاح المهندسين، خلال حرب أكتوبر 73، في إنشاء خمس جسور لعبور قناة السويس، التي يتغير فيها التيار كل عدة ساعات، بعد الدراسات الفنية التي نتج عنها إنشاء خمس كباري، اثنان منهم، فقط، من الكباري الروسية الحديثة، بينما كان الثلاثة الباقيين من كباري الحرب العالمية الثانية … لذا أردد دوماً كلمتي الشهيرة … عظيمة يا مصر.