أخبارمنوعات

الكاتب الصحفى القدير ” يحيى قلاش ” نقيب الصحفيين الأسبق يكتب لـ ” المحروسة نيوز ” : نقابة الصحفيين من “عم صيام” إلى عبد الرحمن نصار

في يوم 13 يوليو، 2024 | بتوقيت 6:33 صباحًا

لنقابة الصحفيين روح خاصة وسمات تميزها ولها تأثير كبير يتجاوز عدد أعضاء جمعيتها العمومية الذي ربما يكون هو الأقل مقارنة بالنقابات المهنية الأخرى.

ومن مقر النقابة الأول في شقة صغيرة بشارع قصر النيل إلى المبنى القديم بعبد الخالق ثروت بحديقته الشهيرة ثم المبنى المؤقت بجوار قسم الأزبكية حتى الاستقرار والعودة للمبنى الحالي على أرض المبنى القديم استطاعت روح النقابة أن تحول هذه المقار جميعًا إلى بيت ثانٍ لأعضائها يشبه بيت العائلة القديم والكبير، وفيه لا يعرف الحفيد فقط ما فعله له أبوه، بل أيضًا يتغنى بمآثر الجد ومكانته ودوره، وكل ما بذله هؤلاء من أجل إنشاء هذا البيت، وحكايات صمودهم حتى يعلو البناء، وكيف ضحوا دفاعًا عنه وعن كرامته وعن حقوقه، والأهم كيف يحافظ كل من يعيش بين جنباته وتحت سقفه على هذا الإرث العظيم ويصبح أهلا له.

هذا الكيان أيضًا ربما يكون الوحيد الذي تجاوز سحره والانتماء إليه من أصحابه شاغلي البيت، بل امتد كذلك لكثيرين من الذين اعتبروه رمزًا للحرية وملاذًا للدفاع عنهم.

نقابة الصحفيين تكرم عبد الرحمن نصار

وهناك فئة خاصة جدًا نعتبرهم من قاطني هذا البيت، وهم عشرات العاملين من إداريين وفنيين وغيرهم من كتيبة مقدمي الخدمات اليومية، الذين أصبحوا على مدى عقود طويلة مضت ضمن هذه الأسرة الكبيرة يعرفون كل أبنائها ويقومون على خدمتهم بحب وفهم.

لذلك سعدت بقيام الزميل والأخ العزيز النقيب خالد البلشي وأعضاء مجلس النقابة بإدراج أسماء بعض العاملين بالنقابة ضمن قائمة المكرمين في حفل تقديم الجائزة التقديرية وجوائز التفوق الصحفي وتكريم بعض القامات الأخرى.

وعندما تقدم عبد الرحمن نصار مسؤول الصيانة بالنقابة صاعدًا على المسرح ليحصل على درع التكريم من النقيب والسكرتير العام كادت سعادتي تلامسه، فهو الشخص النموذج للعطاء والتفاني والأمانة والإخلاص، وعندي عشرات التفاصيل على مدى سنوات خدمته كيف كان حرصه على هذا المكان بل وغيرته عليه، فهو لا يعرف إلا أن يعمل طوال الوقت وقلما تسمع صوته، لا ينم أو يغتاب، ولا يتقرب من أحد دون حاجة يتطلبها العمل، ولا يتسبب في أذى أحد، ولو على حساب نفسه، لذلك حظي عبد الرحمن بمكانة الأب عند جميع العالمين بالنقابة وكان تكريمه مستحقًا.

لقد أعاد لي هذا المشهد شريط الذكريات، واستدعى عندي صورة “عم صيام”، العامل الأشهر في تاريخ النقابة، الذي لم يفارق العمل بها منذ نشأتها عام ١٩٤١، متنقلًا بين كل مقارها، وحتى رحيله منذ عدة سنوات عن عمر يناهز التسعين عامًا، وكان قرار تشييع جثمانه من مقر النقابة إلى مثواه الأخير في مشهد مهيب.

وأذكر أنني كتبت عنه بعد رحيله أن “هناك أناسًا يشعرك رحيلهم بفقدان قيمة عظيمة مهما كانت بساطتهم.. ومن هؤلاء محمد عبد الواحد طاهر الشهير بـ”عم صيام”.. هذا الرجل الذي قدّس قيمة العمل واعتبره موازيًا للحياة ذاتها.. كان وجوده طوال هذا العمر المديد بالنقابة يشعر الجميع بالاطمئنان والراحة وكأننا نملك جزءًا من تاريخ حي نابض لكياننا النقابي الذي ننتمي إليه، ولم يحظ أحد باحترام الجميع في هذا المكان مثله”.

ورغم بساطة العمل الإداري وتواضعه عند دخولنا النقابة مقارنة بما جرى بعد ذلك، إلا أن كثيرين من أبناء جيلي يتذكرون أسماء استقبلتنا جميعا ونحن نخطو خطواتنا الأولى، منهم البشوش والنقي عبد الفتاح الجندي دينامو العمل الإداري، وعبد المنعم كامل الذي ارتبط بعلاقات مع بعض كبار الصحفيين وألّف كتابين عن تاريخ النقابة، وسعد الدين مصطفى الذي عيّنه يوسف السباعي بالنقابة وكان ضابط صف من العاملين معه بالقوات المسلحة، واستطاع هذا الرجل- الذي اصبح نموذجًا للانضباط وحسن المظهر- أن يدير شبكة من العلاقات العامة والإلمام بكل التفاصيل على نحو معجز وفقًا لإمكانيات زمانه، وستظل في ذاكرة النقابة يسريه جلال الأمينة على سجلات النقابة وأوراقها والراحلة كاميليا العشري دائمة الابتسامة والتي لحقت بوالدها الذي كان احد العاملين بالنقابة وتوفي اثناء عمله وسهام عطا الله-متعها الله بالصحة-بوجّهها البشوش ودأبها والدكتورة فوزيه دينامو مشروع العلاج منذ تأسيسه وحتى تقاعدها، وغير هؤلاء الكثير من الذين مازالوا يعطون بحب وتفانوا بإخلاص ومحل تقدير واحترام الجميع.

مبروك لكل من تم تكريمهم من أسرة العاملين بالنقابة هذا العام، أو في الأعوام السابقة، وتحية لعشرات المخلصين الذين يستحقون التكريم في مقبل الأيام من عاملات وعاملين عاشوا معنا وحلموا معنا وصمدوا معنا ونافسوا أصحاب البيت في عشق أهله.

كاتب المقال 

يحيى قلاش 

الكاتب الصحفى الكبير والقدير

نقيب الصحفيين الأسبق