في إحدى محاضرات مادة التسويق التي كنا ندرسها مع أستاذنا الدكتور سامي عبد العزيز (عميد كلية الإعلام الأسبق)- طرح علينا مفهوم البيئة التسويقية التي يُعتبر المستهلك أحد مكوناتها الرئيسية،
حيث إن التسويق التجاري في حد ذاته يهدف بالأساس إلى تلبية حاجات ورغبات هذا المستهلك من أجل دفعه لاتخاذ قرار شراء منتَج أو خدمة بعينها من بين العديد من السلع والخدمات المتنافسة فيما بينها داخل البيئة التسويقية. وهو ما استدعى طرح مفهوم آخر هو «الديمقراطية الاستهلاكية»،
وهو المفهوم الذي يشير إلى أن المستهلك في البيئة التسويقية يتمتع بحرية تامة في اتخاذ القرار الشرائي دون أي إجبار،
وأن هذا المستهلك منذ أن يستيقظ من نومه في الصباح حتى يذهب إلى نومه مرة أخرى ليلاً إنَّما يمارس تصويتًا انتخابيًّا تسويقيًّا مستمرًّا خلال يومه.
فهو مَن يقرر البرنامج التليفزيوني الذي سيشاهده، ونوع فرشة الأسنان والمعجون الذي يستخدمه، والمنتَج الذي سيتناوله مع كوب الشاي، وماركة الملابس التي يرتديها.. إلى آخره من العديد من القرارات الشرائية التي يتخذها سواء لنفسه أو لغيره.
وتتوهج عملية الديمقراطية التسويقية للمستهلك عندما تكتمل أركان العوامل المساعدة على اتخاذ القرار الشرائي، وهي: الشعور بالحاجة للشراء، الإرادة، المال، والسلطة في اتخاذ قرار الشراء.
ولما كان المستهلك يتمتع بحرية تامة في جميع قراراته الشرائية، لذا صار من حقه -طالما يمتلك كل المقومات- أن يحصل على ما يريد من منتجات.
ومن هنا بات السلوك الاستهلاكي مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالعوامل الذاتية النفسية والشخصية والاجتماعية للفرد.وعندما يتعلق الأمر بندرة الموارد الاقتصادية كالطعام مثلاً، بات مفهوم ترشيد الاستهلاك مطروحًا بشدة للحفاظ على الموارد الاقتصادية التي هي من حق الجميع، وضرورة الحدِّ من إهدار تلك الموارد لضمان توافرها للجميع خاصة الموارد الأساسية وهي الطعام.
وأظهرتِ الإحصاءات الصادرة عن مؤشر هدر الغذاء التابع لبرنامج الأمم المتحدة مؤخرًا أن مصر تُعَد من أعلى دول العالم هدرًا للطعام، إذ وصل معدل إهدار الطعام فيها عام 2023 إلى 9.1 مليون طن، سواء كان الإهدار متمثلاً في التخلص من بواقي الطعام الصالح للاستخدام، أو شراء كميات طعام صالحة وانتهاء صلاحيتها ومن ثم التخلص منها.
ويُعَد شهر رمضان أعلى شهور السنة هدرًا للطعام، إذ يزيد معدل الإهدار إلى 60% على باقي العام.
والحقيقة أيضًا أن هناك دولاً عربية أخرى تندرج ضمن مؤشر الأعلى هدرًا للغذاء، وهي على الترتيب: العراق، السودان، الجزائر، السعودية، المغرب، اليمن، سوريا، الصومال، وتونس.
وبالعودة للشأن المصري فيما يخص هدر الطعام تم تدشين برامج توعية للحثِّ على ترشيد استهلاك الغذاء، ومنها المبادرة التي أطلقتها منظمة الأغذية والزراعة الـ(فاو) بالتعاون مع بنك الطعام المصري.
ولكن هل يحتاج الأمر لتدخلات أشد صرامة للحدِّ من إهدار موارد الغذاء في مصر، مثل سن قوانين لضبط هذا الأمر، خاصة مع وجود مؤشرات لدخول مصر في تحديات توفير الغذاء مع دخول مصر حزام الفقر المائي؟ لا بد من دق ناقوس الخطر للحدِّ من هدر الطعام في مصر، لأنه أمر معيب اقتصاديًّا واجتماعيًّا ودينيًّا.