المنطقة الحرةأخبار عاجلةسلايدر

الباحثة ” نورهان أبو الفتوج ” تكتب لـ ” المحروسة نيوز ” : روسيا والصين ودبلوماسية القمم .. دلالات عدة ورؤى مشتركة

في يوم 24 مايو، 2024 | بتوقيت 11:35 مساءً

تشهد العلاقات الروسية الصينية تطوراً ملحوظاً، على الرغم من مواجهة كلا البلدين لتحديات عدة أبرزها استمرار الأزمة الأوكرانية وفرض العقوبات الأمريكية على كل منهما، إلا أن يمكن القول إن هذه التحديات كانت سبباً لتحالف أقوى بين البلدين، وقد جاءت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الصين، تلبيةً لدعوة من نظيره الصيني شي جين بينج، والتي استمرت الزيارة يومي 16 و17 مايو 2024، كخطوة تحمل عديد الدلالات والمؤشرات على عمق تلك العلاقات، لتلقي الضوء على عديد الملفات والقضايا المشتركة على رأس أولويات قيادة البلدين، وفى ضوء هذه الزيارة المهمة يلقى هذا التحليل الضوء على عدد من المحاور الرئيسية التي تشير إليها الزيارة:

أولا- القمة الروسية الصينية.. قراءة في دلالات التوقيت:

تأتي زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للصين في ظل عديد المؤشرات والدلائل التي من شانها أن تؤكد على استراتيجية العلاقات بين روسيا والصين فقد اختار فلاديمير بوتين الصين كأول زيارة رسمية خارجية له منذ أن أدى اليمين الدستورية لولاية خامسة كرئيس لروسيا في 7 مايو 2024، ويجدر القول إن هذه الخطوة ليست بجديدة على مسار العلاقات الروسية الصينية، فقد اعتمد الجانبين على دبلوماسية القمم للتأكيد على عمق العلاقات، فبالعودة إلى العام الماضي (2023)، قام الرئيس الصيني بالخطوة ذاتها، حيث اختار شي جين بينج أيضًا، في مارس 2023 بعد إعادة انتخابه رئيساً لبلاده، روسيا كأول زيارة خارجية له، كما تعد هذه الزيارة هي الثالثة لبوتين للصين منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا 2022، كما تعد المباحثات التاسعة بينهما منذ ذلك الحين.

القمة الروسية الصينية

وتظهر الزيارة أن موسكو تولي أهمية كبيرة لمواصلة تطوير شراكتها الاستراتيجية مع الصين، حيث تعد هذه الخطوة بمثابة رسالة واضحة للولايات المتحدة على عمق الشراكة بين موسكو وبكين على رغم الضغوطات الغربية، في إشارة إلى أنها أصبحت أكثر إصراراً على التوجه شرقاً، حيث تأتي في ظروف تتعرض فيها روسيا لعقوبات دولية كبيرة، بينما تتعرض الصين أيضاً لضغوطات غربية، إذ تأتي بالتزامن مع تكثيف الولايات المتحدة مباحثاتها وزيارات مسؤوليها إلى الصين، فقد حث وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الصين، على التخلي عن دعمها لحرب روسيا في أوكرانيا، حيث جاءت بعد شهر من زيارة بلينكن للصين في أبريل 2024 في ثاني زيارة لهذا البلد في أقل من عام، لتشديد الضغط على بكين في مسائل مختلفة منها دعمها لروسيا، مع السعي إلى إرساء المزيد من الاستقرار في العلاقات بين البلدين.

ثانيا- القمة الروسية الصينية الأخيرة .. تنسيق مستمر ورؤى مشتركة

شهدت الزيارة تفاهم الجانبين في عدة قضايا وملفات مشتركة في عديد القطاعات سواء السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية، وذلك عبر توقيع بيان مشترك بشأن تعميق علاقات الشراكة الشاملة والتفاعل الاستراتيجي، وفيما يلي أبرز مخرجات الزيارة:

  • التسوية في أوكرانيا .. رؤية مشتركة:

يمكن القول إن الهدف الرئيسي من الزيارة هو تطلع روسيا لتنسيق الرؤى مع بكين بشأن القضايا المشتركة، في ضوء حرص البلدين على مناقشة خارطة الصين لتسوية الحرب الأوكرانية خلال الفترة القادمة، باعتبارها محايدة وموضوعية وستساهم في التسوية العادلة الحرب، وكذلك تبني موقف موحد، وهو ما أكده الرئيس الصيني قائلاً إن بكين وموسكو اتفقتا على ضرورة التوصل إلى “حل سياسي” للحرب الروسية الأوكرانية، كما ذكر البيان المشترك أن الدولتين تعارضان إطالة أمد الصراع في أوكرانيا وتحوله المحتمل لمرحلة خارجة عن السيطرة، وقال فلاديمير بوتين إنه ممتن للصين لمحاولتها حل الأزمة الأوكرانية، مضيفاً أنه سيطلع الرئيس الصيني على الوضع هناك حيث تتقدم القوات الروسية على عدة جبهات، وهو ما يمكن أن يعيد إلى الواجهة مبادرة السلام التي طرحتها الصين العام الماضي، والتي تعرضت لانتقادات من كييف وحلفائها الغربيين، إلا أن الصين أكدت بعد ذلك على استعدادها للتوسط في السلام بين روسيا وأوكرانيا.

  • مواجهة السياسة الأمريكية .. موقف متسق:

على الرغم من المباحثات المكثفة التي تمت بين الجانبين الأمريكي والصيني في الآونة الأخيرة، إلا أن التوتر مازال واضحًا في العلاقات بين البلدين، وهو ما تُبنى عليه العلاقات القوية بين روسيا والصين على رؤية مشتركة ترى في الولايات المتحدة تهديدًا رئيسيًا، وهذا التوافق الذي يعزز من قوة التحالف بينهما، حيث اتسق الموقف الروسي الصيني في مواجهة الولايات المتحدة في عدد من القضايا بدايةً من انتقاد كل من روسيا والصين الدعم الأمريكي لإسرائيل وحربها في غزة، ساعيين إلى تعزيز العلاقات في جميع أنحاء الجنوب العالمي، حيث يوجد رد فعل عنيف متصاعد ضد تصرفات إسرائيل في غزة، كما دعوا إلى إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، مع التعبير أيضًا عن نقاط اصطفافهم بشأن مجموعة من القضايا الجيوسياسية الأخرى المثيرة للجدل بما في ذلك تايوان وكوريا الشمالية وتصرفات واشنطن تجاه الهندوباسيفيك.

وأكدت المباحثات بين الرئيس الروسي ونظيره الصيني هذا الاتساق، حيث انتقد الرئيسان ما وصفاه بأنه تزايد في عداء السلوك الأمريكي وتعهدا بتوثيق العلاقات الدفاعية والعسكرية القوية بالفعل بين موسكو وبكين، كما أكد البيان المشترك على مخاوف البلدين بشأن ما وصفها بأنها جهود من الولايات المتحدة للإخلال بالتوازن النووي الاستراتيجي وبشأن الدفاع الصاروخي الأمريكي العالمي الذي يهدد روسيا والصين فضلًا عن خطط الولايات المتحدة المتعلقة بأسلحة غير نووية عالية الدقة، حيث انتقد البيان التحالفات التي شكلتها الولايات المتحدة، والتي وصفها البيان بأنها “عقلية الحرب الباردة”، واتهمت الصين وروسيا الولايات المتحدة بنشر أنظمة صواريخ أرضية متوسطة المدى في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بحجة التدريبات المشتركة مع الحلفاء، وقالوا إن التصرفات الأمريكية في آسيا “تغير ميزان القوى” و”تعرض أمن جميع دول المنطقة للخطر”.

  • التعاون الاقتصادي … الطاقة على رأس الطاولة

يواصل التبادل التجاري والروابط الاقتصادية بين موسكو وبكين الازدياد والنمو، ولا سيما أن التجارة بين بلديهما ازدادت بنحو 64% منذ إعلان الشراكة الاستراتيجية قبل نحو عامين، حيث وصل التبادل التجاري إلى نحو 240 مليار دولار في عام 2023، ومن هذا المنطلق مثّل التعاون الاقتصادي أحد الجوانب الرئيسة في اجتماع الرئيسين، حيث سلطا الضوء على أن التجارة الثنائية زادت بنسبة 170 في المائة على مدى السنوات العشر الماضية مع إمكانية التوسع، وجاءت الطاقة على رأس هذا التعاون، حيث أكد بوتين في كلمته أمام منتدى صناعي، أن الشراكة “غير القابلة للانفصال” بين البلدين تعمل كضامن لأمن الطاقة، وتعهد الجانبان بشكل عام “بالعمل المشترك على تعزيز تنفيذ مشاريع الطاقة واسعة النطاق”، مع تعزيز التعاون في مجال الطاقة في مجالات النفط والغاز الطبيعي المسال والغاز الطبيعي والفحم والكهرباء، فضلًا عن التأكيد على الرغبة في تعزيز التعاون الصناعي في مجموعة من المجالات بما في ذلك بناء الطيران المدني والإلكترونيات والصناعة الكيميائية وبناء السفن والمعدات الصناعية وهو ما يشير إلى المزيد من التنسيق الاقتصادي في السنوات المقبلة، الأمر الذي يعد بمثابة دافع لاستمرار مواجهة روسيا العقوبات الغربية.

 وجدير بالذكر أن النمو الذي حققته روسيا عام 2023 تجاوز نمو كل من الولايات المتحدة وأوروبا بنسبة 3.6% ما يشير إلى أن موسكو في طريقها إلى عام اقتصادي قوي، ويعود ذلك النمو الذي حققته روسيا في الفترة الأخيرة بالرغم من العقوبات الغربية، إلى تنامي التعاون التجاري مع الصين، حيث رفضت بكين الامتثال للعقوبات الأمريكية والأوروبية، بل وبات العملاق الصيني أكبر مستورد للوقود الأحفوري الروسي، وهو ما يرجح عودة المباحثات لاتخاذ خطوات جدية بشأن مشروع “قوة سيبيريا ٢” الذي توقف منذ عام ٢٠٢٢ عندما تم الاتفاق عليه لتوريد الغاز من روسيا إلو الصين عبر منغوليا والذي سيبلغ معدل تدفقه ٥٠ مليار متر مكعب سنوياً.

القمة الروسية الصينية
  • تعزيز العلاقات العسكرية .. آلية تعاون مستمرة

أشار البيان المشترك إلى خطط لتعزيز العلاقات العسكرية بين الصين ورسيا، وهو الأمر الذي يشير إلى استمرار لأحد أهم أوجه التعاون بين البلدين، حيث شهدت موسكو وبكين علاقات وثيقة بشكل متزايد في المجال العسكري والدفاعي، حيث حولت معظم صادراتها من الطاقة إلى الصين واستوردت مكونات عالية التقنية لصناعاتها العسكرية من الشركات الصينية وسط العقوبات الغربية، وفي تطور مهم يؤكد تعميق العلاقات بين روسيا والصين، أكد وزيرا دفاع البلدين التزامهما برفع التعاون العسكري إلى مستويات غير مسبوقة، ولا يعد التعاون في المجال العسكري بين البلدين بأمراً جديداً، فقد شهدت السنوات الأخيرة، استخدام روسيا والصين بشكل متزايد التدريبات العسكرية المشتركة لتأكيد وجودهما وقدراتهما استجابة للتطورات الجيوسياسيةـ كما تشير إلى استعداد بكين وموسكو لمواجهة التهديدات الأمنية الإقليمية وتقديم المساعدة عند الحاجة، كما عقدتا مناورات حربية مشتركة فوق بحر اليابان وبحر الصين الشرقي، وتنظيم تدريب للقوات البرية في أراضي كل منهما.

ثالثا- روسيا والصين .. شراكة نحو عالم متعدد الأقطاب

تظهر زيارة بوتين للصين التأكيد على الدعم الروسي والصيني المشترك لإنشاء عالم متعدد الأقطاب، وحرص الجانبين على التأكيد على أهمية تحقيق عالم متعدد الأقطاب باعتبارهما قوى عظمى في النظام الدولي، بالإضافة إلى التأكيد على رفض الهيمنة الغربية والأمريكية على النظام الدولي، وهو الأمر الذي دعوا إليه مراراً وتكراراً منذ بدء العملية العسكرية، حيث يمثل كل منهما قيمة استراتيجية للآخر في ظل اشتداد المنافسة الجيوسياسية، حيث تأتي هذه الزيارة بالتزامن مع التهديد الأوروبي بفرض رسوم جمركية على السيارات الكهربائية الصينية، ولذلك تعتبر الصين روسيا شريك ضروري للغاية في العالم متعدد الأقطاب، وهو الأمر الذي تعارضه الولايات المتحدة والدول الغربية، حيث انتقدت عديد الدول وعلى رأسها بريطانيا زيارة بوتين للصين وشراكة البلدين مؤكدةً أنها تمثل تهديد للعالم، كما اتهم وزير الدفاع البريطاني جرانت شابس الصين بالعمل على تزويد روسيا بمعدات قتالية في حربها ضد أوكرانيا.

ويؤكد ذلك تأكيد شي لبوتين إن الاثنين لديهما الفرصة لإحداث تغييرات لم يشهدها العالم منذ قرن من الزمان، مؤكداً أن الصين مستعدة لتحقيق تنمية وتجديد شباب بلداننا بشكل مشترك، والعمل معًا لدعم الإنصاف والعدالة في العالم، فقد أوضح البلدان أنهما يريدان إعادة تشكيل النظام الدولي بما يتماشى مع رؤيتهما للكيفية التي ينبغي أن يكون عليها العالم، كونهما عضوان يتمتعان بحق النقض في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إلى جانب الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة،

حيث شدد البيان على ضرورة “إرساء عالم متعدد الأقطاب مع ضرورة إعادة توزيع الموارد والفرص على الأسواق الناشئة والبلدان النامية، باعتبارهما قوتين مستقلتين في عملية بناء عالم متعدد الأقطاب، فإن الصين وروسيا سوف تستغلان إمكانات علاقاتهما بالكامل، وتعززان تحقيق عالم متعدد الأقطاب وإضفاء الطابع الديمقراطي على العلاقات الدولية بطريقة عادلة ومنظمة، وتوحيد جهودهما من أجل تحقيق ذلك”،  وهو يمكن اعتباره محاولة لتحدي النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، خاصة في ضوء تعزيز الصين وروسيا تعاونهما في عديد من المنظمات والتكتلات أبرزها التنسيق المشترك في تكتل “بريكس” الذي يحاولان من خلاله تشكيل نوع جديد من المنظمات الإقليمية التي لا تعتمد بشكل رئيس على التقارب الجغرافي.

وختاماً، يمكن القول إن زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الصين في هذا التوقيت، هي خطوة تعكس النقلات النوعية نحو تمتين العلاقات بين البلدين، اللذين قطعا خلال السنوات الأخيرة أشواطًا كبيرة في التوجه نحو صياغة علاقات ثنائية استراتيجية لا حدود لها، بما يعكس تزايد حجم التعاون بينهما خلال الفترة الحالية وخاصة في ظل رغبة الجانبين في الاستفادة من دعم بعضهما البعض في إعادة هيكلة النظام الدولي.

كاتب المقال 

الباحثة نوهان أبو الفتوح

نورهان أبو الفتوح

باحثة في العلوم السياسية 

مقالات ذات صلة