فى ندوة تحت عنوان “الشباب والهوية فى ظل مستجدات العصر” أدارها الدكتور محمد مرسى فى ملتقى مع شباب الجامعات نظمها المجلس الأعلى للثقافة برئاسة الدكتور هشام عزمى تحت رعاية الدكتورة نيفين الكيلاني وزيرة الثقافة ألقى خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار محاضرة قدم للشباب معنى الهوية فى شكل مبسّط فى شكل صورة ومعلومة وحكاية جذبت الشباب بشكل كبير وتفاعلوا مع المحاضرة
بدأ الدكتور عبد الرحيم ريحان بتوضيح أن الهوية بضم الهاء تعنى ” هو” أى من أنت على المستوى الشخصى ثم الجمعى فى البيئة المحيطة وصولًا إلى الوطن بشخصيته وموروثاته الحضارية، موضحًا أن نبى الله موسى كليم الله قد خاطبه ربه سائلًا عن العصى التى بيمينه وهو العالم بكل شىء ولكن أراد المولى عز وجل أن يقدم موسى نفسه “هو” أى هويته حتى يستأنس للحديث مع المولى عز وجل ويزيل رهبة اللقاء
ثم عرض شكل قلب وسهم محفور على شجرة موضحًا أن هذا الحفر سجًل ذاكرة مكان وزمان بالنسبة للعاشقين حتى لو انتهت العلاقة فتبقى الذاكرة ولكن حين يأتى رئيس الحى ليقطع هذه الشجرة فقد جرّد العاشقين من ذاكرة ارتبطت بالهوية
ثم عرض شجرة الميلاد وارتباطها بذاكرة زمان بشكل عام وذاكرة مكان وصحبة لكل شخص أو مجموعة، بعدها عرض شجرة العليقة المقدسة بالوادى المقدس داخل دير سانت كاترين حاليًا وأوضح أن نبى الله موسى عاش فى مدين عشر سنوات وهى مدين سيناء بمنطقة نبق ما بين شرم الشيخ ودهب وليس مدين الشام وبعدها دفعه الحنين إلى الوطن الذى ولد فيه وتربى فيه فى بلاط أحد ملوك مصر القديمة وتعلم تعليمًا راقيًا كما يتعلم المصريون إلى العودة لبلده وأهله وأثناء العودة فى موقع شديد البرودة وكان تائهًا لخروجه خارج حدود مدين فذهب إلى النار طلبًا لمن يرشده إلى الطريق أو يمنحه ما يستدفىء به، وقارن ذلك حين تواجده يدرس العمارة والفنون البيزنطية بجامعة أثينا فكان يجلس على أريكة فى حديقة مجاورة لمطار أثينا ينتظر ميعاد الطائرة المغادرة إلى مصر ليحمّلها أمانة السلام كما غنت صباح “سلمولى على مصر”
بعدها انتقل الدكتور ريحان إلى شجرة المطرية وما تمثله من قيمة دينية من مباركة العائلة المقدسة لأرض مصر وعرض لخط سير الرحلة وأهميتها موضحًا أنه لولا هذه الرحلة لقضى على المسيحية فى مهدها كما أشار لانتشار حركة الرهبنة بسيناء بمراحلها الثلاث وانتشارها عبر العالم
ثم انتقل إلى شجر دوم طابا وكيف جسّد هوية وشخصية مصر وسجَل فى الذاكرة كفاح قواتنا المسلحة فانتصرت فى أكتوبر المجيد ومعركة الدبلوماسية والتاريخ والوثائق فانتصرت مصر فى عودة آخر شبر من سيناء، وأشار لحكايته مع شجر الدوم قبل استرداد طابا حين كان يعمل مفتشًا للآثار بطابا وكان يمر على السلك الشائك ليرى أشجار الدوم تظلل من ليس لهم حق ويغتصبون الأرض، وكان حلمه أن يعيش يومًا ليجلس تحت شجر الدوم وطابا مصرية وحين الاحتفال بالعودة دخل إلى شجر الدوم فوجد ثلاث ثمرات دوم أهدتهم الشجرة المباركة يحتفظ بهم حتى الآن منذ عام 1989، ثم عرض سيدة تتمسك وتحتضن شجرة زيتون فى فلسطين أمام تجريف المحتل لذاكرة وهوية شعب بقطع هذه الأشجار
وفى توضيحه لمعنى الهوية بالشكل الذى يصل إلى الشباب بأقصى سرعة عرض الدكتور ريحان مظاهر الاحتفال بموكب الحجيج قديمًا ووداع واستقبال الحجاج حديثًا ورسومات الجمل والمركب والطائرة على الجدران والمباركة للحاج، وكذلك الاحتفاليات الخاصة بدخول العائلة المقدسة إلى مصر التى سجلت تراث لامادى باليونسكو العام الماضى واحتفالات حد الزعف تجسيدًا لدخول السيد المسيح أورشليم وكيف كان فى طفولته يحمل الزعف ويجدله ويشارك باقى الأطفال فى الاحتفالية دون أن يمنعه أحد من أنه عيد خاص للمسيحيين، بل وكان يأكل كعك العيد عدة مرات فى السنة فى عيد الفطر وأعياد شركاء الوطن حيث كان يتم تبادل الإهداءات وعرض مناظر الكعك على جدران آثار مصر القديمة رمزًا للتواصل الحضارى
وأوضح الدكتور ريحان فى محاضرته هوية وشخصية مصر فى المناسبات المختلفة مثل عيد شم النسيم وارتباطه برموز عايشها المصرى القديم وأطعمة مستمرة حتى الآن فالسمك حفظه المصرى القديم وتبارك به لاعتقاده بأن النيل ينبع من الجنة، والبيض كان المصرى القديم ينقش عليه الدعوات ويضعها على فروع الشجر، والخس ارتبط بالخصوبة والمعبود مين، والبصل قاتل الفيروسات كان قاتلًا للأرواح الشريرة فى أساطير المصرى القديم
وأشار إلى احتفالية خاصة فى بورسعيد والإسماعلية فى شم النسيم بحرق دمية اللورد اللنبى التى أوفدته بريطانيا عقب ثورة 1919 مندوبًا ساميًا وأذاق المصريين الأمّرين وكيف يغنوا له أغنية مشهورة “ياللنبي يابن حلمبوحة، مين قالك تتجوز توحة، ياللمبي يابن الخواجاية، مين قال لك تعملى حكاية، أمك مليانة ملوحة، راسك عالحيط مدبوحة، إخية عليه، اللمبي بيه” ثم يحرقوا الدمية ويتناولون الفسيخ والبيض ويخرجون للحدائق
وتابع الدكتور ريحان بعرض سؤالًا على جمهور الطلبة لماذا تحب أمك؟ وأوضح بأنها ليس لأنها أعظم وأجمل إنسانة فى العالم ولكن لأنها كذلك فى نظرك وعرض مقابلًا له علم مصر الأم الكبرى التى تحتضن الجميع شربنا من نيلها وشخبطنا حيطانها ذكريات الطفولة ونأكل من خيرها وتحمل همومنا وآلامنا وتسعد لفرحنا وتحفظ أجسادنا فى أرضها الطاهرة بعد الوفاة
وعرض لشعار حملة الدفاع عن الحضارة المصرية الذى يجمع علامة الحياة وحين حورس والصليب مع الهلال ليجسد وحدة وتجانس التاريخ المصر باعتباره عنوان الهوية منذ عصور ما قبل التاريخ مرورًا بعصر مصر القديمة والبطالمة والرومان والمسيحية والإسلام والعصر الحديث والمعاصر، وأوضح تأثيرات كل عصر ومفردات الهوية المستمرة عبر العصور، موضحًا أن حصان المولد مستوحى من تمثال “حورس” راكبًا الحصان ممسكًا بالسيف ليقتل رمز الشر “ست” والذي صور على هيئة تمساح وهو القديس مارجرس يقتل التنين، وعروسة المولد هى إيزيس بأجنحتها وجمالها
وأشار إلى القاهرة التاريخية حين سجلتها اليونسكو تراث عالمى عام 1979 قالت عليها أنها “أقدم مدن التراث الحى” بمبانيها وفنونها وعادات وتقاليد أهلها والحرف التراثية المتواصلة والمستمرة من الخيامية والنحاسين والمغربلين وارتباطها بعادات رمضان وزيارة سيدنا الحسين وخان الخليلى والأكلات والمشروبات المرتبطة برمضان
واستمر الدكتور ريحان موضحًا لماذا سميت مصر أم الدنيا؟ وأجاب حين قال سيدنا نوح لأحد أبنائه أنه يعيش في مصر ووصف مصر بأنها أم البلاد
وقيل مصطلح أم البلاد أو أم الدنيا يعود للسيدة هاجر لما تزوجت سيدنا إبراهيم عليه السلام وغادرت إلى الجزيرة العربية وهي والدة سيدنا إسماعيل جد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فسميت مصر أم البلاد تقديرا لها، ومباركة 8 أنبياء لأرضها هم أنبياء الله إدريس وإبراهيم ولوط ويعقوب ويوسف وموسى وهارون وعيسى، بها مسار نبى الله موسى ومسار العائلة المقدسة ومسار آل البيت بشارع الأشراف وبه مقام الإمام زين العابدين، والسيدة نفيسة، والسيدة سكينة بنت الحسين، والسيدة زينب، والسيدة رقية بنت علي (سلام الله عليهم أجمعين)، ويبدأ الطريق من منطقة فم الخليج حيث مشهد زين العابدين وينتهي الطريق بمشهد السيدة زينب بالقاهرة
وأشار الدكتور ريحان إلى ذكر اسم مصر 37 مرة فى القرآن الكريم، 4 مرات صراحة باسمها مصر، و33 مرة ضمنًا، وبارك أرضها حيث بورك من فى النار كليم الله موسى ومن حولها كل الأرض الذى عاش وتربى بها وبوركت فى الكتاب المقدس فى سفر أشعياء الإصحاح 19 والذى جاء فيه”مبارك شعبى مصر”
واختتم بدعوة السيدة زينب لأهل مصر حين استقبلوها أفضل استقبال تكريمًا لجدها أشرف الخلق محمد عليه الصلاة والسلام والذى تشعرنا بالطمأنينة دائمًا بأن فرج الله القريب “نصرتمونا نصركم الله، وآويتمونا آواكم الله، وأعنتمونا أعانكم الله، وجعل لكم من كل مصيبة مخرجًا ومن كل ضيق فرجًا”