أصرت إسرائيل، طوال الفترة الماضية، على ضرورة اقتحام رفح الفلسطينية، بدعوى وجود عناصر حماس، وقياداتها، متمثلة في يحيى السنوار، وكل الرهائن الإسرائيليين بها. وظل نتنياهو يؤكد، يومياً، أن خطة اقتحام رفح قد حصلت على الموافقة اللازمة، وأنه في انتظار تحديد توقيت التنفيذ. وفجأة تصدرت المبادرة المصرية المشهد، بوصولها إلى هدنة مع حماس، لتعلن إسرائيل، لأول مرة، انتظارها لتنفيذ الهدنة، بل وقبلت ببعض التنازلات، من أجل تحرير رهائنها لدى حماس.
وهو ما دفع الجميع للتساؤل عن أسباب التحول الإسرائيلي، والواقع أنه يرجع لعدة أسباب، أولها الضغط من عائلات الرهائن الإسرائيليين، من خلال تظاهراتهم، اليومية، في تل أبيب، أمام الكنيست، وأمام منزل نتنياهو. أما السبب الثاني فيعود لتعهد الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أمام كافة وسائل الإعلام، بمسؤولية بلاده عن إخلاء سبيل الرهائن من يد المقاومة الفلسطينية.
أما ثالث الأسباب فيرجع ليقين نتنياهو بأن اقتحام رفح خسارة لمستقبله وماضيه السياسي، إذ أن تلك المعركة لا تعني القضاء على حماس، فحسب، وإنما القضاء على رهائنه معهم، والقضاء على فرصة الإفراج عنهم أحياء، إذا ما استجاب لدعوات وقف إطلاق النار. ويعود السبب الرابع للضغط الدولي، والرفض الشعبي لاجتياح إسرائيل، كما نتابعه من الأحداث في الجامعات الأمريكية، والأسترالية والكندية، وحجم الانتقادات التي وجهت للحكومة الإسرائيلية من أعضاء الكونجرس الأمريكي، الديمقراطيون والجمهوريون على حد سواء، وعلى رأسهم نانسي بيلوسي رئيسة الكونجرس السابقة.
يضاف لكل ذلك حالة الترقب، والقلق، التي سادت الأوساط السياسية والعسكرية الإسرائيلية، مع توقعات إصدار محكمة العدل الدولية في لاهاي، في خلال الأيام المقبلة، مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، ووزير دفاعه يواف جلانت، ورئيس الأركان هيرتس هاليفي، بتهمة التورط في جرائم إبادة جماعية، وذلك على خلفية الحرب الإسرائيلية في غزة، رغم الضغوط التي يمارسها نتنياهو على الإدارة الأمريكية لمنع صدور تلك المذكرة، بشأن الاعتقالات الدولية، باعتبار ما لواشنطن من صلاحيات تخولها إيقاف هذا الإصدار.
ويُحسب للإدارة والدبلوماسية المصرية، قدرتهما على قراءة تفاصيل المشهد، والمبادرة للاستفادة منه، لصالح الشعب الفلسطيني، بالضغط على إسرائيل لتغيير اتجاهاتها، والنظر في قبول هدنة، وتقديم بعض التنازلات التي من شأنها إخلاء سبيل الرهائن الإسرائيلية، وتأجيل اقتحام رفح، حتى لا تزيد الأمور تعقيداً في الفترة القادمة.