كتب الدكتور عبد الرحيم ريحان
قرر متحف Chau Chak Wing الملحق بجامعة سيدني في أستراليا فجأة منع عرض المومياوات للجمهور بحجة تعارضها مع الأخلاق، فى نفس الوقت الذى يسمح لنفسه بعرض خمسة ألاف قطعة آثار مصرية منذ افتتاح المتحف 2020 بما يتنافى مع الأخلاق بأنها قطع مصرية ويتكسب منها دون أى حقوق لبلد المنشأ صاحبة هذه الحضارة ومعظم القطع جاءت إلى المتحف وكل المتاحف العالمية بطرق غير شرعية اهم الاستعمار بالنصيب الأكبر فى خروجها، ويرى أنه من الأخلاق أيضًا أن يقرر المتحف عودة هذه المومياوات إلى بلدها وهم أصحاب الحق فى عرضها وفقًا للشرع والقانون، وقد استغل البعض هذا التصرف ليعيد فكرة قديمة مستهلكة تم الرد عليها وصدرت فتوى شرعية بجواز عرضها
وفى ضوء هذا تؤكد حملة الدفاع عن الحضارة المصرية برئاسة خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان أن هذا الموضوع حسمته دار الإفتاء موضحة أنه لا مانع شرعًا من قيام الهيئات المختصة بدراسة الآثار عن طريق إخراج المومياوات القديمة، وعرضها في المتاحف، مع الاحتياط التام في التعامل معها بما لا يخلّ بحقوق الموتى في التكريم
ونؤكد أن الإسلام دعا إلى الرجوع إلى الآثار والنظر إليها للاعتبار والعظة باعتبارها الدليل المادي الملموس على وجود قوم آخرين للتعرف على حياتهم وحضارتهم ودراسة أسباب ازدهارها أو هلاكها، وبضياع هذه الآثار بأي شكل من الأشكال هو ضياع وفقدان لحضارة معينة
وأن الآية الكريمة رقم 45 في سورة الحج «فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ» تؤكد على أهمية آثار الحضارات السابقة على الإسلام وأنه من معالم هذه الحضارة في الآية السابقة البئر المعطلة، وهي البئر المهملة المرتبطة بقوم كانوا يستعملونها وبفقدانهم فقدت البئر أهميتها ونضب ماؤها وتعطلت، أمّا القصر المشيد فهو كل بناء مشيد من أي مادة سواء من الحجر أو الطوب وتعنى كل الآثار السابقة.
وتقع رفات السلالات البشرية ضمن الآثار طبقُا لمفهوم الآثار كما جاء في التعريف الوارد في قانون حماية الآثار المصرى رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته «الأثر كل عقار أو منقول أنتجته الحضارات المختلفة أو أحدثته الفنون والعلوم والآداب والأديان منذ عصور ما قبل التاريخ وخلال العصور التاريخية المتعاقبة حتى ما قبل مائة عام متى وجد على أرض مصر وكانت له قيمة أو أهمية أثرية أو تاريخية باعتباره مظهراً من مظاهر الحضارات المختلفة التي أنتجت أو قامت على أرض مصر أو كانت لها صلة تاريخية بها وكذلك رفات السلالات البشرية والكائنات المعاصرة لها»
الآية رقم 92 في سورة يونس «فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ»، والتى أبهرت علماء الآثار في الغرب، تشير إلى أن جثمان فرعون موسى بعد غرقه طفت على سطح البحر ليراها الجميع ليكون عبرة لمن خلفه إلى يوم القيامة والمقصود بمن خلفه في وقت الحدث هم بنو إسرائيل ليؤمنوا بالمعجزة ومن خلفه من ملوك مصر القديمة ليتعظوا مما حدث له ومن خلفه من الناس أجمعين المقصودة في الآية الكريمة «وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ».
ونتساءل معًا «كيف يكون عظة للناس من بعده إذ لم يشاهده الناس؟ وقد أخذ المصريون القدماء جثته وقاموا بتحنيطها طبقًا للمعتقد المصرى البعث والخلود وعثر عليها في الاكتشافات الأثرية وخلص من ذلك أن هذا الشخص يجب أن يراه الناس وينعكس ذلك على باقى المومياوات فلا مانع من عرضها خاصة أنه لا يوجد دليل أثرى واحد حتى الآن عن شخصية فرعون الخروج.
كما أن تحنيط الجثامين يغير من صفاتها، وحتى لغويًا يتغير اسمها إلى مومياء ولو تعرضت لعوامل التعرية ستتحلل فورًا لذلك تخضع لنظم خاصة وضعت على أسس علمية وبهذا فهو تكريم وليس إهانة لصاحبها كما أن هذه المومياوات تخضع للدراسة بالفعل من أساتذة متخصصين لمعرفة السلوك البشرى والأمراض التي تعرضوا لها ووسائل العلاج والكثير من المعلومات عن هذه الحضارة وبالتالى فإن استخراج المومياوات وعرضها يخضع للإشراف والدراسات العلمية وليس الهدف هو حصد الدولارات حتى أن هذا النوع من السياحة يطلق عليه السياحة الثقافية للتعرف على حضارات الشعوب وليس من قبيل الترفيه والداخل إلى حجرة المومياوات يصمت تمامًا احترامًا لهذا المكان ومن الطبيعى أن يدفع الزائر مقابل لهذه الخدمة.
ويقطع الزوار آلاف الكيلو مترات للتعرف على حضارتنا العظيمة وليس للفرجة على بهلوانات، والدين الإسلامى دعى إلى السير في الكون للتعرف على حضارات السابقين وهو ما يجب أن يحرص عليه العرب والمسلمون أيضًا طبقًا للآية 21 سورة غافر «أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ».