استكمالاً لمقالي، الأسبوع الماضي، في نفس هذا المكان، عن تصدر الجيش المصري للمركز الأول عربياً وأفريقياً، في تصنيف جيوش العالم، وفق مؤشر جلوبال فاير باور، أتناول، اليوم، العناصر الأساسية، التي يتم الاعتماد عليها في تقييم الجيوش، وتحديد مراكزهم على مستوى العالم كله.
وبنظرة تفصيلية على تلك العناصر، نجد في مقدمتها أعداد وأنواع الأسلحة والمعدات الحربية، المتاحة بكل دولة، مثل الدبابات والمدفعية والصواريخ والعربات المدرعة والمدمرات والغواصات والطائرات بأنواعها والرادارات، وغيرها، والكفاءة القتالية لكل منها، وعملية تحديثها وفقاً لأعلى المعايير العالمية.
ومن العوامل الهامة، أيضاً، في عملية التقييم، هو القوة البشرية للجيش، بمعنى الأعداد العاملة والمقاتلة، فضلاً عن قوات الاحتياط، التي يدخل نظام تعبئتها في الحسابات. يلي ذلك مؤشر حجم الإنفاق العسكري، ونسبته من موازنة الدولة، ومؤشر آخر وهو حساب القوات شبه العسكرية في الدولة، مثل قوات الحرس الوطني في الولايات المتحدة الأمريكية، وقوات الأمن المركزي في مصر، ومهمتها في تأمين الأهداف الحيوية في الدولة، خاصة في أوقات الحرب، لتتفرغ القوات العسكرية لمهام القتال.
وإذا ما تعمقنا قليلاً في عامل القوى البشرية، للجيش المصري، فسأذكر ما ورد في التقرير السنوي للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، International Institute of Strategic Studies (IISS)، الصادر في يناير 73، حين خلُص لأنه في حال قيام الجيوش العربية بأية عمليات عسكرية ضد إسرائيل، لتحرير الأرض التي فقدتها عام 67، فسيكون الفشل حليفها، في ضوء التفوق الكمي والنوعي للأسلحة والمعدات الإسرائيلية في ذلك العام.
وبدأت الحرب في أكتوبر من نفس العام، ليتفاجأ العالم بنجاح الجيش المصري في العبور، واقتحام قناة السويس، وتدمير خط بارليف. واضطر المعهد البريطاني لتعطيل تقريره، المقرر صدوره في يناير من عام 1974، لحين مراجعة عوامل تقييم الجيوش، في ضوء انتصار الجيش المصري. إذ رأى المعهد ضرورة وضع عوامل جديدة في الحسبان، فيما يخص مؤشر القوة البشرية، وتحديداً الروح المعنوية، التي دفعت المقاتل لاسترداد أرضه، خاصة وأنه مجند وطني، غير مجنس، وقتاله ضمن صفوف الجيش ليس وظيفة.
يلي ذلك المؤشر الخاص بالقواعد العسكرية للدولة، وتوزيعها لتأمين مختلف الاتجاهات الاستراتيجية، وهو ما تفوقت فيه مصر، خلال الأعوام السابقة، من خلال إنشاء أحدث ثلاث قواعد عسكرية في مصر؛ أولها قاعدة برنيس، على البحر الأحمر، لتأمين المدخل الجنوبي للمجرى الملاحي لقناة السويس، وقاعدة 3 يوليو، في الاتجاه الاستراتيجي الشمالي، لتأمين حقول الغاز الطبيعي والبترول في البحر المتوسط، ثم قاعدة محمد نجيب، أكبر قاعدة عسكرية في المنطقة، لتأمين الاتجاه الاستراتيجي الغربي، في اتجاه ليبيا.
ومن عوامل التقييم، التي أضيفت خلال السنوات الخمس الماضية، هو قدرة الدولة، بجيشها، على محاربة الإرهاب، أحد أكبر التحديات التي تواجه العالم بأسره، وتُكلف الجيوش الحديثة بالتصدي لها، فتضطر لمقاتلة عدو لا تراه، ولا تستطيع، في كثير من الأحيان، من استخدام القوة النيرانية أو الدبابات والعربات المدرعة، مما يدفع الجيوش، في قتالها للميليشيات الإرهابية، للاعتماد على القوات الخاصة، أو “قوات النخبة” كما يُطلق عليها.
يضاف لكل ما سبق عوامل أخرى، تتساوى في الأهمية، منها، على سبيل المثال، قدرة الدولة على التصنيع الحربي، ولعل الحرب الروسية الأوكرانية، التي أنهت عامها الثاني، وبدأت عامها الثالث وسط توسيع لطبيعة العمليات القتالية، أقرب الأمثلة على تفاوت قدرات الدول، وبالتالي تصنيف قوتها. فمنذ بداية الحرب، تعتمد أوكرانيا، المصنفة في المركز الثامن عشر، على إمدادات السلاح من الترسانة الأمريكية وترسانات دول حلف الناتو، بينما تعتمد روسيا، المحتفظة بالمركز الثاني على مدار سنوات طويلة، على مصانعها الحربية، أحد أهم دعائم وركائز قوتها، فلولا حجم الصناعات الحربية الروسية، لما استطاعت روسيا الاستمرار في الحرب للعام الثالث على التوالي، وتغيير طبيعتها من عمليات قتالية إلى حرب.
وعلى مستوى القوات المسلحة المصرية، فقد بذل الرئيس السيسي جهداً كبيراً، منذ أن كان وزيراً للدفاع، حيث وكل مهمة تطوير جميع المصانع الحربية، للواء العصار، الذي لم يدخر جهداً في إنجاز المهمة بالتعاون مع روسيا البيضاء، لنبدأ عصر إنتاج الأسلحة المشتركة بالتعاون مع دول أخرى، مثل الفرقاطات الألمانية، التي يتم تصنيعها، حالياً، في الترسانة البحرية المصرية، والمدفع الكوري في أحد المصانع الحربية. وتقديراً لما بذله اللواء العصار من جهد، في تطوير الصناعات الحربية، فقد أصدر الرئيس السيسي أوامره بترقيته إلى رتبة الفريق بعد وفاته.
أما التدريبات المشتركة للجيوش النظامية فتعد أحد أساسيات عوامل التقييم، وهو ما تتفوق فيه القوات المسلحة المصرية، من حيث عدد التدريبات المشتركة التي تنفذها مع الكثير من دول العالم، وأهمهم تدريبات النجم الساطع مع الولايات المتحدة الأمريكية. والحقيقة أن العديد من دول العالم تبادر بطلب التدريب مع مصر، لعدة أسباب، أولها خبرتها القتالية المُكتسبة من حرب 73، فضلاً عن جمع الجيش المصري بين عقيدتي القتال الشرقية والغربية، وخبرة القتال على الأرض لمدة 6 سنوات، حتى القضاء على الإرهاب. لكل تلك الأسباب تتطلع الدول الأجنبية لإجراء التدريب المشترك مع الجيش المصري.
ومرة أخرى، خرج تقرير مؤسسة جلوبال فاير باور، مؤكداً عقيدة الجيش المصري، بضرورة استمرار التفوق، لضمان تأمين حدود البلاد، وأمنها القومي، ومقدرات شعبها العظيم.