أثار عالم المصريات الشهير الدكتور منصور بريك رئيس الإدارة المركزية لآثار القاهرة والجيزة الأسبق ومدير عام آثار مصر العليا الأسبق قضية ترميم خاطىء بطريق المواكب الكبرى بالأقصر والمعروف بطريق الكباش ويعد هذا الترميم تزويرًا لتاريخ مصر القديمة فى مدينة طيبة المسجلة تراثًا عالميًا باليونسكو للمعيار الأول والثالث والسادس،
حيث تمثل طيبة نموذجًا للروائع فى تكوينها الفريد كمدينة للحكم بمبانيها على البر الشرقى والغربى، وتقف شاهدًا فريدًا على معتقدات خاصة بالحياة والموت فى عهد المصريين القدماء وفى فترة وجود طيبة كعاصمة، واستثنائيًا على حضارة المصريين القدماء ككل، كما اقترن اسمها بعديد من الأحداث والمعتقدات المرتبطة بتاريخ المصريين القدماء .
وتعتبر طيبة عاصمة مصر فى الدولة الحديثة من 1570 إلى 1070 قبل الميلاد ومن أهم آثارها معبد الكرنك الذى بناه أوزوريس 1900 قبل الميلاد دولة وسطى، ومعبد الأقصر بناه أمنحتب الثالث 1386- 1348 قبل الميلاد وربط الكرنك بطريق الكباش، ووادى الملوك بالبر الغربى.
وأوضح عالم المصريات الشهير الدكتور منصور بريك أنه منذ اسبوعين فقط كان يطالع صور مشروع طريق الكباش علي شبكة الانترنت وصعق حين مشاهدته تماثيل الكباش بالقطاع أمام معبد خونسو بالصف الغربي حيث تم تركيب رؤوس الكباش التى كانت مكتشفة بالقطاع العاشر والتى انشأه الملك توت عنخ آمون على رؤوس تماثيل جده امنحوتب الثالث بطريقة غير مهنية وغير علمية خاصة وأن تلك الرؤوس حجمها أصغر من تماثيل الكباش فى هذا القطاع وكانت تشكل جزءًا من تمثال على هيئة أسد وليست كبش
ونوه عالم المصريات الدكتور منصور بريك إلى أن هذا القطاع هو الوحيد الذي شيده الملك امنحوتب الثالث (1400-1353 قبل الميلاد) والتماثيل هنا تعكس تطور الفن فى عصر هذا الملك حيث شكلت على هيئة كبش رابض ضخم ويقف أمام صدر كل كبش تمثال صغير للملك امنحوتب الثالث
ويرى أن تماثيل هذا القطاع ربما كانت تزين الطريق لمعبده الجنائزي فى البر الغربي ثم قام الكاهن بانجم الأول الذي أكمل معبد خونسو بنقلها لتزين واجهة المعبد، وعندما تولى اخناتون الحكم بعد والده ونزاعه الديني الكبير مع كهنة آمون رع قام بنشر رؤوس تماثيل هذا القطاع وتحطيمها تمامًا لأنها تمثل رمزًا لآمون رع مع عدم تحطيمه لتماثيل والده التى تقف أمام صدر التماثيل
وتولى الحكم من بعده ابنه توت عنخ آمون والذي أعاد مكانة آمون رع لوضعها السابق بل وشرع فى إنشاء أهم قطاع فى طريق الكباش وهو الذي يربط ما بين الصرح العاشر من معبد الكرنك إلى معبد موت ونحت التماثيل على شكل جسم أسد كرمز لإله الشمس رع ورأس كبش كرمز للإله آمون على قواعد فخمة تشبه المقاصير مزينة من أعلى بالكورنيش المصري
وجاء من بعده الملك حور محب ليكتب اسمه على قواعد تلك التماثيل وكذلك رمسيس الثاني ثم بانجم الأول، وهذا القطاع مصور على جدران المقبرة رقم 2 فى دير المدينة وتلك المقبرة ترجع إلى عصر الأسرة التاسعة عشر
اكتشافات القطاع
وأردف الدكتور منصور بريك أن الدكتور محمد الصغير هو الذى كشف عن هذا القطاع وعثر به على أغلب تماثيل وقواعد ذلك القطاع محطمة إلا التمثال رقم 21 فى الصف الغربي حيث عثر عليه كاملًا ملقي فى أحد آبار المياه الواقعة إلى الشمال من قاعدته واستطاع الدكتور محمد الصغير ترميم العديد من التماثيل والقواعد فى هذا القطاع وقد عثر على بعض من رؤوس تماثيل الكباش فترك اثنين منهما بجوار الصف الشرقي من تماثيل هذا القطاع ورأس فى مدخل معبد موت، ونقل الباقي إلى مخازن الكرنك
مشروع حفر وتنقيب وترميم طريق الكباش
وأكد عالم المصريات الدكتور منصور بريك أن مشروع حفر وتنقيب وترميم طريق الكباش يعد واحدًا من أهم وأكبر وأعظم المشاريع فى تاريخ اآثار المصرية القديمة، وهناك علماء أجلاء سابقين لهم الفضل فى هذا المشروع، وهم الدكتور زكريا غنيم عام 1949 ومن بعده استكمل العمل الدكتور محمد عبدالقادر عام 1958-1961 ثم الدكتور محمود عبدالرازق 1964 م والدكتور محمد الصغير 1984-2002 م وكان من أهم ما كشف عنه الدكتور محمد الصغير هو القطاع الذي يربط ما بين الصرح العاشر ومعبد موت
كما قام بالتنقيب فى القطاع أمام معبد خونسو والذي كان ظاهرًا وواضحًا من قبل فى الثمانينات الأستاذ مجدي الملا والأستاذ عبدالحميد معروف، ثم قام الدكتور منصور بريك بمساعدة الدكتور سمير فرج محافظ الأقصر السابق بإزالة جميع التعديات التى كانت على مسار طريق الكباش من بيوت ومن أخطرها عزبة الصفيح والتى كانت تقع خلف كنيسة العدرا ونجع البهاجة ونجع أبوعصبة وكذلك زراعات ودور عبادة ومباني حكومية عديدة، وعمل معه فريق من الآثاريين وإخصائى الترميم والمهندسين والفنانين ومديري معبد الأقصر والكرنك الأستاذة إبراهيم سليمان وسلطان عيد، وكان لهذا الفريق الفضل الكبير فى إتمام الكشف عن الطريق وترميمه وتجهيزه للافتتاح الرسمي فى الفترة من 2005 وحتى 2011 ولمدة سبعة سنوات متواصلة دون توقف على مدار العام
وتابع الدكتور منصور بريك بأنه استطاع بهذا الفريق الكشف عن كامل الطريق ولم يتبق سوي الصف الشرقي من طريق الكباش فى القطاع أمام معبد خونسو حيث كان يتطلب الكشف عنه إزالة بيوت نجع أبوعصبة، وبالفعل تم الإتفاق مع الدكتور سمير فرج على بدء الإزالة على أن يتحمل المجلس الأعلى للآثار ميزانية تعويض الأهالى بل وقد تم تحديد الافتتاح الرسمي للطريق فى نهاية فبراير 2011 ونظرًا لأحداث يناير 2011 توقف العمل فى المشروع، حتى تم إعادة استئناف العمل فى2017 بعد إزالة نجع أبوعصبة واستكمال الكشف عن الصف الشرقي من القطاع الواقع أمام معبد خونسو
ولم يفكر هذا الفريق الذى اعتمد على المنهجية العلمية فى عمله برئاسة الدكتور منصور بريك فى هذا التصرف أبدًا من وضع رؤوس تماثيل لأبدان لا تخصها لأنه يمثل تزويرًا للتاريخ
نشر الاكتشافات
نشرت أعمال التنقيب هذه فى عدة مقالات علمية بلغات مختلفة وكذلك تم نشر كتابين يوثقان تلك الأعمال فى وزارة الآثار تحت عنوان “طريق الآلهة بين معابد الكرنك والأقصر”، والكتاب الآخر تم نشره بالاشتراك مع جامعة بولى تكنكو الإيطالية فى عام ٢٠١٧ تحت عنوان
Sustainble Conservation and Urban Regeneration -Luxor Example
فى هذا الكتاب تم توثيق جميع أعمال التنقيب والترميم للتماثيل التى استطاع فريق عالم المصريات الدكتور منصور بريك إنجازها والى بلغت 264 تمثالًا كما تم رسم الطريق وحالة كل تمثال بخرائطGIS حيت استطاع فريق الترميم وبإشراف فنى من الدكتور محمود مبروك ترميم التماثيل التى كان يتم الكشف عنها وكذلك تجميع التماثيل المكسورة والمحطمة إلى أجزاء واستخدام مونة مكونة من الرمل والجير حتى يسهل فكها فى حالة الكشف عن جزء آخر من التمثال
كما يتضمن الكتابين إدارة الموقع وعمل مسارات لليارة كل 600م على طول الطريق من عمل مطلب ومنزل للحفاظ على شكل الطريق وإضاءته
تدمير طريق الكباش
وأردف الدكتور منصور بريك أن تدمير طريق الكباش حدث على مراحل متعددة منذ تاريخ مصر القديمة مرورًا باليونانى الرومانى حتى العصور الوسطى حين تحول الطريق إلى أراضى زراعية وشقت فيه بعض الترع أهمها فى عصر إخناتون وهو جزء مهم جدًا من تاريخ الطريق وتاريخ طيبة القديم، ولو أراد توت عنخ آمون ترميم تلك الكباش فى عصره كان قد قام بذلك وستظهر آثار الترميم فى التماثيل حيث كان سينحت رؤوس الكباش مرة أخري وتثبيتها على رقبة تماثيل جده بعمل جزء بارز أسفل الرأس وحفر جزء مقابل غائر فى الرقبة لتثبيت الرأس بطريقة التعشيق وهي طريقة مصرية قديمة لترميم التماثيل ولكنه تركها هكذا وأنشأ القطاع الممتد من الصرح العاشر حتى معبد الإلهة موت
مطالب عاجلة وملحة
ومن هذا المنطلق يطالب الدكتور منصور بريك بإعادة فك تلك الرؤوس من فوق تماثيل كباش امنحوتب الثالث وعرضها فى متحف الأقصر أو بجوار القطاع الذي تنتمي اليه حفاظًا على تاريخ طيبة القديم
وكذلك إنشاء متحف مفتوح فى أول طريق الكباش عند معبد الأقصر يعرض به الكتل المنقوشة التى عثر عليها معاد استخدامها مرة أخرى فى الطريق وكذلك الرؤوس التى لم يعثر لها على أبدان
وحملة الدفاع عن الحضارة المصرية برئاسة الدكتور عبد الرحيم ريحان تضع هذه المطالب أمام الدكتور محمد إسماعيل الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار وتناشده تصحيح الأخطاء حماية لتاريخ مصر القديمة من التزوير وإنشاء المتحف المقترح الذى يساهم فى إلقاء الضوء على جزء هام من تاريخ طريق الكباش