طرحت حملة الدفاع عن الحضارة المصرية برئاسة الدكتور عبد الرحيم ريحان سؤالًا هامًا على المتخصصين، ما سر عدم وجود ذكر لأنبياء الله إدريس ويوسف وموسى في النصوص المصرية القديمة؟
نبى الله إدريس
نبى الله إدريس اسمه فى التوراة العبرية خنوخ وفى الترجمة العربية أخنوخ، وقد جاء فى سورة مريم آية 56 “وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا”، وكان أول من أعطى النبوة بعد آدم وشيث عليهما السلام وأول من خط بالقلم وقد أدرك من حياة آدم 308 أعوام.
قال معظم المفسرين بميلاده فى مصر وأسموه هرمس الهرامسة ومولده بمدينة منف (ميت رهينة حاليًا) وأقام بمصر يدعو للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وتكلم الناس أيامه 72 لغة وعلمّه الله منطقهم ليخاطبهم جميعًا ورسم تمدين المدن
وهو أول من علم النجوم واجتماع الكواكب وعدد السنين والحساب، ومن المعروف أن قدماء المصريين برعوا فى علم الفلك وسبقوا كل الحضارات القديمة.
نبى الله يوسف
حدث جدب فى أرض فلسطين مما أدى لانتقال نبى الله إبراهيم وزوجته سارة وابن أخيه نبى الله لوط إلى أرض مصر، وقد أهدى ملك مصر السيدة هاجر إلى السيدة سارة زوجة إبراهيم والذى تزوجها نبى الله إبراهيم وقد أنجبت له سيدنا إسماعيل عليه السلام.
واستقبلت مصر بني إسرائيل آمنين وينسبون إلى جدهم نبى الله يعقوب الذى ذكر فى القرآن الكريم باسم إسرائيل “وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ” سورة مريم آية 58، وكلمة إسرائيل كلمة عبرانية مركبة من “إسرا” بمعنى عبد أو صفوة، ومن “إيل”، وهو الله فيكون معنى الكلمة عبد الله أو صفوة الله.
وتزوج نبى الله يعقوب وأنجب اثنى عشر ولدًا هم بنو إسرائيل أبناء نبى الله يعقوب بن اسحاق بن إبراهيم الخليل وهم الأسباط الإثنا عشر، أصغرهم يوسف وأخوه بنيامين، فأمّا يوسف فقد باعه إخوته إلى قافلة من الإسماعيليين والتجار وهم فى طريقهم إلى مصر، ثم باعه هؤلاء إلى رئيس شرطة فرعون عام 1699 ق. م.
ولم يتجاوز يوسف السابعة عشرة من عمره، ونزل الباقون مع أبيهم وعائلاتهم ومقتنياتهم إلى مصر سنة 1678ق.م. حيث كان يوسف أمينًا لمخازن ملك مصر (ايبيبى – أبو فيس الأول) رابع ملوك الهكسوس.
وأقاموا فى مصر وخيّرهم ملك مصر فى تحديد الأرض الذى ينزلون بها، فقالوا نحن رعاة ماشية فطلب نبى الله يوسف تسكينهم فى أرض جاسان أو جاشان شمال بلبيس الحالية والبعض يقول نواحى الصالحية وكان طلب نبى الله يوسف لذلك لأنها أرض مرعى لرعى الماشية.
وعاشوا في مصر آمنين لا ينتقص شيء من حقوقهم لدرجة أن أحدهم وهو قارون وكان من قوم موسى كان يعيش بدلتا النيل فى أغلب الظن فى فاقوس بمحافظة الشرقية وحقق الثروة الطائلة التي تحدّث عنها القرآن الكريم.
نبى الله موسى
نسب نبى الله موسى، وهو موسى بن عمرام بن قاهات بن لاوى بن يعقوب بن إسحاق بن إيراهيم الخليل، ويشير القرآن الكريم إلى تربية ونشأة نبى الله موسى في بلاط أحد ملوك مصر القديمة في الآية الكريمة رقم 18 من سورة الشعراء “قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ”
وتربى نبى الله موسى فى بيت أحد ملوك مصر القديمة وتولى البلاط الملكى تربيته كما كانوا يربون أبناء الملوك فى ذلك العهد بواسطة الكهنة ورجال الدين وتعلم موسى تعليمًا راقيًا هذا مع ما أفاضه الله عليه فى كبره من الحكمة والعلم الثابت اتضح فى قوله تعالى “وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ” سورة القصص آية 14.
واختلف العلماء فى تفسير اسم موسى واتفق العديد منهم على أن أصل اسم موسى فى الهيروغليفية هو “مسى” وهو مشابه لأسماء مصرية كثيرة أوردها هرمان رانكه مثل أمون مس – تحوتمس – أحمس – بتاح مس – رع مس – رمسيس، وهناك كلمة فى الهيروغليفية وهى “مس” وتعنى طفل أو ابن وربما يكون اسم نبى الله موسى قد اشتق منها.
اسم مصر والأنبياء
ذكرت مصر صراحة فى عدة سور، فى سورة يوسف آية 21 “وَقَالَ الذي اشتراه مِن مِّصْرَ” وآية 99″ادخلوا مِصْرَ إِن شَآءَ الله آمِنِينَ”، وذكرت فى عهد نبى الله موسى فى سورة يونس آية 87 ” وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً”.
وذكرت فى سورة الزخرف آية 51 ” وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي” وكان للنيل سبعة أفرع في مصر، الفرع البيلوزي الذي كان يمر بسيناء والتانيتى والمنديسى، والفاتنيتى (فرع دمياط حاليًا) والسبنتينى والبلبتى والكانوبى (فرع رشيد حاليًا)، كما ذكر نهر النيل فى سورة القصص آية 7 “وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ” واليم هو نهر النيل الذى حفظ نبى الله موسى ورده إلى أمه.
دعوة الأنبياء
دعى نبى الله يوسف ونبى الله موسى في مصر إلى الإيمان بالله الواحد القهار
دعوة نبى الله يوسف ” يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ” [ سورة يوسف: 39]
دعوة نبى الله موسى “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ” الزخرف 46
” وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ” [الأعراف: 104، 105].
آراء الخبراء
ذكر الدكتور حسن قلاد أن السبب ربما يكون لإخفاء حقيقة الدعوة إلى الله الواحد الأحد، لأن كل الأنبياء دعت إلى عبادة إله واحد، وهذا الأمر كان لا يتناسب مع كهنة المعابد، وكذا من المخولين من حكام مصر القديمة بعدم ذكرهم نهائيا من قبل كتاب النقوش على جدران المعابد
وذكرت الدكتورة مها عبد العزيز السرفى أن الديانة المصرية القديمة كان اساسها عبادة الاله الواحد ولكن بطريقة مختلفة فى الممارسة والظواهر النابعة من الأرض المصرية، لذا تم رفض طرق تنتمى لشعوب أخرى، وأن الاختلاف فى الثقافة ليس فى جوهر العقيدة قريبة من فكرة أن المسلمين يعبدون الله والمسيحيين يذكروا الثالوث ويتبعوه بعبارة إله واحد أجمعين
وأضافت الدكتورة مها عبد العزيز بأن مصر تبنت عقيدة وحدانية الجوهر مع تعددية المظاهر وتجسيدها فى رموز ليسهل استيعابها من العامة .. طول عمر مصر من عصور ما قبل التاريخ تعرف الإله الواحد الخفى ولعل تطور شكل إله الشمس ليصبح آمون فى عصر الدولة الحديثة دليل صريح على ذلك لان معنى كلمة امن نفسها بمعنى الخفى
ورد الدكتور محمود الشنديدى على الدكتورة مها عبد العزيز بأن ما ذكرته غير صحيح وغير دقيق علميًا و هو يتناقض مع ما كتبه العلامة الدكتور عبد العزيز صالح فى كتابة تاريخ الشرق الأدنى القديم، وهو يتناقض مع مضمون النصوص و الآثار المصرية القديمة التى تتحدث عن آلهة متعددة
وأوضح الآثارى عبد الله سكر بأن التعدد في الآلهة موجود في مصر القديمة مثل الأئمة المهديين عند الشيعة لكن الاعتقاد فى وجود الإله الواحد موجودة منذ الأزل وان ابتعدت فئة معينة أو طائفة ليس معناه غياب عبادة إله واحد
وأشار الباحث ماجد فتحى إلى أن نبى الله إدريس هو هرمس الحكيم. وهو الذي علم المصريين الأوائل التوحيد، وعلماء الآثار قالوا أن البعث بعد الموت دليل على عقيدة سماوية كان يؤمن بها المصريين. وكذلك دفن الموتى على جنوبهم كالمسلمين
وأوضح الخبير السياحى ومدير أحد الشركات السياحية مجدى صادق أن ٥٠٪ من أثار مصر لم يكتشف بعد، فمن يعلم أحفادنا ماذا سيجدون و لكن كما قال كبار أساتذتنا فى الآثار مثل محيي عبد اللطيف و محمد إبراهيم و علي عمر وعبد الحليم نور الدين و غيرهم الكثيرين لكي لا أنسي اسم ( لا تخلط بين الكتب المقدسة والآثار ولا تبحث عن دلالة تؤكد وهذا لعظمة الله و الكتب الدينية فلو أراد الله سبحانه لحدد الفترة والملك و الفرعون المذكورين في الكتب المقدسة
وأشار الآثارى رزق عبد العزيز إلى أن الدكتور محمد حمزة عميد كلية الآثار جامعة القاهرة الأسبق أجاب عن هذا السؤال باطروحات جديدة من خلال كتاب عنوانه “البرزخ سنعيدها سيرتها الأولى” للباحث رامى نبيل
ونوه الأستاذ أحمد فهمى حسن إلى نبى الله يوسف الذي شغل منصبًا ضمن النظم الخاصة بالدولة القديمة ومع ذلك لم يشر التاريخ إلي الفرعون أو المنصب ذاته
وأوضح الدكتور محروس الصناديدى الآثارى بالمجلس الأعلى للآثار الموضوع أن الأنبياء ومن أمن بهم من المصريين لم يقوموا بفعل ما فعله الوثنيين في مقابرهم لأن هذا يتنافى مع الدين الحنيف، ولكن بلا شك أن الفكر الديني المصري في معظمه أصله فكر سماوي ولكن أدخل عليه التحريف وتم تنسيبه لأرباب من دون الله، وتلك الأرباب ربما كان معظمها أنبياء أو أشخاص صالحين لهم معجزاتهم وكرامتهم، ونضرب بعض الأمثال اسم آتم أو أتوم ربما هو إقلاب لاسم آدم، قصة أوزيريس وست هي تشبه تمام الشبه مع قصة هابيل وقابيل، تصوير احداث يوم الحساب بما فيه وزن القلب “إلا من أتى الله بقلب سليم ” ، وفكرة تمثيل الروح بالطائر الذي يحوم على مقبرة صاحبها، وفكرة عمل تماثيل الأوشابتي هي تمثيل ل “يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين” والأمثلة كثيرة… بالإضافة إلى أن المدن وأماكن السكن كانت أكثر الأماكن عرضة للتدمير بفعل كثرة الاستخدام من أجيال كثيرة وهو ما قلل فرصة أن نجد مصادر عنهم، فضلاً عن أن هناك أشياء كثيرة في النصوص المصرية محتاجة تمصير صحيح لأن كل ما كتب عن الحضارة المصرية يحتاج إلى إعادة قراءة وتفسير
وأردفت الباحثة رشا الخطيب بأن المصرى القديم عرف الطهارة و ختان الذكور والدعوة للزواج والقيم وفضل الأم …وغيرها من العبادات وما يرتبط بها والتى تدل على وجود دين ودعوة سابقة
وأشار الدكتور سليم فرج السيد إلى أن نقوش تل العمارنة من أهم تلك النصوص التى تشير إلى إيمان المصريين برسالة سيدنا موسى – لنراجع النص الموجود فى معبد اخناتون بتل العمارنة مع سفر التكوين للتوارة ومع ما قاله وكتبه جيمس هنرى بريستد فى كتابه فجر الضمير
ثانيا- لنراجع الاشارات عن أسطورة خلق العالم فى تاسوع هليوبوليس مع المفاهيم الدينية عن سيدنا ادريس وما تم ذكره تاريخيًا عن نشأة الخلق وتاريخ الكتابة عند المصريين من خلال أسطورة ايزيس واوزيرس، كذلك ما كتبه الدكتور عبد العزيز صالح عن حفائر مدينة أونو وبخاصة عام 1983 عندما أعلن الكشف عن صوامع غلال عملاقة فى حفائر مدينة أونو بعرب الحصن بمدينة القاهرة وعن علاقة تلك الصوامع بفترة سيدنا يوسف ونشر مقالة علمية في مجلة JEAعن تلك الاكتشافات عام 1983 ، ولا يوجد نصوص مباشرة على الآثار المصرية غير نصوص تل العمارنة
وذكر الدكتور أشرف محمود أن كهنة المعابد وفى مقدمتهم كهنة آمون واجهوا الديانة الآتونية بقوة علي الرغم من أن زعيمها ملك ورأس دولة وصاحب عاصمة، وقاموا بمحو آثاره واجبروا توت عنخ آمون إلى العودة الاجبارية، ولذلك فمن المستحيل أن يسمح هؤلاء الكهنة بتسجيل وتوثيق دعوة إلى عبادة الله الواحد الأحد
وأوضح الدكتور على صديق عثمان أن الملوك وغالبية المصريين لم يتبعوا هؤلاء الأنبياء والذين اتبع دعوتهم قليل من الناس بدليل استمرار عبادة الآلهة المتعددة خلال عصور الحضارة المصرية منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى دخول المسيحية إلى مصر، لذا لم يكترثوا لذكر الأنبياء أو تسجيل ما يخصهم خاصة على جدران المعابد المخصصة لمعبوداتهم المتعددة أو مقابرهم ومن الممكن العثور على شىء يخص الأنبياء فى البرديات أو الاوستراكا فى المستقبل
وأوضحت الآثارية سناء العلاقمى أن من يقوم بتسجيل النصوص ديانته مختلفة عن ما جاء به الأنبياء، فمن الطبيعى أن تجاهل كل ما هو مخالف
وأشار الدكتور عبد الفتاح بدر الأستاذ بكلية العلوم جامعة حلوان إلى أن الأنبياء الذين عاشوا فى مصر كانوا غرباء عنها ولم يندمجوا مع المصريين حتى نبى الله يوسف الذى جاء طفلًا أتى بإخوته ليعيشوا فى مصر حتى خرج نسلهم من مصر مع نبى الله موسى، ولا توجد لهم آثار ذات بال إلا فى التوراة والقرآن الكريم وهى كتب لم تكن معروفة لقدماء المصريين، لذلك ليس من المناسب اعتبار الكتب المقدسة مصادر تاريخية، والأفضل عدم تفسير التاريخ بأدلة من الكتب المقدسة
وأشار الدكتور محمد أنور إلى أن الأنبياء في نظرهم كانوا أعداءً للدولة والديانة الأساسية لذا لا يوجد أى شىء لهم وهو شيء طبيعى جدًا
وأوضحت الدكتورة سحر سمير فريد أن المصرى القديم نظر للأنبياء باعتبارهم أجانب، لو قارنا وضع مصر وملوكها مع حكام وشعوب باقي الأرض، وكان المصريين يعبدون إله واحد متعدد الصور والصفات ؟؟؟ ولو حتي المصريين بالفعل آمنوا بوجود الله والأنبياء ربما تم تسجيل الأمر بالصورة التى تتناسب مع الفكر المصري وقتها خاصة إن أغلبية الأنبياء كانوا أجانب بالنسبة لهم، حتي نبي الله يوسف رغم المكانة الذى وصل إليها ومن نسله جاء موسي عليه السلام وتربي بصفته ابن لملك مصر وزوجته وحين جهر سيدنا موسي بدعوته آمن به بعض المصريين، ولكن لا نعلم هل دون ذلك أم لا