المنطقة الحرةسلايدرشئون مصرية ومحليات

الدكتور عوض عباس رجب يفتح خزائن ذكرياته ويكتب لــ ” المحروسة نيوز ” عن :المرحوم أ.د / أحمد مستجير وشباب العلماء العرب

في يوم 31 أغسطس، 2019 | بتوقيت 7:36 مساءً

مرت علينا منذ أيام وتحديداً يوم 17 أغسطس الجارى الذكرى الثالثة عشرة لوفاة خالد الذكر المغفور له بإذن الله تعالى الأستاذ الدكتور أحمد مستجير  ، أحد العلماء المصريين المتميزين فى  علم  الهندسة الوراثية.. فهو  عالم مصري مبدع، يُعد أبو مزارع الفقراء، وأبو الهندسة الوراثية، ويصنف ضمن علماء السعادة لبحوثهم في مجال تنمية الموارد البشرية من خلال تطوير  البحوث الزراعية والهندسة الوراثية للقضاء علي الفقر  وزيادة الإنتاج، فهو عالم الوراثة العبقري.

ولد مستجير في ديسمبر 1934 بقرية الصلاحات بمحافظة الدقهلية شمال مصر، وتوفي في 17 أغسطس 2006 أهتم مستجير في المرحلة الثانوية بكتب البيولوجيا لأنه أحب مدرسها “خليل أفندي” الذي تخرج في كلية الزراعة، فأحب مستجير أن يلتحق بنفس الكلية.

أفتتن بأستاذه في الكلية عبد الحليم الطوبجي أستاذ علم الوراثة ، فسلك ذات التخصص ، وبلغت ثقة “الطوبجي” في مستجير الطالب أنه لما أحتاج أن يكتب مذكرة للطلاب ولم يكن وقته يسمح بذلك أعطى الطلاب ما كتبه أحمد في المحاضرات.

لقد كان المرحوم العالم أ.د/أحمد مستجير يدرس مقرر  أساسيات الحاسب الآلي لطلبة الدراسات العليا بالكلية وكان معه أ.د/نجيب الهلالي جوهر و أ.د/علي عبيدة وكان هذا المقرر من المقررات الصعبة في فترة السبعينيات والثمانينات لعدم انتشار استخدام الكومبيوتر وقتئذ .

في عام 1985كنت أدرس المقرر وحكي لنا أ.د/مستجير عن كيفية تعلمه دراسة الحاسب الآلي أثناء دراسته للدكتوراه في المملكة المتحدة و كيف أستطاع فهم الجهاز واستخداماته خلال أقل من  الساعة الواحدة فقط  ثم ينظر إلينا ساخرا لعدم فهمنا السريع للجهاز فكان يداعبنا بإطلاق أسم شباب العلماء العرب علي طلاب الدراسات العليا …….رفع الطالب/عوض عباس يده ليسأل أ.د/مستجير   لقد استطعت أنت استيعاب هذا العلم في أقل من ساعة فما بالنا لا نفهمه بعد 10 ساعات هل العيب فينا ؟ولم نكن نعرف وقتئذ أن هذا العالم الكبير خجول جدااا ولا يتحمل قلبه الطيب بكاء طفل إمامه فظهر علي وجهة البشوش علامات التعجب من سؤال الطالب الذي لم يتوقعه ولم يعقب وخرج من المدرج ولم يستكمل المحاضرة.

لقد كنا نخاف أن نضحك إمامة احتراما وتقديرا لعلمه الواسع في شتي مناحي العلم والحياة…سيطر الرعب علي قلوبنا خوفا من الرسوب في هذا المقرر ولكن بمجرد دخول أ.د/نجيب الهلالي جوهر (رئيس جامعة القاهرة الأسبق) في الأسبوع التالي و سأل عن الطالب /عوض(كان ذلك أول لقاء يجمع بين الأخ الكبير الحبيب أ.د/نجيب الهلالي و تلميذة الذي أرتبط به في علاقة أخويه وصداقه متميزة منذ ذلك اليوم وحتى الآن) صاحب السؤال العجيب وفهم منه سبب السؤال وبدأنا في استيعاب ما خفي علينا من فهم في المقرر وبدأت الحياة تكون سهلة معنا ونجحنا جميعا في النهاية والحمد لله.

ب-خطابات متبادلة بين العميد والتلميذ:

في عام 1986سافرت للمملكة المتحدة للحصول علي الدكتوراه بنظام الأشراف المشترك و في  عام 1987 تم اختيار العالم الجليل  أ.د/أحمد مستجير بالانتخاب عميدا لكلية الزراعة جامعة القاهرة وتبدأ معه مرحلة جديدة من التطوير والأنشطة المتميزة لأسرة كلية الزراعة جامعة القاهرة من أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة والطلاب والعاملين أستمر حتى الآن. 

أرسلت خطابا  للعالم الجليل:

من أحد شباب العلماء العرب (طالب الدكتوراه /عوض عباس)إلي زينة علماء العرب (أ.د/مستجير) ألف مبروك لعمادة زراعة القاهرة داعيا الله أن يوفقه في مهتمة الصعبة (ذيل الخطاب بعبارة ضاحكة::من أحد شباب العلماء العرب الفاشلين  إلي كبير العلماء العرب ….تقدر علي العمادة يا جميل ؟؟؟؟؟؟) فكان رد أ.د/مستجير علي تلميذة…خالص الشكر للتهنئة بالعمادة ومنتظر انتهائكم من دراستكم للدكتوراه حتى  تشارك في المهمة الصعبة لتطوير الكلية.(وذيل الخطاب بعبارة أكثر سخرية كعادته مع تلاميذه الذين يحبهم::خلص الدكتوراه يا فالح وبعدين ارجع بسرعة حط أيديك في أيدي للكلية)…………كانت رسالة جميلة مشجعة كلها آمال و أحلام للتعاون في وضع الكلية في مكانتها الحقيقية وتوضح تواضع العالم الكبير واستعداده للتعاون مع الجميع من أجل مستقبل أفضل للكلية.

في عام  1987وأنا في البعثة بالمملكة المتحدة قرأت خبرا في جريدة أخبار اليوم بأن طلاب الفرقة الأولي بكلية الزراعة جامعة القاهرة و احتفالا منهم بعميد كليتهم العالم الجليل /أحمد مستجير قرروا قيام كل طالب بالتبرع بمبلغ جنية مصري واحدا في حملة لنظافة الكلية…..فرحت فرحا عظيما بطلاب الكلية وقررت إرسال خطابا لعميدنا الجديد أعلن فيه تبرعي بكامل مرتبي الذي يصرف من الداخل طوال فترة البعثة لصالح صندوق نظافة الكلية اقتداء بما قام بة طلاب الفرقة الأولي ….سعد أ.د/مستجير بالخطاب وعرضه علي مجلس الكلية الذي لم يجد ردا علي الخطاب سوي الموافقة علي تبرع جميع أعضاء مجلس الكلية بمكافأة احد جلساته  لصالح صندوق نظافة الكلية ليضرب الجميع (الطلاب-مجلس الكلية –المبعوثين)المثل في حب الكلية.

ج-العميد و رائد النشاط الاجتماعي:

في عام 1988 انتهيت من دراسة الدكتوراه وعدت للوطن و ذهبت لمقابلة أ.د/مستجير في مكتب العميد وقابلني بكل ترحاب وشكرني علي التواصل معه خلال فترة الدراسة بالمملكة المتحدة وطلب مني علي الفور المشاركة معه كرائد لواحدة من أصعب لجان اتحاد الطلاب وهي اللجنة الاجتماعية التي تهتم بالطلاب غير القادرين ماديا علي مواجهة الحياة الجامعية كأنه بحسه المرهف ومشاعره النبيلة أستطاع أن يكتشف مكنون شخصيتي وحبي للعمل الاجتماعي كما تعلمته من أستاذي القريب جدا لقلبي المرحوم أ.د/محفوظ غانم أستاذ الكيمياء الحيوية وأول رائد للأنشطة الطلابية في تاريخ جامعة القاهرة…..تعلمت كيف يكون اختيار الصف الثاني والثالث في الإدارة الجامعية………كان المرحوم أ.د/أحمد مستجير مدرسة علمية في شتي مجالات الحياة الجامعية والإنسانية تعلمنا منة الكثير والكثير ويكفيه فخرا أنه أول عميد في تاريخ الكلية ينتخب ثلاث دورات كاملة في الفترة من 1987-1995.

د-الوداع:

في صيف  عام 2006كان أ.د/مستجير يعد نفسه للسفر في رحلته السنوية لأسرته بالنمسا وكانت فعاليات كأس العالم تجمعنا و ذهبت أنا و أ.د/نجيب الهلالي جوهر (رئيس جامعة القاهرة وقتئذ) و أ.د/سعد نصار (رئيس مركز البحوث الزراعية ومحافظ الفيوم الأسبق) لمنزل أ.د/مستجير لتوديعه ليلة سفرة للنمسا ومشاهدة مباراة هامة في كاس العالم عنده وكانت المفاجأة أن الدش عنده لا يستقبل المباريات فضحكنا وجلسنا سويا في أجمل جلسة سمر جمعت العالم الجليل و أصدقائه وقدم لنا الكيك الانجليزي الشهير مع الشاي الذي أعدة بنفسه  ولم نكن نعلم أنها الجلسة الأخيرة…………ودعناه ولم نكن نعلم أنة الوداع الأخير.

مرت عدة أيام وجاء لنا الخبر الحزين بوفاة العالم الجليل في وسط أسرته المقيمين بالنمسا…..ذهب وفد عالي المقام لمطار القاهرة برئاسة رئيس الجامعة و كوكبة من محبي وتلاميذ و أصدقاء أ.د/مستجير لاستقبال جثمان العالم الجليل وكان لي شرف  استلام الجثمان و أصطحابة لمستشفي القصر العيني الجديد .

أعدت كلية الزراعة جنازة مهيبة لتوديع أبنها البار وعميدها و أستاذ الإنتاج الحيواني بالكلية الحائز علي جميع جوائز الدولة بدرجاتها المختلفة و استقبلت الكلية علماء مصر في شتي المجالات و الوزراء ونواب رئيس الوزراء  وعلي رأسهم أ.د/يوسف والي وزير الزراعة و أ.د/مفيد شهاب وزير التعليم العالي و أعضاء مجلس جامعة القاهرة ومجلسي الشعب والشورى وخريجي كلية الزراعة من محبي العالم الجليل /أحمد مستجير الرجل الذي لا يمكن لأحد من محبي كلية الزراعة جامعة القاهرة أن ينساه. رحم الله العالم الجليل ورحم جميع أساتذتنا وزملائنا من أسرة كلية الزراعة جامعة القاهرة.

صورة نادرة تجمع  الدكتور أحمد مستجير و الدكتور عبد المنعم يوسف عميدي الكلية في الزمن الجميل ومعهما  الدكتور نبيل خليل (أستاذ المحاصيل) والدكتور عوض عباس رجب.

في عام 1989 في ذكري مرور 100عام علي أنشاء كلية الزراعة جامعة القاهرة.، الأساتذة الأجلاء رحمه الله عليهم جميعا  :أ.د/أحمد مستجير (عميد الكلية الأسبق)-أ.د/عادل عز (وزير التعليم العالي الأسبق)-أ.د/ مأمون سلامة (رئيس جامعة القاهرة الأسبق)يكرمون أ.د/عوض عباس رجب  رائد النشاط الاجتماعي بالكلية بدرع الكلية . 

3-عالم متواضع مع طفلة واعدة:

يتميز العالم الجليل المرحوم أ.د/أحمد مستجير بتواضعه الجم ورومانسيته الجميلة وحينما اتصلت  به  الطفلة/يارا عوض عباس بالصف الخامس الابتدائي لمقابلته لأجراء حوار معه حول علم الوراثة والهندسة الوراثية وذلك لنشرة في صفحة (صبيان وبنات) في العدد الأسبوعي من جريدة أخبار اليوم (السبت من كل أسبوع)…وافق علي الفور وتم اللقاء في حجرته ومكتبة المتواضع في قسم الإنتاج الحيواني بزراعة القاهرة.

كانت الطفلة يارا تحلم بدخول كلية الإعلام وهي بالصف الخامس الابتدائي وتحققت أمنيتها فعلا وحصلت علي بكالوريوس الإعلام من جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا .

صورة:الطفلة  يارا عوض عباس رجب في حديثها الصحفي الرائع مع العالم الجليل طيب الذكر المرحوم الدكتور  أحمد مستجير قبل وفاته مباشرة.
صورة:الطفلة  يارا عوض عباس رجب في حديثها الصحفي الرائع مع العالم الجليل طيب الذكر المرحوم الدكتور  أحمد مستجير قبل وفاته مباشرة.

أستقبل أ.د/مستجير  الطفلة يارا وكان سعيدا جدا بهذا اللقاء وعلم منها أنها تعرفه خير المعرفة وتتابع أخباره العلمية وندواته الثقافية وفرح أ.د/مستجير   وتحدث معها بحب وحنان وتقدير لشخصها الجريء وتأكد من أنها سوف تحقق حلم حياتها بدخول كلية الإعلام من جرأتها في الحوار وعدم رهبتها في التحاور مع عالم علماء الوراثة في مصر حتى أنها بدأت حوارها  بسؤال عن سبب اللون الأبيض لشعر أ.د/مستجير وهل ذلك بسبب وراثي أم عامل السن هو السبب ثم قالت له مرة أخري ما هي حكاية حبات البسلة التي قرأت عنها في علم الوراثة ولماذا  لم تقابل أي حبة بسلة مجعدة في البسلة التي تطهوها ماما في المنزل؟؟و سألته أيضا عن قصة زواجه من السيدة الفاضلة حرمة نمساوية الجنسية. وتطرق الحديث لنبوغ أبناء د/مستجير ثم استفسرت من سيادته عن الطعام المفضل له و أيضا سألته عن  الجوائز التي حصل عليها سيادته وكان آخرها جائزة مبارك للعلوم التكنولوجية المتقدمة (جائزة النيل حاليا) ….في نهاية الحوار الذي نشر وقتها في العدد الأسبوعي لجريدة إخبار اليوم أثني العالم د/مستجير علي الصحفية الصغيرة  وأبدي إعجابه الشديد بأسلوب الطفلة /يارا وتمني لها مستقبل مشرق في عالم الإعلام .

صورة:الطفلة  يارا عوض عباس رجب في حديثها الصحفي الرائع مع العالم الجليل طيب الذكر المرحوم الدكتور  أحمد مستجير قبل وفاته مباشرة.
صورة:الطفلة  يارا عوض عباس رجب في حديثها الصحفي الرائع مع العالم الجليل طيب الذكر المرحوم الدكتور  أحمد مستجير قبل وفاته مباشرة.

لقد كان أنسانا بمعني الكلمة ذو مشاعر رقيقة ورومانسية بالغة ولقد كان هذا الحوار هو الدافع العظيم للطفلة يارا عوض للالتحاق بكلية الإعلام والحصول علي درجة البكالوريوس.

 الكاتب 

  

الدكتور /عوض عباس رجب

أستاذ و رئيس قسم الكيمياء الحيوية-كلية الزراعة جامعة القاهرة

العميد الأسبق كلية السياحة والفنادق جامعة القاهرة(الفيوم)

عضو لجنة قطاع التعليم السياحي الفندقي-المجلس الأعلى للجامعات

مقرر  لجنة معاهد السياحة والآثار-قطاع التعليم-وزارة التعليم العالي

   

مقالات ذات صلة