منذ أيام أقيم إحتفال شهده أحمد عيسى وزير السياحة والآثار، بمناسبة مرور 114 عام على إنشاء المتحف القبطي بمنطقة مجمع الأديان بمصر القديمة والذى واكبه إفتتاح قاعة عرض مخطوط سفر المزامير بعد الانتهاء من ترميمه وتوثيقه.
وتعد واجهة المتحف القبطى لوحة معمارية استثنائية لا مثيل لها فى العالم، وقد قام مؤسس المتحف القبطى “مرقص سميكة باشا” بنسخ واجهة جامع الأقمر الفاطمى بشارع المعز لدين الله الفاطمى لتكون واجهة المتحف القبطى بما يركز على قيم التلاحم والتعايش بين الأديان، وتأكيدًا على فكرة تواصل الحضارات باعتبار العمارة المسيحية والإسلامية هي منظومة تواصل حضارية تؤكدها إبداعات الفنان والصنايعي المصري عبر التاريخ، وهى في النهاية تُعد بمثابة رسالة سلام ومحبة فى حد ذاتها.
وتعد هذه الواجهة هى نموذج طبق الأصل من واجهة جامع الأقمر وقد أضاف إليها الفنان التشكيلى راغب عياد الرموز المسيحية، ولد مرقص سميكة عام 1864 فى عائلة قبطية عريقة تضم رجال دين ورجال قضاء وعمل بالآثار القبطية حتى وفاته وكان عضوًا فى مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية والجمعية التشريعية ومجلس المعارف الأعلى والجمعية الملكية الجغرافية ومجلس أعلى دار الآثار العربية وعضو مجلس الأثريين فى لندن وعضو مجلس إدارة جمعية الآثار القبطية بالقاهرة ومن مؤلفاته دليل المتحف القبطى والكنائس الأثرية فى مجلدين باللغتين العربية والإنجليزية ووضع فهارس المخطوطات العربية والقبطية الموجودة بالمتحف القبطى.
تأسيس المتحف القبطى يرجع إلى عام 1908 ويقع بمنطقة مصر القديمة أمام محطة مترو الأنفاق ” مارى جرجس “، وكان الباحث المصري “مرقس سميكة باشا”، أول من ساهم في تأسيس المتحف، حيث طالب بضم مجموعة الآثار القبطية إلى اهتمامات لجنة حفظ الآثار والفنون عام 1893 م، فمنحه البابا “كيرلس الخامس” بطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أرض تابعة للكنيسة المعلقة، نظرًا لأهمية المكان وعظمة مكانته التاريخية، وفتح باب الاكتتاب العام ليشارك فيه جميع فئات المصريين، وبُني المتحف وكان يتكون من حجرتين داخل الكنيسة المعلقة،
وافتتح عام 1910 وجُمعت فيه الآثار القبطية التي كانت موجوده بالمتحف المصري، كما جمع سميكة باشا الباقي من الكنائس والأديرة الأثرية وقصور الأغنياء من الأقباط، وتولى سميكة إدارة المتحف فكان أول مدير له حتى وافته المنية في أكتوبر 1944
وقد افتتح رسميًا فى 14 مارس عام 1910 وأنشئت المبانى الأولى لهذا المتحف على جزء من الأرض التابعة لأوقاف الكنيسة القبطية قدمها البابا كيرلس الخامس البطريرك 112، وقد سمح أيضًا بنقل جميع التحف والأدوات القبطية الأثرية كالمشربيات والأسقف والأعمدة الرخامية والنوافذ واللوحات والحشوات الخشبية المنقوشة والأبواب المطعمة والأرائك والبلاطات الخزفية التى كانت فى منازل الأقباط القديمة وظل المتحف القبطى ملكًا للبطريركية حتى عام 1931حين قررت الحكومة ضمه إلى أملاك الدولة، لأنه يمثل حقبة مهمة من سلسلة حقبات الفن والتاريخ المصرى القديم وتقديرًا لمرقص سميكة باشا قامت الحكومة بعمل تمثال نصفى له على نفقة الدولة أقيم وسط الحديقة الخارجية أمام مدخل المتحف.
وأن مبنى المتحف القبطي نفسه مسجل في عداد الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية، الذي تم إنشاؤه عام 1898م وافتتاحه رسميًا عام 1910
يضم المتحف القبطى يضم نحو 16ألف قطعة أثرية، ومن أقسامه، قسم الأحجار والرسوم الجصية، قسم تطور الكتابة القبطية والمخطوطات، قسم الأقمشة والمنسوجات، قسم العاج والأيقونات، قسم الأخشاب، قسم المعادن، قسم الفخار والزجاج.
يضم الجناح القديم للمتحف مجموعة من قطع الأثاث الخشبية والأبواب المطعمة والباب المصنوع من خشب الجميز الخاص بحامل أيقونات كنيسة القديسة بربارة والألواح يمكن تمييزها حيث قاموا بتركيبها في العصر الفاطمي أثناء القرن الحادي عشر والثانى عشر، ويحتوى الجناح الجديد على مجموعة تضم التصميمات الهندسية، لفائف نبات الأكانتس وأوراق العنب وافريزات مزدانة بأرانب، طواويس، طيور، والأنشطة الريفية، مرورًا بالتراث الهيللينستى والقبطي حتى الصيغ الفنية الإسلامية في مصر ومخطوطات للكتاب المقدس.
ويعد كتاب ” مزامير داوود” الذي تفرّد بتخصيص قاعة كاملة له وهي القاعة رقم 17، من أهم مقتنيات المتحف، وقد عثر عليه في مقبرة تعود إلى الفترة المسيحية المبكرة وكان موضوع تحت مومياء طفل
يضم الجناح الجديد العديد من المقتنيات مثل مجموعة الأيقونات منها أيقونة الأنبا بولا والأنبا أنطونيوس، ونماذج كثيرة من النسيج القبطي المتميز؛ ومنها “ستارة الزمار” التي تعود إلى القرن الرابع أو الخامس الميلادي والمصنوعة من الكتان والصوف، وهي تصور زمارًا وإلى اليسار لوحة رأسية تتكون زخارفها من محاربين وراقصات وفى الوسط فرسان من نسيج القباطى من الكتان والصوف.
ومن المقتنيات الهامة شاهد قبر من الحجر الجيري يظهر التداخل بين علامتي الصليب والعنخ (نهاية القرن 4م)، قطعة نسيج عليها بعض الرموز المسيحية (القرن 6م) نقش علي مشط من العاج يظهر بعض معجزات السيد المسيح (القرن 7م)، تاج عمود من الحجر الجيري مزين بشكل عناقيد العنب (القرن 7م)، مسرجة من البرونز لها مقبض على شكل الهلال والصليب القرن 13م
كما يشتمل على مشربيات غاية في الروعة، وكسيت جدرانه بألواح من الرخام الفاخر والفسيفساء وزود بمجموعة من النافورات، كما يتميز الجناح القديم بوجود أقدم مخطوطات للكتاب المقدس، و بفاترينة تحتوي على مناظر نيلية توضح عمليات الصيد، وأخرى تظهر النباتات المائية، فضلًا عن قطع حجرية تمثل الإله “نيلوس” رمز النيل عند الإغريق، كما يضم الجناح عددًا من الأفاريز المزخرفة بنقوش على شكل أرنب وبعض الطيور مثل الطاووس.
كما يضم المتحف مجموعة من منحوتات إهناسيا التى تقع على بحر يوسف جنوب غرب الفيوم، وفى عام 1891 اكتشف إدوارد نافيل مبنى يحتوى على عناصر معمارية من الحنيات والأفاريز المنحوتة بزخارف نباتية وأشكال آدمية وحيوانية موضوعاتها مستمدة من الأساطير اليونانية مثل أفروديت خارجة من الصدفة وأرفيوس ودافنى وهرقل والتى تعود إلى الفترة من القرن الثالث إلى الخامس الميلادى، وقد اتضح أن الانتقال من الوثنية إلى المسيحية كان مرحليًا حيث ظل الأقباط يصورون هذه الموضوعات الوثنية التى ورثوها فى فنونهم لفترة طويلة بعد انتشار المسيحية فى مصر.
ويضم المتحف قسم خاص بآثار دير الأنبا ابوللو بباويط بمدينة أسيوط، و”باويط” كلمة مأخوذة من كلمة قبطية تعنى “تجمُّع” أو “دير”، ويرجع تاريخ دير الأنبا أبوللو إلى عام 390 م، على يد القديس “أبوللو على مساحة 3 كم ويحتوى على كنيستين، ويعرض المتحف الجزء السفلى من شرقية باويط الشهيرة، ويرجح أنها تعود إلى النصف الثانى من القرن السابع الميلادى وتظهر فيها السيدة العذراء فى وسط تلاميذ السيد المسيح وعلى يمنيها بطرس الرسول وعن يسارها يوحنا الحبيب، وكان قديمًا لا يوجد حامل للأيقونات أمام الهياكل فكان يستعيض عن ذلك برسم القديسين فى الهيكل والشرقية.
كما يضم المتحف مخطوطات نجع حمادى أو مكتبة نجع حمادى وهى مجموعة من النصوص الغنوصية ” الأغنوصية من اليونانية (غنوستسكوس) والتي تعني ذوي المعرفة واختلف العرب في ترجمتها إلى العربية، والمعنى الحرفي لكلمة غنوسس اليونانية هي المعرفة الشخصية المستقاة من الخبرة النفسية أما المعنى بالمفهوم الديني فهو المعرفة الروحية المبنية على العلاقة مع الله وإن الصلاح والخلاص في معظم الأفكار الغنوصية هو المعرفة بالله وهذه المعرفة هي المعرفة الداخلية للإنسان وهي تختلف عن مفهوم المعرفة الأفلاطونية المحدثة التي تدعو للمعرفة الخارجية وفي العصر الهليني أصبحت ترمز للمتعلم أو المثقف المسيحي بشكل خاص وأصبح للكلمة معنى ومفهوم سلبي هرطقي بعد الأعمال والأفكار التي ترجمها إيرينيئوس” التى اكتشفت بالقرب من نجع حمادى فى صعيد مصر سنة 1945 تتألف من 12 بردية وجدها مزارع يدعى محمد السمّان مدفونة فى جرار مغلقة اشتملت على 52 مقالة معظمها غنوصي، ولكنها اشتملت أيضًا على ثلاثة أعمال تنتمى إلى متون هرمس وترجمة جزئية لكتاب الجمهورية لأفلاطون.