أخبارمنوعات

“اللواء الدكتور سمير فرج “يكتب لـ ” المحروسة نيوز ” :قصة واقعية من وحى الخيال

في يوم 18 فبراير، 2024 | بتوقيت 2:00 مساءً

فور بدء وسائل الإعلام العالمية تناقل الأنباء الخاصة بانسحاب الجيش الإسرائيلى من غزة، والقيام بتسليم مقاليد الأمر إلى السلطة الفلسطينية لتكون هى المسؤولة عن السيطرة على القطاع.

بدأت إسرائيل فى عقد الجلسات الخاصة بلجنة التحقيق، التى تم تشكيلها برئاسة قائد المحاكم العليا بإسرائيل على غرار ما تم فعله فى لجنة إجرانات، التى تم تشكيلها بعد حرب أكتوبر 73 للتحقيق فى أسباب قصور جيش الدفاع الإسرائيلى فى الحرب، والتى تولى رئاستها القاضى إجرانات، الذى كان يشغل منصب قائد المحكمة العليا.

كان من الطبيعى أن يبدأ القاضى الإسرائيلى المسؤول عن لجنة التحقيق فى حرب 7 أكتوبر ومعه أعضاء اللجنة بمساءلة رئيس الوزراء الإسرائيلى «نتنياهو»، مثلما كان الأمر مع «جولدا مائير» فى لجنة إجرانات، لتأتى بعد نتنياهو مساءلة رئيس أركان الجيش الإسرائيلى الحالى، ومدير المخابرات، «الموساد»، حاليًا، ورئيس الشاباك، وهما المسؤولان فى نظام الاستخبارات الإسرائيلية عن متابعة نشاط ما تطلق عليه إسرائيل الجماعات الإرهابية.

كان السؤال الأول إلى كل الأطراف: كيف لم تتوقع إسرائيل هجوم حماس وباقى فصائل المقاومة يوم 7 أكتوبر 2023، ليأتى رد نتنياهو أنا رئيس الوزراء، ولست مسؤولًا عن متابعة هذه الفصائل وعملها فى غزة، هذه مسؤولية رئيس الأركان وأعضاء هيئة الاستخبارات الإسرائيلية الثلاثة.

أما رئيس الأركان فكانت إجابته على نفس السؤال: إننى أتابع يوميًّا التقارير التى تصلنى من الأجهزة الاستخباراتية الثلاثة، ولم يوضح أى منهم اكتشاف أى نشاط للجماعات الفلسطينية.

ومن هنا جاء سؤال قاضى التحقيق لكل من نتنياهو ورئيس الأركان:

 ألم يكن ذلك الهجوم يوم 7 أكتوبر مفاجأة لإسرائيل؟،

وتكون إجابة الاثنين: نعم، كانت بالفعل مفاجأة،

السؤال هنا إلى مديرى الاستخبارات الإسرائيلية الثلاثة: أين كنتم من هذه الأحداث؟،

وهنا يأتى رد مدير الموساد: إن طبيعة عمل الموساد تختص بجمع المعلومات خارج إسرائيل، وكان التركيز كله فى الفترة السابقة على إيران ومدى قدرتها وتجهيزاتها فى الحصول على السلاح النووى.

ولقد تمكنا خلال السنوات السابقة من تنفيذ عدة عمليات فى هذا الشأن، من بينها التفجيرات الخاصة بالمفاعلات النووية بإيران، كما قمنا باغتيال ثلاثة من علمائها العاملين فى المجال النووى، لقد كانت أولوياتنا الأولى هى النشاط النووى الإيرانى.

وهنا جاء السؤال إلى رئيس الشاباك، المسؤول عن الأمن الداخلى فى إسرائيل، وأمان المخابرات الحربية الإسرائيلية؟

فكانت الإجابة أن عملية المتابعة لأنشطة حماس وغيرها من الجماعات لم تُظهر وجود أى استعداد لعمليات عسكرية.

وبنبرة غاضبة استنكارية، جاء رد رئيس اللجنة:

ألم تلاحظوا عمليات شراء الطائرات الشراعية بأعداد كبيرة تفوق احتياجات قطاع غزة السياحى؟!

ألم تلاحظوا حجم التدريب الذى يتم يوميًّا على استخدام الطائرات لأشخاص من أهل غزة وليسوا من السائحين؟!.

وكانت الإجابة من رئيس الشاباك والمخابرات الحربية الإسرائيلية أنه لابد أن الطائرات جاءت على مراحل فى مجموعات صغيرة، لذلك لم يتم تقديرها وملاحظة إمكانية استخدامها لأغراض غير السياحة.

وجّه رئيس اللجنة نظرة استنكارية، ثم تنهد ليطرح سؤاله التالى: وماذا عن المجسم الخاص بالمستعمرة الإسرائيلية، الذى قامت بتنفيذه حماس من أجل تدريب عناصرها على الاقتحام، ألم تلاحظوا هذا أيضًا؟!.

كان رد رئيس الشاباك: إننا كنا على علم بوجود المجسم، فقد تم إنشاؤه منذ عدة سنوات، وكانت عمليات التدريب على الاقتحام تتم كل فترة، ولكن كانت تقديراتنا أنها مجرد محاولة من حماس لرفع معنويات قواتها ليس أكثر، وأن حماس لا يمكن أن تفكر فى تنفيذ الأمر بالفعل، خاصة بوجود الجدار على الحدود، والذى سيمنع أى فكرة للهجوم على تلك المستوطنات.

لم يتمكن القاضى من إخفاء غضبه لينفعل صائحًا: لو افترضنا أن كل إجاباتكم سليمة، فماذا عن عملائكم داخل فلسطين، الذين ندفع لهم رواتب شهرية كبيرة، ألم تصلكم منهم أى معلومة عن خطة لعبور الحدود بالطائرات وخطة أخرى للهجوم على المستوطنات؟!.

ثم أين معلوماتكم عن الأنفاق؟، إنها 500 كيلو داخل قطاع غزة بالكامل، وكانت هناك معلومات واضحة للجميع بوجود عمليات حفر لتلك الأنفاق منذ سنوات، أين كنتم؟.. وأين خرائط هذه الأنفاق؟..إنها شبكة كبيرة لم يكن يعلم عنها أحد؟!. إنه إهمال كبير منكم، لدرجة أن القوات الإسرائيلية عندما دخلت غزة فوجئت بأنه ليست لديها أى معلومات عن أماكنها، وأسلوب الإضاءة والتهوية والتسليح والفتحات، وكانت معلوماتكم كلها خاطئة. لذلك هاجمنا المستشفيات فى غزة، ولم نجد أسفلها شيئًا، بل أصبحت صورة إسرائيل سيئة بأننا نهاجم مستشفيات بحجة الأنفاق، التى اتضح أنه لا وجود لها.

واستكمل القاضى سيل أسئلته الغاضبة، قائلًا: أين معلوماتكم عن قادة حماس، حيث أمضينا شهورًا طويلة، ولم نقبض على واحد منهم خلال هذه العمليات العسكرية، أو نقتل أحدهم، ولم يكن لدينا حتى العلم بأماكن اختبائهم ولا بيوتهم، ولا حتى عائلاتهم، وأساليب اتصالاتهم؟!.

لقد خدعتم الشعب الإسرائيلى يوم أن نجحنا فى اغتيال أحمد ياسين، مؤسس حركة حماس فى غزة، وجاءت الحكايات أن العملاء وضعوا جهاز التتبع فى كرسيه المتحرك داخل منزله، وأن الصاروخ دخل من شباك المنزل لكى يقضى عليه. ووقع ميتًا على الكرسى المتحرك، وصدقناكم- نحن الإسرائيليين- صدقنا أن الاستخبارات الإسرائيلية قادرة على الوصول إلى منزل كل قادة حماس.

ولكن كل ذلك أصبح أكذوبة، فلا نحن تمكنّا من القضاء على قادة حماس، ولا نعلم حتى أين يوجدون، بل إننا لا نعلم حتى مَن هم حقًّا، ولا أين أسرهم، أين العملاء؟، أين المعلومات؟، أين أجهزة التتبع التى نزعم أننا متفوقون فيها فى أنحاء العالم كله؟!.

هل وقعنا ضحية لخديعة العملاء المزعومين، الذين يتلقون من خزانة إسرائيل ملايين الدولارات؟، فرغم كل ما نتكبده من أموال نحن حقيقة لا نعلم ما الذى يحدث فى الغرف المغلقة لتلك الفصائل الفلسطينية، كان كل تركيزكم الوقيعة بين حماس فى غزة والسلطة الفلسطينية فى رام الله، وكنتم سعداء باستمرار الانقسام داخل السلطة الفلسطينية وحماس، غافلين عن حقيقة ما يجرى خلف الكواليس.

بعد أن هدأ القاضى قليلًا، جاء السؤال المهم عن الطريقة التى تمكنت بها فصائل المقاومة من الحصول على الأسلحة والمُعَدات من خارج غزة.

كان رد رئيس الشاباك أنها بالطبع وصلت إليهم من مصر عبر الأنفاق، وهى الإجابة التى رفضها القاضى، ووجدها غير منطقية، قائلًا: هذا غير معقول لأن مصر لم تكن على علاقة طيبة بحماس، بل إنها قامت بإغلاق الأنفاق بينها وبين حماس، خاصة الواصلة بين رفح وسيناء، بل قامت بنقل مبانى رفح المصرية إلى مكان آخر، ولم تكن هناك أى علاقة بين حماس والمصريين، بل إن مصر ظلت لسنوات على عداء مع حماس بسبب مساعدة حماس للعناصر التكفيرية فى سيناء، والتى كانت مصر فى حرب معها للقضاء على الإرهاب بسيناء، فكيف تكون مصر هى حجتكم لدخول الأسلحة والمُعَدات إلى غزة؟!.

تلك المناقشات بين اللجنة والمسؤولين بالحكومة والجيش الإسرائيلى وأجهزة الاستخبارات استمرت لعدة أشهر، لينتهى الأمر بصدور قرار بتوجيه اللوم إلى نتنياهو، وعزله من منصبه، وصدور قرار بعدم توليه أى منصب آخر فى أى حكومة قادمة، كذلك إعفاء كل من رئيس أركان الجيش الإسرائيلى، ورؤساء الموساد، والشاباك، وأمان، ومعهم مديرو إدارات الفصائل الفلسطينية، المسؤولة عن متابعة العناصر الفلسطينية، وتوجيه تهمة الإهمال والإضرار بالأمن القومى الإسرائيلى إليهم جميعًا.

كانت هذه تفاصيل قصة من وحى الخيال، لم تحدث بعد، ولكنى على يقين من أنها ستكون جزءًا من السيناريو القادم للأحداث فى إسرائيل، ما بعد انتهاء حرب غزة، التى نتمنى أن تنتهى قريبًا.

كاتب المقال

اللواء أركان حرب الدكتور سمير سعيد محمود فرج

Email: [email protected]

Email: [email protected]

واحداً من أهم أبناء القوات المسلحة المصرية.

ولد في 14 يناير في مدينة بورسعيد، لأب وأم مصريين.

تخرج، سمير فرج، من الكلية الحربية عام 1963.

والتحق بسلاح المشاة، ليتدرج في المناصب العسكرية حتى منصب قائد فرقة مشاة ميكانيكي.

تخرج من كلية أركان حرب المصرية في عام 1973.

والتحق بعدها بكلية كمبرلي الملكية لأركان الحرب بإنجلترا في عام 1974، وهي أكبر الكليات العسكرية في المملكة البريطانية،وواحدة من أكبر الكليات العسكرية على مستوى العالم.

فور تخرجه منها، عُين مدرساً بها، ليكون بذلك أول ضابط يُعين في هذا المنصب، من خارج دول حلف الناتو، والكومنولث البريطاني.

تولى، اللواء أركان حرب الدكتور سمير سعيد محمود فرج، ، العديد من المناصب الرئيسية في القوات المسلحة المصرية، منها هيئة العمليات، وهيئة البحوث العسكرية. وعمل مدرساً في معهد المشاة، ومدرساً بكلية القادة والأركان. كما عين مديراً لمكتب مدير عام المخابرات الحربية ورئاسة إدارة الشئون المعنوية.

تتلمذ على يده العديد من الشخصيات السياسية والعسكرية البارزة، إبان عمله مدرساً في معهد المشاة، ومدرساً في كلية القادة والأركان المصرية.

لم تقتصر حياته العملية، على المناصب العسكرية فحسب، وإنما عمل، سمير فرج، بعد انتهاء خدمته العسكرية، في العديد من المناصب المدنية الحيوية، ومنها وكيل أول وزارة السياحة، ورئيس دار الأوبرا المصرية، ومحافظ الأقصر. ويشغل حالياً منصب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة NatEnergy.

وله العديد من الكتب والمؤلفات العسكرية، خاصة فيما يخص أساليب القتال في العقيدة الغربية العسكرية. كما أن له عمود أسبوعي، يوم الخميس، في جريدة الأهرام المصرية ومقال أسبوعى يوم السبت فى جريدة أخباراليوم.