دخلت حرب غزة شهرها الرابع، مخلفة العديد من الأزمات، ليس في المنطقة فحسب، وإنما في كافة دول العالم، خاصة بعدما اتسعت دائرة القتال لتشمل البحر الأحمر، مهددة بذلك سلاسل الإمداد العالمية، وهو ما يؤكد مقولتي بأننا نعيش في عالم الأواني المستطرقة، بمعنى أن ما يجري في مكان ما، تنعكس آثاره على باقي أنحاء العالم، تماماً مثلما حدث عند تفشي وباء كورونا، ومرة أخرى عند بدء القتال بين روسيا وأوكرانيا، إذ تأثرت كل دول العالم، بصرف النظر عن أوضاعها الاقتصادية.
وأمام تفاقم الأوضاع، وإدراك أهمية الوصول لحلول عاجلة، لتخفيف آثار الأزمة، اتصل الرئيس الأمريكي جو بايدن، بنظيره الرئيس عبد الفتاح السيسي، للتمهيد لعقد اجتماع، في باريس، يضم مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية ويليام برنز، واللواء عباس كامل مدير المخابرات العامة المصرية، ورئيس الوزراء القطري، مع كل من مدير المخابرات الإسرائيلية “الموساد”، ومعه مدير جهاز الأمن العام الإسرائيلي “الشاباك”، لبحث الوصول إلى حل نهائي للمشكلة داخل قطاع غزة.
يأتي السعي الأمريكي، الحالي، لإنهاء الحرب، خلال الأسبوعين القادمين، قبيل بدء الحملات الانتخابية الرئاسية، بعدما خسر الرئيس، جو بايدن، الكثير من النقاط في الانتخابات التمهيدية، أمام غريمه الجمهوري، دونالد ترامب، بسبب سياسته في إدارة ملف حرب غزة. وبناءً عليه، توجه ويليام برنز إلى فرنسا، يوم الأحد الماضي، حاملاً معه مسودة النقاط الخلافية بين الجانب الإسرائيلي، والجانب الفلسطيني، سواء السلطة في رام الله، أو المقاومة في غزة، في محاولة للوصول لاتفاق بشأنها، وفق ما ذكرت المصادر الإعلامية، والتي يمكن إجمالها في ثماني نقاط.
كانت النقطة الأولى، هي وقف إطلاق النار؛ حيث طلب الجانب الفلسطيني وقفاً دائماً للقتال، بينما رفضت إسرائيل ذلك، واقترحت هدنة مؤقتة لمدة شهر أو شهرين. أما ثان نقاط الخلاف فكانت بشأن تبادل الرهائن الإسرائيليين بالأسرى والسجناء الفلسطينيين، والذي اشترطت المقاومة الفلسطينية ألا يتم إلا بعد الوقف الدائم لإطلاق النار، بينما عرض الجانب الإسرائيلي إطلاق صراح كافة الرهائن، مقابل الإفراج عن بضعة آلاف من الأسرى في السجون الإسرائيلية، دون ربط ذلك بوقف القتال بصفة دائمة.
وفيما يخص النقطة الثالثة، فتدور حول وضع أساس للدولة الفلسطينية، بعد إجراء انتخابات جديدة تضم غزة والضفة الغربية، وهو الأمر الذي يرفضه نتنياهو، ويصر عليه جو بايدن. وهو ما يرتبط برابع نقاط الاختلاف، والتي تقضي بتعيين حكومة تكنوقراط فلسطينية، بعد رحيل قوات الاحتلال من غزة، لإدارة انتخابات رئاسية جديدة في فلسطين، على أن يكون دور الرئيس الفلسطيني غير تنفيذي، وهو الأمر الذي لا يلاق قبولاً إسرائيلياً. أما خامس النقاط الخلافية، فكانت في إصرار الجانب الإسرائيلي على خروج جميع قادة حماس من غزة إلى أي دولة أخرى، وهو الأمر الذي ترفضه، بالطبع، قيادة المقاومة.
واختلف الجانبان، الإسرائيلي والفلسطيني، في نقطة سادسة، بشأن الإطار العام المنظم، لتعيين حكومة فلسطينية جديدة، لتولي السلطة في الضفة الغربية وغزة، بعد الانتهاء من الانتخابات الرئاسية، التي ستمنح الرئيس الفلسطيني دوراً شرفياً في القيادة الجديدة. أما النقطة السابعة، ففي إنشاء قوة سلام، من الدول العربية، لإدارة غزة، بعد خروج القوات الإسرائيلية، وذلك لمتابعة الانتخابات الرئاسية، ومن ثم تسليم الأمور للسلطة الفلسطينية في رام الله. وأخيراً رفض الجانب الإسرائيلي الاقتراح بأن تقدم الولايات المتحدة الأمريكية خطة السلام إلى مجلس الأمن، لاستصدارها في صورة قرار ملزم لكافة أطرافه..
وفي سياق متصل، قام وزير الخارجية البريطاني، ديفيد كاميرون، بجولة في المنطقة، التقى خلالها برئيس الوزراء الإسرائيلي، ثم بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، في رام الله، واقترح خطة للسلام تقوم على خمس محاور، تدور جميعها حول ذات المقترحات التي حملها ويليام بيرنز، كما أعلنت صحيفة فايننشال تايمز، تماماً، مثلما فعلت عشرة دول أخرى، طبقاً لصحيفة نيويورك تايمز، إلا أن ما يميز المقترح الأمريكي، هو وضعه لآلية التنفيذ، في حال التوصل إلى اتفاق بين كافة الأطراف بشأن النقاط الخلافية.
وعلى الطرف الآخر، تمكنت إسرائيل من إقناع عدداً من الدول، بتعليق تمويلها لوكالة الأونروا، التابعة للأمم المتحدة، والمعنية بإغاثة اللاجئين الفلسطينيين، والتي بدأت عملها عام 1950، ويعتمد عليها ستة ملايين لاجئ فلسطيني، سواء في الحصول على الغذاء، أو الرعاية الطبية، والتعليمية، أو التشغيل، وتنفق في ذلك نحو 1.8 مليار دولار سنوياً، توجه نسبة 48% منهم لقطاع غزة، بينما يحصل باقي اللاجئين في الضفة الغربية وكافة المناطق العربية، على النسبة المتبقية. ضمت قائمة البلدان التي علقت تمويلها لوكالة الإغاثة كل من أمريكا وكندا وإيطاليا وأستراليا وفنلندا وبريطانيا وألمانيا واليابان وفرنسا، ورغم مناشدات الأمين العام للأمم المتحدة، أنتونيو جوتيريش، لتلك الدول باستئناف مساعداتهم للوكالة، وتأكيده على فصل أفرادها المتورطين في هجوم السابع من أكتوبر، فضلاً عن ملاحقتهم جنائياً، إلا أن أي منهم لم يتراجع عن قراره.
فبعدما تصدى الرئيس عبد الفتاح السيسي والملك عبد الله لخطة نتنياهو بتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، والأردن، وبعدما فشل في تهجيرهم إلى مناطق أفريقية في دولتي تشاد والكونغو، وبعدما رفضت الدول الأوروبية السماح له بفتح معبر بحري إلى أوروبا لنقل أهالي غزة إليها، نجده مستمراً في خطته الشيطانية، بتضييق الخناق عليهم؛ فتعليق المساعدات لوكالة الإغاثة معناه عقاب جماعي للشعب الفلسطيني، وتشريد لأهالي غزة، لإجبارهم على الرحيل منها، بعدما تنقطع بهم سبل العيش فيها، وهو ما لم يكن يسيراً، حتى قبل السابع من أكتوبر!