دعيت لحضور حفل زفاف فى أحد الفنادق الفاخرة خارج أسوار القاهـرة. وبعد جهد ومناورة والإستعانة بكافة أساليب المحاورة وصلنا إلى القصر المنشود كأنه قلعة على شفير أخدود. توجهت إلى فتاة حسناء تتوارى خلف مقعد منيف أسألها أين الطريق فأجابت أى زفاف تقصد فاليوم لدينا عروسين وحفل عقيقة وهى سنة أحياها أهل الطريقة!
وكأنا فى موقعة ذات الخمار حين أردفت بأسماء عمر وعمير وعمار وعلى أن أتوجه إلى القاعات ثم أختار. هبطت إلى الدرك الأسفل من الفندق الحصين وشعرت كأنى مجاهد فى موقعة حطين قاعات فسيحة وأرائك مريحة تخال أنك فى مطار (أتلانتا) ولست فى ميدان الساعة بطنطا بالرغم من أنك قاب قوسين من المقطم والقطامية وملاعب قصر الشوق والحبانية. عن يمينى موائد ممدودة وعن يسارى بالونات مشدودة فلم أتبين أى سبيل أسلك حتى ولو كان فى الزفاف رهط من أهلك.
تطورت صناعة الضيافة منذ مائتى عام تقريبا وتحسنت معايير الخدمة بمرور الزمن وإبتكار التقنيات من دخول الكهرباء واستخدام المصاعد وتوفير الماء وكذا رنين الهواتف وتعطير المناشف. ناهيك عن عجائب الحاسوب فى الحجز والنسخ والرابح والمسلوب.
إصطلح أهل الصناعة على تثبيت لوحة فى بهو الفندق تعلن عن المناسبات التى ينظمها الفندق من ندوات واجتماعات ومعارض وحفلات ومناسبات إجتماعية وتجارية. توضح تلك اللوحة نوع المناسبة ومتى تنطلق وإسم القاعة التى تقام فيها والطابق المخصص لإستقبال الضيوف والرواد. إلا أن فنادقنا العامرة ذائعة الصيت ضربت بكل القواعد عرض الحيط وكأنها تعطرت بعطر منشم وسفكت دماء قيس وأسلم. فأغفلت عن عرض تلك اللوحة التى يقوم قسم الولائم والحفلات بتجهيزها وتعاونه فى ذلك كافة الأقسام. الفنادق الأكثر تقدما تعرض شاشات الكترونية تبث ما تيسر من مناسبات يديرها الفندق ببراعة وإتقان ولا بأس من الترويج لبعض السلع والخدمات.
فى مطلع الألفية الثالثة وسكان كوكب الأرض يحجزون مواقعهم فى المجرات والأفلاك هروبا من اليابسة لا زالت هيئات السياحة الرسمية فى مصر تحدثنا عن خبراء الجودة الذين يجوبون البلاد ويطهرون الفساد ويصلحون المعوج وهو كلام رائع وأمانى كاذبة كخدعة الفيل الأزرق فلا ندرى عن أى جودة يروجون أو أى كنز يفتشون. يجتمعون فى شرم الشيخ ويتحاورن كأنهم يتأهبون لغزو بنى خزيمة فى هجير الصيف. فلا نعرف عنهم سوى أحاديث مبتورة وموارد مهدورة وأقدار مغدورة.
الأعجب أنك عند مغادرة الحصن المهيب يباغتك فتى عبقرى أريب يطلب منك 100 (مائة) جنية مصرى لا غير قيمة صف السيارة وكأنك نجوت من غارة أو هبطت من (نويبع) على متن عبارة. سائر فنادق كوكب الأرض وزحل تقوم بمهر تذكرة صف السيارة بخاتم ثمين وتشكرك على زيارة الحصن المهيب فلولا تدفق الضيوف على منتجع الرقيم لعاش مالكوه حتى يدركهم جنى لئيم أو عتل زنيم.
أما فوضى الحمامات فهى نموذج لإهدار الذات وسوء التصميم والإدارة بخلاف تزيين أعمدة قاعات الأفراح بنسيج شفاف قد يشتعل ذاتيا أو يندلع فيه اللهيب عند نشوء أدنى خلاف. اللهم يا خفى الألطاف نجنا من بيانات السياحة الرسمية التى تصب فى جنباتنا ليل نهار وتزلزل منا الأعطاف !