عندما بدأت حرب غزة، يوم 7 أكتوبر 2023، بين فصائل المقاومة الفلسطينية وقوات الجيش الإسرائيلي، لم يكن من المتوقع استمرار القتال حتى كتابة هذه السطور. ورغم محاولات إسرائيل الحثيثة لإخفاء حقيقة خسارتها، إلا أنها لم تستطع إخفاء سحب “اللواء الجولاني”، في حركة مفاجأة، من ميادين القتال إلى المنطقة اللوجستية، خلف الصفوف المقاتلة، لإعادة تأهيله، بعد الخسائر التي مني بها في القتال.
يعد “اللواء الجولاني” أشهر الوحدات الإسرائيلية، وأقدمها في الجيش الإسرائيلي، والذي يُطلق عليه اللواء النخبة، باعتبار ضباطه وجنوده من أمهر قوات الجيش الإسرائيلي. وبشكل عام، تشير كافة النتائج إلى أن معدلات خسائر القوات الإسرائيلية، بهذه الحرب، فيما يخص القوة البشرية من الضباط والجنود، هي الأعلى في تاريخ جميع الحروب السابقة التي خاضتها إسرائيل.
ومن وجهة نظري، ترجع تلك الخسارة إلى خطأين رئيسين لدي إسرائيل، يتمثل الخطأ الأول في اعتماد إسرائيل على أسلوب خاص في تنظيم جيشها، يختلف عن المعمول به في كافة جيوش العالم، إذ يتم اختيار الضباط من صفوة الجنود، ليتم تأهيلهم بعد ذلك في الأسلحة المتخصصة.
لذا لا تجد بإسرائيل كلية حربية، وهو الأمر الذي أظنه سيتغير بعد حرب غزة الجارية، وستعود إسرائيل إلى المدرسة العسكرية العالمية، المعتمدة على وجود كلية حربية.
أما الخطأ الثاني فيتمثل في أسلوب القتال الذي يعتمد على تقدم القائد للصفوف، مثلما حدث في منطقة الشجاعية، عندما تقدمت المجموعة الإسرائيلية الأولى، بقيادة واحداً من الضباط، لتفتيش أحد المباني المهدمة، فوقعت المجموعة في كمين لقوات حماس، التي خرجت من بين الأنفاق، وأحدثت بهم خسائر هائلة. وكانت النتيجة انقطاع الاتصال بالوحدة، بعد قتل الضابط المتقدم للصفوف، وتكرر الأمر مع الوحدة الثانية، التي تقدمت لدعم الوحدة الأولى، فتم القضاء عليها.
وهنا تم الدفع بقوات الاحتياط، بقيادة قائد الكتيبة 13 من “اللواء الجولاني”، فقُتل هو الآخر. لذا أظن أن إسرائيل ستبدأ، في القريب العاجل، في إعادة حساباتها، والتفكير جدياً في ضرورة تعديل أساليبها القتالية، وعدم دفع بالقادة إلى المقدمة، والالتزام بالأنماط العسكرية المتعارف عليها، والمطبقة، في العالم كله.
والحقيقة أن تلك الحرب قد أعادت كشف الأسطورة أو الأكذوبة الإسرائيلية، بأن جيشهم لا يقهر، وفي هذه المرة على يد المقاومة الفلسطينية في غزة، خاصة بعد ظهور ضعف جهات الاستخبارات الإسرائيلية الثلاث؛ الموساد والشباك والمخابرات الحربية أمان.