في يوم 21 أكتوبر من عام 1967، نجحت البحرية المصرية في إغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات، أمام سواحل بورسعيد،. تلك المعركة العظيمة، التي نفذها أبطال البحرية المصرية، بواسطة لنشي صواريخ، انطلقا من ميناء بورسعيد، فور أن رصدت قاعدة بورسعيد البحرية، “هدف كبير”، على شاشات الرادار المصرية، مخترقاً المياه الإقليمية المصرية. فانطلق اللنشان، على الفور، واستطاعا إصابة المدمرة بصاروخ في جانبها، فبدأت تميل، فلاحقاها بصاروخ ثانٍ، أجهز عليها، تماماً، لتغرق، عندئذ، وعلى متنها 199 فرد، منهم 99 من طلبة الكلية البحرية الإسرائيلية، الذين كانوا في رحلة تدريبية … وتدخلت رئاسة الأركان الإسرائيلية بعدها، وطلبت من مصر السماح لها بانتشال جثث الغرقى، فسمحت لهم مصر بذلك.
كانت تلك العملية السبب في تغيير مفهوم الفكر العسكري البحري في العالم كله، من حيث نوع وحجم القطع البحرية لكل دولة … ونوعية التسليح … وشكل الرادارات الحديثة. هذه المدمرة الإسرائيلية، إيلات، فخر البحرية الإسرائيلية، آنذاك، ولم يكن عمرها قد تجاوز 25 عاماً، فقط، عندما انضمت للأسطول البحري الإسرائيلي، في شهر يونيو من عام 1956، ضمن صفقة مع بريطانيا، ضمت المدمرة الثانية يافا.
لم تكن عملية إغراق المدمرة إيلات، هي العملية الوحيدة، أو الأخيرة، التي تنفذها البحرية المصرية، بنجاح، ضد العدو الإسرائيلي؛ فقد شهد ميناء إيلات، خلال حرب الاستنزاف، ثلاث عمليات عسكرية مصرية، ضد القطع البحرية الإسرائيلية المتمركزة هناك … ثلاث عمليات، أوجعت العدو، وكبدته خسائر مادية، ومعنوية، هائلة، تم خلالهم تدمير السفينة الإسرائيلية “بات شيفع”، وناقلة الجنود “بات يام”، وكذلك تدمير الرصيف الحربي لميناء إيلات، تمت جميعها بتوقيع الضفادع البشرية المصرية، بالتعاون مع المخابرات المصرية.
فبناء على ما تجمع للقيادة المصرية من معلومات حول تحركات السفينة “بات شيفع”، وناقلة الجنود “بات يام”، تم وضع خطة، تعتمد على بديلين، لتدميرهما، وتحدد لها يوم 16 نوفمبر 1969 للتنفيذ. اعتمدت الخطة على تشكيل ثلاث مجموعات من الضفادع البشرية للسفر إلى ميناء العقبة الأردني، والتحرك منه حال مبيت السفينتين في ميناء إيلات. بينما تم تجهيز مجموعتين أخريين في مدينة الغردقة، للتحرك منها حال مبيت السفن في خليج نعمة بشرم الشيخ. ولما تأكد مبيت السفن في إيلات، سبحت مجموعة العقبة في اتجاه ميناء إيلات، ولما لم يتمكنوا من دخول الميناء، قاموا بتلغيم سفينتين إسرائيليتين أخريين، هما “هيدروما” “ودهاليا”، واستشهد في هذه العملية الرقيب فوزي البرقوقي، ونظراً لما يربطهما من صداقة وطيدة، قام الملازم أول بحري، نبيل عبد الوهاب بسحب جثمان صديقه حتى الشاطئ، لمسافة 14كم، حتى لا تستغل إسرائيل جثمانه في الدعاية الإعلامية.
وبنجاح هذه العملية، حقق الجيش المصري مكسباً مادياً، إضافة إلى تحقيق نجاحات معنوية كبيرة له، وللشعب المصري بأكمله. ولم يكد يمر ثلاثة أشهر على نجاح الضربة الأولى، إلا وكانت البحرية المصرية قد خططت ونفذت عمليتها الثانية، في فبراير من عام 1970، عندما استغلت قيام إسرائيل بإصلاح بعض الأعطال التي أصابت الناقلة “بات شيفع”، مما اضطرها لعدم الإبحار خارج ميناء إيلات. كانت البحرية المصرية قد أعدت قواتها، حينئذ، والذين سافر أفرادها إلى العراق، ومنها إلى عَمّان، ثم إلى ميناء العقبة الأردني. وفي الموعد المحدد، قامت القوة البحرية بالسباحة من ميناء العقبة لمسافة 5.5 ميل بحري، وقام الملازم أول بحري، رامي عبد العزيز، بتلغيم الناقلة “بات يام”، بمفرده، بعدما أضطر معاونه الرقيب محمد فتحي للعودة إلى العقبة، عندما اكتشف نقص خزان الأكسجين. وفي ذات اللحظة، كان الضابط البحري عمرو البتانوني، ومساعده الرقيب علي أبو ريشة، يقومان بتلغيم السفينة “بات شيفع”. وفي التوقيت المحدد، حدث الانفجار، بعد عودة القوات المصرية، مرة أخرى، إلى ميناء العقبة. فكان نجاح تلك الإغارة المصرية الثانية، سبباً في تغيير قيادة سلاح البحرية الإسرائيلية بالكامل، مع اتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون تنفيذ عمليات مصرية جديدة.
وفي مايو من نفس العام، 1970، كانت البحرية الإسرائيلية قد انتهت من إصلاح السفينة “بات شيفع”، بعد ما أصابها من تدمير جراء الغارة المصرية الثانية، وعادت السفينة لحركتها الطبيعية، والتي تقتضي المبيت خارج ميناء إيلات، كجزء من التدابير الأمنية التي اتخذتها إسرائيل. فوضعت مصر خطتها لتدمير السفينة، والتي تعتمد على تثبيت لغمين بحريين، زنة الواحد منهم 150 كيلو جرام، من مادة شديدة الانفجار، في قاع ميناء إيلات، مكان رسو السفينة “بات شيفع”. ونجحت الضفادع البشرية المصرية في الوصول إلى الميناء، في أحد أيام السبت، لاستغلال موعد الراحة الأسبوعية في إسرائيل، وقاموا بتثبيت الألغام في الأماكن المقررة لها. وكان تأخر وصول “بات شيفع” إلى ميناء إيلات، سبباً في إنقاذها من انفجار اللغمين فيها، إلا أن انفجارهما أدى إلى تدمير الرصيف البحري بالكامل، والقضاء على عدد هائل من الضفادع البشرية الإسرائيلية، التي كانت موجودة في العمق، للتصدي لمحاولات الاختراق المصرية.
ولم تنس البحرية الإسرائيلية العملية المصرية لإغراق الغواصة دافار، التي توجد حطامها، اليوم، في المتحف البحري في إسرائيل، ولم تنس عملية تدمير الحفار الإسرائيلي، أمام شواطئ ساحل العاج؛ إذ تركت كل تلك العمليات المصرية، الناجحة، جرحاً غائراً في جسد قوات العدو الإسرائيلي، لتثبت البحرية المصرية أنها كانت، ولازالت، قادرة على حماية الأمن القومي المصري، وردع من قد تسول له نفسه المساس به.