المنطقة الحرةسلايدرشئون مصرية ومحليات

الدكتور عوض عباس رجب يغوص فى بحر ذكرياته  ويكتب لـ ” المحروسة نيوز “: المليجى .. وشوربة العدس وأنـــــــــا !!

في يوم 31 يوليو، 2019 | بتوقيت 8:45 صباحًا

في منتصف عام 1985 وخلال أجازة عيد الفطر المبارك ذهبت أنا و زوجتي مع أختها و زوجها صديق عمري اللواء د/ محمد عاطف (دفعتي 1976 قسم الكيمياء الحيوية ثم أنضم إلي الكلية الحربية دفعة المؤهلات العليا في نفس العام و تخرج ملازما أول في سلاح التعيينات بالقوات المسلحة) إلي نادي ضباط القوات المسلحة بمنطقة الرماية آخر الأهرام و بداية طريق الفيوم الصحراوي.

دخلت زوجتي جمانيزيوم الصالة المغطاة وبدأت تستعمل جميع الأجهزة و هي سعيدة جدا مع أختها حتى شعرت بإرهاق شديد فتوقفت عن اللعب.

انصرفت أنا و زوجتي لزيارة والدتي الحبيبة و فور وصولنا لمنزلها استقبلتنا بكل ود و ترحاب ثم نظرت أمي لزوجتي قائلة لها بتعجب شديد (لماذا يبدو علي وجهك الإرهاق الشديد؟…ردت زوجتي قائلة :لقد كنت ألعب في جمانيزيوم نادي الرماية للقوات المسلحة….نظرت والدتي الحبيبة لزوجتي قائلة :لماذا فعلتي ذلك و أنت حامل؟.. تعجبت أنا و زوجتي من كلام والدتي و قلت لها :كيف عرفتي أن زوجتي حامل و نحن لا نعرف ذلك؟..قالت والدتي بثقة بالغة : أنا متأكدة من كلامي و فور انتهاء أجازة العيد أذهب بزوجتك لدكتور التحاليل لتتأكد من صحة كلامي.

ابتسمت زوجتي ابتسامه ملئت وجهها و تفاءلت خيرا و ظننت أنا أن الموضوع ما هو ألا تمنيات (أم ) برؤية أحفادها فقط. 

في  أول يوم عمل بعد أجازة العيد طلبت مني زوجتي اصطحابها لمعمل التحاليل الطبية و كانت المفاجأة السعيدة وهي أن زوجتي حامل فعلا كرؤية والدتي الحبيبة.

اقترحت أختي الكبيرة  سناء عباس رجب ،مباشرة زوجتي لشهور الحمل لدي واحد من أعظم أساتذة طب النساء و التوليد في القصر العيني وهو العالم الجليل الكريم أ.د/محمد محمد محمد المليجي و هو الطبيب الذي كان يباشرها في حملها لأبنها الحبيب محمد مصطفي.

العالم الجليل الكريم أ.د/محمد محمد محمد المليجي

كانت عيادته تقع في منطقة باب اللوق بجوار محطة مترو حلوان القديمة و سنترال باب اللوق و كان أ.د/ المليجي يحظي بحب جميع طبقات الشعب لقناعته بمهنته و مراعاته لربه وحرصه علي مريضاته وتفانيه في خدمتهن لذلك كانت عيادته تكتظ بالعشرات يوميا وكان حريصا علي عدم المغالاة في قيمه الكشف و المتابعة بما لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة من الجنيهات عكس زملائه و تلاميذه من كبار أطباء النساء و التوليد الذين تجاوز أجرهم عشرات الجنيهات.

كان أستاذا رحيما بمريضاته و يساعد من لا  تستطيع منهن دفع قيمه الكشف أو تكاليف الولادة،..أحبته مريضاته حبا جما و كذلك أزواجهن .

كنا نذهب للعيادة من الساعة السادسة مساء و لا نغادرها قبل الساعة الثانية صباح اليوم التالي مما كان يسبب إرهاقا شديدا لي ولزوجتي وحاولت إقناع زوجتي بالذهاب لطبيب آخر لكنها رفضت وصممت علي الاستمرار مع أ.د/المليجي ،في كل زيارة كنت أحتد علي سكرتيرته لتأخر الدكتور في متابعة زوجتي و كان صوتي يعلو دائما في أرجاء العيادة فيسمعه الدكتور /المليجي فيخرج من حجرته غاضبا ليوبخني و يطلب مني الهدوء و الانتظار و لم أكن أقتنع بأسباب التأخير وكان يضحك في وجهي و يقول لي بكرة سوف تعرف سبب تأخري في العيادة و تحملني  وكان يبتسم في وجهي كلما أعلنت عن غضبي لتأخر زوجتي في موعدها بالعيادة….  وبذلك بدأت بيني و بين أ.د/ المليجي علاقة حب إنسانيه  و احترام متبادل بين  التلميذ (كنت وقتئذ مدرس مساعد) وأستاذة العالم الجليل في طب النساء و الولادة،.حتى  أقترب موعد الولادة والحمد لله.

في يوم  الخميس 13 فبراير1986 دعوت الأستاذ الدكتور / جون الن المشرف الرئيسي لرسالة الدكتوراه الخاصة بي و هو انجليزي الجنسية علي حفل عشاء علي شرف زيارته لمصر للتعرف علي قبل سفري لبعثة الأشراف المشترك في North East  Wales Institute For Higher Education وأثناء تناولنا للعشاء أحست زوجتي بآلام و علامات الوضع فاتصلنا بالطبيب أ.د/المليجي  فطلب مني سرعة الذهاب فورا للمستشفي استعدادا للولادة، وقعت انا و زوجتي في حيص …بيص…ماذا نفعل مع الخواجة الذي يتناول طعام العشاء ؟..و كان سعيدا جدا بالطعام المصري من طهي زوجتي، ولكن العقل تغلب علي الواقع و تحدثت مع الخواجة وقلت له ضرورة الذهاب مع زوجتي للمستشفي فورا استعدادا للولادة دون استكماله لطعام العشاء الذي كاد أن يخرج من عيونه .

وافق الخواجة علي مضض وغادرنا أنا و هو و زوجتي لمقر أقامته بدار الضيافة بجامعة القاهرة و استكملت أنا و زوجتي الطريق لمستشفي الصفا بالمهندسين ،و صلنا المستشفي و كانت المفاجأة السعيدة وصول أ.د/ المليجي في نفس الوقت و نظر إلي ضاحكا و الابتسامة  من القلب تظهر علي ثغرة الجميل و قال لي…ولدي الحبيب (عوض) هل علمت الآن سبب تأخري في العيادة عن استقبال زوجتك في كل زيارة لكما في العيادة، السبب هو موعد وصول طفل جميل في توقيت محدد من عند الله و لا يمكنني أن أتأخر عنه ،حتى ولو أتأخرت عن كل مريضاتي بالعيادة،.ضحكت و شكرته علي كرمه و عطفه و رحمته .

في يوم الجمعة 14 فبراير و في تمام الساعة الواحدة صباحا وصلت الأميرة سارة عوض عباس رجب وكانت مولودة جميلة وصلت يوم عيد الحب في أوروبا والعالم VALANTINE DAY وصلت ومعها كل السعادة والحب لوالدها و أمها و كل أفراد الأسرة الذين وصلوا المستشفي تباعا.

خرج أ.د/ المليجي من غرفة العمليات و بارك لي وصول (سارة) بالسلامة و أطمئنيت منه علي صحة زوجتي و المولودة ،..نظر أ.د/ المليجي في ساعته وكانت تدق الثانية صباح الجمعة وقال لي أترك حماتك تبيت مع زوجتك و سارة وتعالي معي أوصلك لمنزل أسرتك بشارع 26 يوليو بوسط البلد في طريقة لمنزله بشارع القصر العيني ، استأذنت من زوجتي و توجهت للسيارة مع أ.د/ محمد المليجي(أجمل معاني الحب و التواضع و الإنسانية من أستاذ جليل من أشهر الأطباء في مجاله مع معيد بسيط أعتبره واحد من أبناءة و أحبة لوجه الله).

انطلقت سيارة أ.د/محمد المليجي في طريقها لميدان التحرير وتحدث معي بحب و مودة يطمئنني علي زوجتي و أميرتي الصغيرة(سارة)  وأثناء ذلك قبل الوصول كوبري قصر النيل مباشرة قال لي أ.د/محمد المليجي أن أقصي مايتمناه الآن من الله أن يرزقه بطبق شوربة العدس الأصفر الساخن( في ذلك الوقت كانت الأزمات في المواد الغذائية أمر عادي و كان العدس الأصفر غير موجود في الأسواق لذلك كان أمنية صعبة التحقق للأستاذ د/محمد المليجي،.في صباح يوم الولادة كنت قد ذهبت للجمعية التعاونية بجوار سور حديقة الحيوان بجوار الباب الخلفي للكلية لشراء عدس اصفر برغبة خاصة من أختي الكبيرة /سناء عباس رجب و اشتريت لها عدد 2 كيس عدس أصفر ).

نظرت ضاحكا للأستاذ الدكتور/محمد المليجي و قلت له (شوبيك لوبيك العدس الأصفر بين أيديك ) و أخرجت كيس العدس من حقيبتي التي تلازمني في جميع تحركاتي. ، تعجب أ.د/محمد المليجي و توقف بسيارته علي كوبري قصر النيل  و نزل من السيارة و وقف علي الكوبري يناجي الله العزيز الحكيم و يشكره بخشوع عظيم شكرا و تقديرا لتحقيق أمنيته في العدس الأصفر ….نظر الي و قال لي منذ هذه اللحظة لا يفرق بيننا إلا الموت فقط لقد تحققت لأول مرة في حياتي أمنية فور البوح بها دلاله علي أن الله راض عني و تحققت هذه الأمنية علي يد أبني الحبيب (عوض) وذلك يدل علي قربك من الله ليحقق أمنيتي علي يديك…صمم أ.د/ المليجي علي توصيلي حتى باب منزل أسرتي وهو في قمة السعادة والرضاء.

في صباح يوم السبت أتصل بي الخواجة أ.د/جون الن و طلب مني زيارة زوجتي في المستشفي و جاء و معه أجمل باقة ورد وكان سعيدا جدا بما حدث في حفل العشاء الذي لم يكتمل بسبب وصول الأميرة (سارة عوض) .

بعد أسبوع من الولادة ذهبت ومعي زوجتي لعيادة أ.د/محمد المليجي لفك سلك عمليه الولادة و علم سيادته بوجودي في الخارج فخرج من مكتبه و جاء بوجهه المبتسم الجميل  ليستقبلني بنفسه و سمح لنا بالدخول فورا لأول مرة منذ معرفتنا به وكنت قد وضعت تكاليف الولادة في ظرف مغلق و مددت  يدي له بالظرف فنظر الي بتعجب شديد و مودة قائلا ماذا تفعل يا ولدي الحبيب هل نسيت أنك الملاك الذي تحقق علي يديه أمنيتي  الغالية لأول مرة في حياتي.

ضحكت و قلت له العدس الأصفر غالي؟…قال لا يا ولدي الموضوع ليس العدس الأصفر …الموضوع هو أن يحقق الله لك أمنية مهما كان قيمتها المادية ..المهم القيمة المعنوية في رضاء الله عنك.

رفض الأستاذ و العالم الجليل الحنون أن يتقاضي تكاليف الولادة رفضا شديدا و أعتبرها هديه للأميرة (سارة عوض) .

هكذا تكون المودة والرحمة والحب بين المصريين في كل عصر و زمان….يظل الشعب المصري يمتلك مفاتيح الحب و السعادة التي لا يعرفها العالم الغربي.،..تعلمت من أ.د/محمد المليجي درسا عظيما في التعامل بين الأستاذ و تلاميذه،.بين الطبيب و مرضاه.،بين الكبير و الصغير، بين الأب و أبنه حتى ولو لم ينجبه .، الإسلام دين الرحمة والمودة.

و الحمد لله كنت تلميذا مطيعا و سرت علي نهج أ.د/محمد المليجي مع تلاميذي في التعامل بحب و احترام و رحمه و مودة و مازالت علاقتي به و أسرته قائمه حتى الآن.

أنني أرجو من كل من يقرأ هذه القصة أن يرفع يديه الي الله  ويدعو لأستاذي الحبيب أ.د/محمد المليجي بالسعادة والرضاء و تحقيق كل الأماني  له حتى و لو كانت شوربة العدس الأصفر.

ياتري هل هناك الآن طبيبا لا يحصل علي تكاليف اي عمليه جراحية قبل دخول المريض غرفة العمليات؟..الرحمة فوق كل شيء!!

كاتب المقال 

الدكتور عوض عباس رجب محمد

 مقرر لجنه معاهد السياحة و الآثار بقطاع التعليم   بوزارة التعليم العالي

 ‏أستاذ الكيمياء الحيوية كلية الزراعة جامعة القاهرة‏ 

مدير مركز جامعة القاهرة للتعليم المفتوح الأسبق

[email protected]

[email protected]

   

مقالات ذات صلة