كنت أتابع، منذ فترة، أحد البرامج التليفزيونية، الذي يُعرض على واحدة من القنوات المصرية، فوجدته من أهم البرامج، التي تعطي الأمل للشباب، وتفتح لهم آفاق جديدة للعمل في المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغير، من خلال عرض لنماذج، وقصص نجاح، حقيقية، من أرض الواقع، دون مبالغة، أو تجميل. وفي تلك الحلقة استمتعت بمشاهدة قصة شاب مصري، بدأ مشروعاً لتربية النعام، بفكرة بسيطة للغاية، قائمة على إحاطة قطعة أرض بسور، وإقامة مبنيين؛ أحدهما كمخزن، والآخر للمتابعة. وتابعت، باستمتاع، حديث الشاب الجامعي، الذي رفض انتظار الوظيفة “الميري”، وقرر خوض التجربة، بتنفيذ مشروع، حقق له نجاحاً كبيراً في غضون أربع سنوات.
وتصادف أن كنت، بعدها، في زيارة لمدينة الفيوم، وهناك التقيت بعدد من الأصدقاء، فروى لي أحدهم أن ابنه طلب منه فداناً من الأرض، لإقامة مشروعاً لتربية النعام، طالباً مني إثناء ابنه عن تلك الفكرة، لتخوفه من عدم خبرته في ذلك المجال، من ناحية، واعتماداً على ثقة الابن في آرائي من ناحية أخرى. فناديت على الابن الشاب لأسمع رأيه، فقال لي أنه لا يرغب في انتظار البحث عن وظيفة، وأنه أعجب بفكرة تربية النعام، بعد مشاهدة نفس حلقة البرنامج على التليفزيون المصري، وبعدها أجرى عدداً من الاتصالات، فعرف بوجود جمعية لمربي النعام، في مصر، تقدم لمثله النصح والمشورة اللازمة، لضمان نجاح المشروع، اهتماماً منهم بتعميم الفكرة، لذا طلب من والده أن يخصص له فداناً لإقامة المشروع، دون تحميله بأية أعباء إضافية.
والحقيقة أن حماس الابن أقنعني أكثر من مخاوف الوالد، الذي حملته على القبول، بصعوبة، أن يمنح ابنه فرصة التجربة، والاعتماد على الذات، خاصة وأنه لن يخسر شيئاً، فحتى إن لم يُكتب للمشروع النجاح، فلن يخسر الأرض. وعدت من الفيوم، ولم أتابع ما حدث، حتى كنت في زيارة أخرى، في الأسبوع الماضي، وطلبت رؤية الشاب المكافح، الذي حضر فوراً، وما أن رآني حتى عانقني، طويلاً، وبدأ يحكي لي عن مشواره طوال العامين الماضيين، منذ أن بدأ مشروعه على أرض والده، بقرض ميسر، من أحد البنوك الداعمة للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وعن استفادته من جمعية مزارعي النعام في مصر، حتى اكتمل مشروعه، بل وحقق أرباحاً مكنته من سداد كافة التزاماته للبنك، وإعادة الأرض لوالده، وشراء قطعة أرض جديدة، مساحتها أربعة فدادين، من أراضي الاستصلاح الزراعي، ووضعها ضماناً لقرض جديد من البنك، ليضاعف مشروعه ثلاث مرات، يقيناً منه بتوفيق ربنا له.
واستمتعت بحب الشاب لمشروعه، وكيف أن لحم النعام مطروح، حالياً، بالمجمعات، وأن الشعب المصري سيتعود على استهلاكه، كمصدر جديد للبروتين، مضيفاً أنه بعد حصوله على قطعة الأرض من والده، كلفه المشروع 70 ألف جنيه، وأدر عليه أرباحاً وصلت إلى 400 ألف جنيه سنوياً في المتوسط، موضحاً أن كل نعامة تضع نحو 120 بيضة في العام، في الفترة بين شهري مارس وأكتوبر، يكون معظمها مخصب، فتباع البيضة المخصبة منها بنحو 1000 جنيه، بينما يبلغ سعر غير المخصبة نحو 300 جنيه، أما لحومها فتباع بنحو 250 جنيه للكيلو، فضلاً عن ارتفاع العوائد الناتجة عن بيع كل ما ينتجه النعام، مثل ريش النعام الذي يبلغ سعر الكيلو منه حوالي 1500 جنيه، وكل تلك الأسعار محملة بتكلفة الإنتاج الشاملة لعمليات التحصين والتطعيمات والكشف البيطري.
وبمتابعة ما تقدمه الدولة للمشروعات الصغيرة، اتضح أن السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي قد وجه بتقديم كافة البنوك المصرية لتسهيلات تمويلية للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، عبارة عن قروض بفوائد منخفضة، وتيسيرات في السداد، وهو ما يعكس اهتمام الدولة المصرية بتلك النوعية من المشروعات، باعتبارها مساهماً حقيقياً في دعم اقتصاد الدولة، وتحسين الظروف الاقتصادية للأسر محدودة الدخل، والشباب حديثي التخرج. واستجابة لتلك الاستراتيجية، قامت البنوك المصرية وشركات الاستثمار، بتأسيس شركات متخصصة، امتدت فروعها لمعظم المحافظات، هدفها تنوير الشباب والخريجين بأهمية المشروعات الصغيرة، واقتراح مشروعات يمكنهم البدء فيها، مدعومة بدراسات جدوى تفصيلية، بدلاً من المخاطرة بمشروعات قد لا تكون ذات جدوى أو عائد اقتصادي مضمون. فتجد جمعيات مثل ريفي، وتنمية، وتمويلي، وشركة بدايتي، لتمويل المشروعات بقروض تصل إلى 200 ألف جنيه، وهو ما يسري على المشروعات المقترحة من جانب الشركات، أو من جانب الشباب ما دامت معتمدة على دراسات جدوى مالية واقتصادية منضبطة، بدلاً من انتظار الوظيفة “الميري”.
وخلال زيارة الرئيس السيسي إلى الهند، منذ شهور قليلة، تم الاتفاق على استفادة مصر من خبرة الهند في هذا المجال، باعتبارها ممن أكثر الدول، حول العالم، تنفيذاً لتلك المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر. ومن جانبها طلبت الهند الاستفادة من الخبرة المصرية في مشروع حياة كريمة، لأنه بالرغم من التقدم الصناعي في الهند، وخاصة في مجال الحاسبات الآلية وتكنولوجيا المعلومات، إلا أن الملايين من سكانها، الذين تخطى تعدادهم عدد سكان الصين، لايزالون يعانون من الفقر، وهو ما دفعها لطلب العون في تطبيق مشروع حياة كريمة، لرفع مستوى القرى الفقيرة بها.
وهكذا فإن مصر تفتح آمالاً جديدة للشباب المصري، بإقامة مشاريعهم الصغيرة ومتناهية الصغر، لدعم اقتصاد الدولة، وإيجاد فرص عمل لائقة لهم، بما ينعكس إيجاباً على مستويات معيشة الأفراد والأسر.