تعنى كل دولة من دول العالم، بملفان أساسيان؛ أولهما الخاص من١ بسياساتها الخارجية، أما الثاني فيهتم بالسياسة الداخلية، ويمكن القول مجازاً أن الملفان يشملان كافة مقومات الدولة وتوجهاتها،
كما أنهما يؤثران في بعضهما البعض بصورة مباشرة. واليوم، دعونا نحلل سوياً كيفية نجاح مصر، خلال الأعوام الماضية، في إدارة أهم موضوعات ملف السياسة الخارجية، بتوازن وحكمة، تحقيقاً لأمنها القومي.
لا يخف على أحد أن الرئيس عبد الفتاح السيسي تسلم منصبه كرئيس للجمهورية، بينما عضوية مصر معلقة في الاتحاد الأفريقي، منذ عام 2013،
رغم ما لمصر من أيادٍ بيضاء على القارة، بدأ بمبادرتها لإنشاء منظمة الوحدة الأفريقية، في عهد الرئيس عبد الناصر، لتوطيد العلاقات مع كل دول أفريقيا، فضلاً عن تاريخها المشرف في دعم وتأييد كل حركات التحرر في أفريقيا.
فقام الرئيس السيسي، فور توليه الحكم، بالمشاركة في مؤتمر القمة الإفريقية، لتعود مصر إلى الاتحاد الإفريقي، قبل أن تتولى رئاسته، في عام 2019.
وفيما يخص أزمة سد النهضة، فتستمر مصر، من خلال القنوات السياسية والدبلوماسية، في بذل الجهد لحلها،
حتى أن الرئيس السيسي قد أعلن عن استعداده لمساندة خطط التنمية في أثيوبيا، بتنظيم مياه النيل، مع الحفاظ على حقوق مصر، وفقاً للاتفاقات الدولية.
وعلى صعيد القوى العظمى، فقد كانت العلاقات المصرية الأمريكية في أسوأ حالاتها خلال عهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما،
وبعد وصول الرئيس السابق دونالد ترامب إلى الحكم، ازدهرت العلاقات الثنائية، اعتماداً على التفاهم والتوافق المشترك بينه وبين الرئيس السيسي في مختلف القضايا، فعادت المعونة العسكرية بعد سنوات من تجميدها، وعادت معها تدريبات النجم الساطع،
كما أيد الرئيس ترامب وجهة نظر الإدارة المصرية خاصة في القضايا التي تمس أمنها القومي، ومنها أزمة سد النهضة.
ومع تولي الرئيس جو بايدن إدارة البيت الأبيض، سادت حالة من الترقب لمستقبل العلاقات المصرية الأمريكية، حتى بادر الرئيس الأمريكي بالاتصال بنظيره المظصري، للإعراب عن تقديره لجهوده في تحقيق أمن واستقرار المنطقة، بالوساطة لوقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، في حرب غزة الرابعة.
وهو ما تكرر بعد جهد مصر في إيقاف إطلاق النار في حربي غزة الخامسة والسادسة، بما يؤكد على يقين الولايات المتحدة من كون مصر مفتاح استقرار منطقة الشرق الأوسط.
وقد عزز الرئيس بايدن موقفه بالموافقة على عقد صفقة أسلحة أمريكية مع مصر بقيمة 2،5 مليار دولار، اعتبرها الأهم خلال الخمسة عشر عاماً الماضية، تقديراً لدور مصر، والرئيس السيسي، في تحقيق استقرار المنطقة.
ورغم تعقد ديناميكيات تحقيق التوازن بين قطبي القوى العالمية، إلا أن الأحداث دللت على قوة وتميز ومتانة العلاقات الثنائية بين مصر وروسيا، بما شهدناه على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية، سواء بقيام روسيا ببناء المفاعله النووي المصري في منطقة الضبعة، أو ه استثمارية داخل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، أكبر منطقة صناعية روسية خارج أرضيها، أو من خلال إمداد مصر بمعدات عسكرية، أو التعاون في تطوير مصانعها الحربية، التي لم تشهد تطوراً، منذ إنشائها، إلا في عهد الرئيس السيسي.
وإذا ما انتقلنا إلى قارة أوروبا، فسنشهد تميز العلاقات الثنائية بين مصر والأقطاب الأوروبيون، بداية من فرنسا، التي تقف بقوة وراء موقف مصر في ليبيا، وقضية غاز شرق المتوسط، فضلاً عن الدعم العسكري، بإتمام صفقات طائرات الرافال وحاملات الطائرات الميسترال والفرقاطات البحرية. وكذلك ألمانيا التي ازدهرت العلاقات معها في وجود المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، واستمرت بعد وصول المستشار أولاف شولز إلى السلطة، بمواصلة تأييد مصر في مختلف القضايا الدولية، بالإضافة للدعم العسكري من خلال صفقة الغواصات الألمانية الأربع، والفرقاطات.
أما إيطاليا التي تعمل شركاتها في أعمال التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط، والتي أتممت مع مصر صفقة لبيع الفرقاطات البحرية اللازمة لتعزيز قدراتها في تأمين الاستثمارات في البحرين الأبيض والأحمر، فقد شهدت العلاقات معها تحسناً بوصول رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني، التي انتقدت حكومات بلادها السابقة في التعامل مع قضية ريجيني، مؤكدة دعمها للعلاقات الثنائية الممتدة عبر التاريخ، بين أعظم حضارتين عرفتهما الإنسانية.
وبالاتجاه شرقاً، نحو آسيا، نلاحظ إدراك مصر لأهمية الصين كثان أكبر القوى الاقتصادية العالمية، مما دفعها لتوطيد العلاقات الثنائية معها، من خلال الزيارات الرئاسية المتبادلة، وهو ما أتى بثماره، في دعم طلب مصر الانضمام إلى تحالف بريكس، المكون من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، والموافقة عليه كدليل على تقدير قوة مصر السياسية والاقتصادية، خاصة بعد حصول مصر على عضوية بنك التنمية الجديد في منظمة البريكس. وعلى مستوى العلاقات المصرية مع تركيا، فبرغم تريث الخطوات السياسية المصرية لحل المشكلة، إلا أن مصر لم تقرر، في أي وقت، وقف التعامل التجاري مع تركيا، بل فتحت المجال لعودة السفراء بين البلدين، في خطوة للوصول إلى حل المشكلة بهدوء.ط
وعلى المستوى العربي، أحدثت مصر نهضة سياسية في التقارب مع الدول العربية، ودول الخليج، من خلال سعيها لتحقيق السلام والاستقرار في فلسطين وليبيا والسودان، باعتبارهم امتداداً للأمن القومي المصري. وهكذا نتأكد من نجاح مصر في إدارة ملف السياسة الخارجية، باقتدار، من خلال الحفاظ على علاقات سياسية متوازنة مع كافة الدول والتكتلات العالمية، وصولاً لإدراك الهدف الأعلى، وهو تحقيق الأمن القومي المصري.