أعلنت إسرائيل، أنه بمناسبة مرور 50 عاماً، على حرب أكتوبر، سيطلق أرشيف الجيش الإسرائيلي، في وزارة الأمن، موقعاً إلكترونياً جديداً، أسماه “حرب عيد الغفران”، نسبة لأن القوات المسلحة المصرية شنت هجومها، في عام 1973، في نفس يوم “عيد الغفران”، الذي يحتفل به اليهود، بطقوس خاصة، أهما التعطل عن العمل، وتفضيل البقاء بالمنازل.
وقد أفاد الإعلام العبري بأن ذلك الموقع الجديد سيعرض، لأول مرة، عدد من الملفات الأصلية، التي يُقدر عددها بنحو 15301 صورة، و6085 مستند، و169 خريطة، فضلاً عن 215 تسجيل فيديو، و40 تسجيل صوتي لشهادات عن الحرب، ولمشاهد المعارك التي دارت على الجبهة المصرية والسورية، مع عرض المناقشات والمداولات التي دارت بين صناع القرار في إسرائيل، والتي كان لها بالغ الأثر، في سير عمليات القتال، خلال هذه الحرب، بصورة دراماتيكية، من وجهة النظر الإسرائيلية، بالطبع. وأضاف الموقع أنه سيكشف، كذلك، عن الثغرات، والأخطاء، التي وقعت فيها الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، قبل نشوب الحرب، والتي كانت سبباً في تشكيل “لجنة أجرانات”، من جانب رئيس هيئة الاستخبارات الإسرائيلية، آنذاك، الجنرال إيلي عزرا، للتحقيق فيها، وتحديد المسئولية بشأنها، بعد هزيمة إسرائيل في الحرب.
كما أشارت قناة I24 الإسرائيلية، أن الاستخبارات الإسرائيلية قد أبلغت عن وجود تنسيق كامل بين دولتي مصر وسوريا، وبالطبع قيادة الجيشين المصري والسوري، مدللة على ذلك بحشدهما لقواتهما على حدود إسرائيل، بإمدادات غير مسبوقة من قبل، وهو ما كان مؤشراً على أن الدولتين قد اتخذتا قراراً استراتيجياً، لشن الحرب، دون الحاجة لاستخدام قوات إضافية، مشيرة إلى أن عدم رصد نية مصر وسوريا، يعتبر تقصيراً جسيماً من قِبل الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، يستوجب الحساب والعقاب.
وأضافت أن العميد الإسرائيلي يوآل بن فورات قد أشار في يومياته إلى فشل المخابرات الإسرائيلية في تقييم الموقف، مما أدى إلى عدم جاهزية، أو بالأحرى، غياب قوة الردع الإسرائيلي، كما كشف أنه بعد سقوط الموقع الإسرائيلي حرمون، قد علم بوجود رسائل وبرقيات، كانت قد وصلت إلى الموساد، من عملائها، قبل 36 ساعة من بدء القتال، مشفرة بكلمات رمزية، كان من المفترض أن تعلم منها إسرائيل بنية القوات المصرية في الهجوم، إلا أنه اكتشف أن القادة الرئيسيين في إسرائيل، وهم رئيس الموساد ورئيس الأركان ورئيس الاستخبارات العسكرية، لم يعلم أياً منهم عن أمر تلك البرقيات المشفرة.
جدير بالذكر، أن كافة المؤسسات العسكرية، على مستوى العالم، تنظر إلى حرب أكتوبر 73، باعتبارها آخر الحروب التقليدية بين قوتين عسكريتين، هما مصر وإسرائيل، ورغم اختلاف عقيدتهما العسكرية، بين الشرقية والغربية، وتباين تطور الأسلحة والمعدات المملوكة لكل منهما، لصالح القوات الإسرائيلية، إلا أن مصر استطاعت، من خلال تلك الحرب، أن تقدم للفكر العسكري العديد من المناهج والأساليب القتالية الحديثة، التي صارت تُدرس في أعتى المعاهد والكليات العسكرية. وإذا ما قارنت ذلك بما يجري، حالياً، من حرب بين روسي وأوكرانيا، فيتأكد لك، عزيزي القارئ، أنها لم تقدم للفكر العسكري إلا أسلوب واحد جديد، وهو استخدام الصواريخ الباليستية، في تنفيذ الضربة الابتدائية للحرب، بدلاً من الضربة الجوية، المُتعارف عليها بالضربة الافتتاحية لشن الحرب. أما استخدام الطائرات المسيرة، فبدا ضعيفاً وباهتاً، خاصة وأن كلا الدولتين لا يصنعون هذا الطراز من الطائرات، فروسيا تستخدم المسيرات الإيرانية، بينما تستخدم أوكرانيا المسيرات التركية.
أما في حرب أكتوبر 73، وما سبقها من حرب الاستنزاف، فقد أبدعت مصر في تقديم العديد من المفاهيم الجديدة في التسليح، منها استخدام القوات البحرية، بعدما أغرقت مصر المدمرة إيلات، أمام سواحل بورسعيد، تلك العملية التي كانت سبباً في انحسار تصنيع المدمرات والبوارج، لحساب الفرقاطات، صغيرة الحجم، وكثيفة التسليح والتكنولوجيا. كما قدم المصريون فكرة الحصار البحري، عن بعد، كأسلوب جديد في الفكر العسكري البحري، عندما نجحت مصر في إغلاق باب المندب أمام الملاحة الإسرائيلية، وأصبح الجيش الإسرائيلي عاجزاً عن التدخل ضد القوات المصرية التي نفذت الحصار لبعد المسافة، عن قدرة القوات الإسرائيلية.
كما قدمت مصر فكرة تحييد القوات الجوية المعادية، باستخدام حائط الصواريخ المصري، ضد تفوق القوات الجوية الإسرائيلية، كماً ونوعاً، ومن بعدها صار بإمكان أي دولة أن تتبع أسلوب حائط الصواريخ، لمنع القوات الجوية المعادية، المتفوقة، أن تتدخل في منطقة محددة، حتى وإن كانت قواتها الجوية محدودة القدرات. وأضافت القوات المصرية، في تلك الحرب، مفهوم قتال عناصر المشاة، منفردة، دون الدبابات، على عكس ما كان مسموحاً به في الماضي، فصار استخدام قوات المشاة، مع أعداد مناسبة من الأسلحة المضادة للدبابات، سواء كانت الأر بي جي أو الصواريخ المضادة للدبابات، أحد المفاهيم العسكرية التي استحدثتها مصر، بخبرة قواتها المسلحة في حرب أكتوبر 1973.
وعموماً، فإن الجميع، ليس في إسرائيل، فقط، صار مترقباً لنشر تلك الوثائق والمستندات، بعد 50 عاماً، من انتصار مصر في حرب أكتوبر 1973، للاطلاع عما ستفصح عنه، في ظل تساؤلات عن مدى شمولها وشفافيتها، بمعنى هل ستنشر إسرائيل كل ما لديها، بما لها وما عليها، أم ستخفي الكثير من الحقائق، وهو الاحتمال الأرجح من وجهة نظري، رغم أنه لا يغير من الحقيقة في شئ