أربع سنوات قضيتها في قيادة أحد القطاعات العسكرية، على الحدود المصرية الليبية، وهو ما مكنني من الإلمام بتفاصيل تلك المنطقة، خاصة المنطقة الساحلية منها، التي نعرفها اليوم باسم “الساحل الشمالي”، الذي يبدأ من غرب الإسكندرية، مروراً بالعلمين، ومرسى مطروح، حتى السلوم، حيث الهضبة الرائعة التي تطل على البحر المتوسط، والتي أذكر أن حضر إليها، يوماً، الفنان المصري، العالمي، عمر الشريف، بصحبة مجموعة من رجال الأعمال الأجانب، لاستطلاع إمكانية إقامة فندق عالمي، وهبطوا بطائرتهم الهليكوبتر، في المطار العسكري البريطاني القديم، أعلى هضبة السلوم، وانبهر جميع أفراد المجموعة بروعة المنظر، وسحره، الذي يضاهي شواطئ الريفيرا الفرنسية.
وخلال عطلة نهاية الأسبوع، سنحت لي الفرصة أن أذهب مع أولادي وأحفادي إلى الساحل الشمالي، وتحديداً في منطقة العلمين، ففوجئت أنني أسير بين جنباتها، محاطاً بأشقائنا العرب من أهل الخليج العربي، الذين انتبهوا، مؤخراً، لروعة تلك البقعة الساحرة، على البحر المتوسط. فتذكرت فترة إقامتي في العاصمة التركية، أنقرة، لمدة ثلاث سنوات، كملحق عسكري لمصر بها، تلك المدينة المحدودة، نسبياً، إلى حد كبير، مما كان يدفع معظم قاطنيها، خاصة من الأجانب وأعضاء الهيئات الدبلوماسية، للتوجه إلى ساحل أنطاليا، في عطلات نهاية الأسبوع، عبر طريق رائع بين أنقرة وساحل أنطاليا، تقطعه في ساعتين. يعتبر ساحل أنطاليا امتداداً للسواحل المصري، على البحر المتوسط، التي تبدأ من السلوم غرباً، وتنتهي في مدينة العريش، غرباً، الذي يعد أحد أجمل شواطئ مصر، لتميزه بالنخيل المصري الممتد على طول النظر، فتتشعر فيه وكأنك في أحد شواطئ ميامي بالولايات المتحدة، ثم تتصل الشواطئ المصرية بشواطئ فلسطين ولبنان وسوريا، ومنها إلى سواحل أنطاليا في تركيا، ثم سواحل جنوب أوروبا.
والحقيقة أن نموذج السواحل التركية، والرؤية التي قام عليها، ناجحة بكل المقاييس، فذلك الساحل، على امتداده، يضم مدناً سياحية جميلة مثل مرمريز التي تشبه في روعتها مدينة شرم الشيخ، ومدينة بودروم التي تشبه في سحرها مدينة الغردقة، وتضم أحد القلاع التركية القديمة، الشبيهة لقلعة قايتباي في الإسكندرية، والشهيرة بحفلات العشاء، التي تقام بها، يومياً، وسط البحر المتوسط، وتعتبر أحد الوجهات الأساسية للسياح، الذين يحتاج تأكيد حجز مكان بها، لأسبوع كامل، من شدة الإقبال عليها. ولقد اهتمت تركيا بهذا الساحل، وبتوفير الخدمات اللازمة لجنسيات السياح الذين يرتادونها، فأقامت، مثلاً، مجموعة قرى سياحية جاذبة لسياح الدول الإسكندنافية، كالنرويج والدنمارك، فتجد العاملين فيها، من الأتراك، يتقنون لغة الفلامش، ويجيدون تقديم الأطعمة والمشروبات الخاصة بأهل تلك الدول.
ورغم نجاح التجربة التركية في استقطاب نحو 30 مليون سائح سنوياً، إلى سواحل أنطاليا، وما لذلك من مردود إيجابي على الاقتصاد التركي، فهل تعلم، عزيزي القارئ، أن أي من أولئك السياح لا يجد الفرصة للاستمتاع بمياه البحر المتوسط، نظراً لقتامة مياه ساحل أنطاليا، التي تصل إلى اللون الأسود، فضلاً عن أن شواطئها صخرية، خالية من الرمال، فحتى ارتداء الحذاء عليها لا يحميك من أذى صخورها، مما يضطر السائح لقضاء إقامته حول حمامات السباحة الصناعية، خلال أشهر الصيف، القاصرة على يوليو وأغسطس. وهو ما كان يشعرني بالحسرة على عدم حسن استغلال هبة رب العالمين لنا، في مصر، سواء بروعة الطقس في معظم شهور العام، أو امتداد سواحلنا على البحرين المتوسط والأحمر، وما يتيحه كلاهما من خصائص فريدة، فضلاً عن الشواطئ الرملية الناعمة، وزرقة المياه، ونقائها، بما يمكنك من رؤية قاع البحر.
استكملت جولتي في ساحل العلمين، وسعدت لرؤية إخواننا العرب يستمتعون بكل ركن فيه، سواء في المطاعم، أو المقاهي، واستوقفني أحد الإخوة العرب، الذي بدا أنه تعرف عليّ من مداخلاتي على عدد من القنوات العربية، للحديث عن قضايا الأمن القومي، فبادرني بسؤال “الدنيا رايحة فين؟ الحرب بين روسيا وأوكرانيا هتخلص إمتى؟”. وبعد حديث بسيط، قال لي “يا أخ سمير مش حرام يبقى عندكم هذه الثروة الجميلة من أجمل شواطئ الدنيا، ولا نجد غرفة فندقية واحدة في الساحل الشمالي، بسبب قلة الفنادق، التي اضطرتنا لاستئجار الوحدات السكنية الخاصة، التي رغم روعتها، إلا أنها لا توفر لنا ما نحتاجه كعائلات خلال العطلات، بألا نشغل بالنا بإعداد الطعام، ونظافة المكان، وأن نمنح ربة المنزل الفرصة للاستمتاع بإجازتها”. ثم دعاني للنظر حولي، لملاحظة أعداد الأخوة العرب، الذين تبدو عليهم الفرحة والبهجة، مضيفاً “أنتم بالذات يا مصريين لكم مكانة خاصة في قلوبنا، وبينكم لا نشعر بأي غربة، وبكل ما تملكونه من كرم الضيافة، وجمال الشواطئ، وحلاوة المياه، واعتدال الطقس، فضلاً عن الطرق الرائعة، والمطارين اللذان يستقبلان رحلات مباشرة من معظم الدول العربية، أليس حراماً ألا يكون عندكم فنادق كافية؟”
والحقيقة أنني لم أتمكن من الإجابة أو الدفاع، أمام كلمات الحق التي قالها الأخ العربي، فالسواحل المصرية تستحق أن يُحسن إدارتها، والاستفادة منها، لتتبوأ مكانتها المستحقة على خريطة السياحة العالمية، وأتمنى، اعتباراً من العام القادم، أن يشهد الساحل الشمالي تشغيل عدد كبير من الفنادق السياحية، التي تتناسب مع أهميته، وطول شواطئه، وطاقاته الاستيعابية، خاصة في مناطق سيدي حنيش، ومطروح، ورأس الحكمة، التي أعتبرها، دون مجاملة أو تحيز، أجمل بقاع الدنيا … ويجعلك عمار يا مصر.
كاتب المقال
اللواء أركان حرب الدكتور سمير سعيد محمود فرج
Email: [email protected]
واحداً من أهم أبناء القوات المسلحة المصرية.
ولد في 14 يناير في مدينة بورسعيد، لأب وأم مصريين.
تخرج، سمير فرج، من الكلية الحربية عام 1963.
والتحق بسلاح المشاة، ليتدرج في المناصب العسكرية حتى منصب قائد فرقة مشاة ميكانيكي.
تخرج من كلية أركان حرب المصرية في عام 1973.
والتحق بعدها بكلية كمبرلي الملكية لأركان الحرب بإنجلترا في عام 1974، وهي أكبر الكليات العسكرية في المملكة البريطانية،وواحدة من أكبر الكليات العسكرية على مستوى العالم.
فور تخرجه منها، عُين مدرساً بها، ليكون بذلك أول ضابط يُعين في هذا المنصب، من خارج دول حلف الناتو، والكومنولث البريطاني.
تولى، اللواء أركان حرب الدكتور سمير سعيد محمود فرج، ، العديد من المناصب الرئيسية في القوات المسلحة المصرية، منها هيئة العمليات، وهيئة البحوث العسكرية. وعمل مدرساً في معهد المشاة، ومدرساً بكلية القادة والأركان. كما عين مديراً لمكتب مدير عام المخابرات الحربية ورئاسة إدارة الشئون المعنوية.
تتلمذ على يده العديد من الشخصيات السياسية والعسكرية البارزة، إبان عمله مدرساً في معهد المشاة، ومدرساً في كلية القادة والأركان المصرية.
لم تقتصر حياته العملية، على المناصب العسكرية فحسب، وإنما عمل، سمير فرج، بعد انتهاء خدمته العسكرية، في العديد من المناصب المدنية الحيوية، ومنها وكيل أول وزارة السياحة، ورئيس دار الأوبرا المصرية، ومحافظ الأقصر. ويشغل حالياً منصب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة NatEnergy.
وله العديد من الكتب والمؤلفات العسكرية، خاصة فيما يخص أساليب القتال في العقيدة الغربية العسكرية. كما أن له عمود أسبوعي، يوم الخميس، في جريدة الأهرام المصرية ومقال أسبوعى يوم السبت فى جريدة أخباراليوم.