أخبار عاجلةالمنطقة الحرةسلايدر

” اللواء الدكتور سمير فرج ” يكتب لـ ” المحروسة نيوز ” عن : احداث النيجر تزيد التقارب الأمريكي نحو افريقيا

في يوم 12 أغسطس، 2023 | بتوقيت 11:30 صباحًا

خلال دراستي في كلية كمبرلي الملكية بإنجلترا ومع نهاية التيرم الأول كان مطلوبًا مني أن أختار كتاب من المكتبة وأقوم بتلخيصه كتدريب على أسلوب عمل الضابط الأركان حرب. واخترت في هذا اليوم كتاب لـ “هنري كيسنجر” بعنوان “مفهوم الساسة الخارجية الأمريكيةAmerican Foreign Policy “. وحقيقي حقق لي هذا الكتاب الكثير من المعرفة والمعلومات عن كيفية صياغة الولايات المتحدة لسياستها الخارجية. وفي هذا الكتاب استعرض “هنري كيسنجر” أن أمريكا تصنع سياستها الخارجية طبقًا لمستويات الاهتمام Level of interest. وأوضح في كتابه أنه في الوقت الحالي خلال فترة السبعينات فلقد كان مستوى الاهتمام الأول للولايات المتحدة هو أوروبا والعداء مع الاتحاد السوفيتي في مرحلة الحرب الباردة، وضرورة تقوية حلف شمال الأطلسي ضد حلف وارسو الذي يمثل التهديد الأول لأمريكا. أما الاهتمام الثاني فلقد كان الشرق الأوسط الذي يمثل مصدر الطاقة الرئيسي في هذا الوقت، وضرورة استمرار أمريكا في احتواء هذه المنطقة ومنع الاتحاد السوفيتي من الوصول إليها. ويجيء الشرق الأقصى منطقة الصين وكوريا واليابان هي منطقة الاهتمام الثالثة نظرًا لقوة الصين والاتحاد السوفيتي وكوريا الشمالية أمام اليابان وهم قوة هذه المنطقة. وتجئ في مرحلة الاهتمام الرابعة للولايات المتحدة الأمريكية دول أمريكا الجنوبية لما تمثل لها من قارة مجاورة للقارة الأميريكية. وتجئ أفريقيا في مرتبة الاهتمام الخامسة أي الأخيرة بالنسبة لأمريكا.

وبتحليل هذا الفكر الذي طرحه “هنري كيسنجر” منذ أكثر من خمسين عامًا نجد أن أمريكا ما زالت تسير على نفس هذا المنهج حاليًا بخصوص أسبقيات السياسة الخارجية الأمريكية الا ان الصين صعدت وأصبحت في الاهتمام الثاني لتحل مكان الشرق الأوسط لان الصين تقدمها الاقتصادي اصبح يهدد الولايات المتحدة الامريكية وظلت أفريقيا دائمًا خارج حسابات واهتمامات الولايات المتحدة خلال الفترة السابقة. وهذا الفكر بالطبع أتاح الفرصة لباقي القوى أن تبدأ في احتواء دول أفريقيا ومحاولة بسط نفوذها على هذه القارة السوداء. وكان من أهمهم الصين أولًا التي بدأت بالتوغل بشدة في الدول الأفريقية. وبدأت بإقامة علاقات إقتصادية كبيرة معهم أهمها كانت فتح أسواق للمنتجات الصينية، ومنح هذه الدول قروض كبيرة في مجالات الاستثمارات خاصةً البنية الأساسية سواء لإنشاء السدود ومحطات الكهرباء، حتى الطرق والمطارات. وجاءت بعدها روسيا التي بدأت في الدخول إلى قلب أفريقيا بنفس الأسلوب الصيني ولكن بالتوسع في تسليح هذه الدول الأفريقية. وفجأة يبدو أن أمريكا تنبهت إلى أن ابتعادها عن أفريقيا لم يكن فكرًا استراتيجيًا سليمًا؛ لذلك قررت إعطاء مزيدًا من الاهتمام لاحتواء الدول الأفريقية، لذلك قام وزير الخارجية الأمريكية “بلينكن” بجولة إلى أفريقيا شملت دول هي كينيا ونيجيريا والسنغال والنيجر حيث بدأ بزيارة كينيا. وقررت أمريكا تقديم الدعم الكافي لها لتحقيق الاستقرار في كافة الجوانب وعلى الأخص النواحي الإقتصادية. وبعدها جاءت زيارة نيجيريا أكبر مصدر للنفط في أفريقيا، حيث إلتقى مع رئيسها الذي تكافح حكومته المتمردين الإسلاميين في منظمة بوكوحرام حيث تنفذعمليات خطف جماعي وعمليات إرهابية حيث عرضت الولايات المتحدة مساعدات أمنية لنيجيريا لمكافحة هذه العناصر الإرهابية، علاوة على دعم تنمية اقتصاديات هذه الدولة. وكذلك السنغال حيث تم الاتفاق على تقديم مساعدة اقتصادية وكانت المحطة الأخيرة هي النيجر التي تم فيها الاتفاق على تقديم مساعدات إقتصادية أمريكية لهم. وكذلك دعم امنى لقواتها بهدف مقاومة عناصر الإرهاب الإسلامي من خلالها لكل دول غرب افريقيا وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد أعلنت أن هدف زيارة “أنتوني بلينكن” وزير الخارجية إلى الدول الأفريقية هو التصدي للنفوذ الروسي الصيني في المنطقة. خاصةً أنها جاءت بعد جولة قام بها وزير الخارجية الروسي إلى الدول الأفريقية الشهر الماضي.

ومن هنا جاءت تصريحات وزير الخارجية الأمريكية “أننا نريد شراكة حقيقية ومتوازنة مع دول القارة الأفريقية، خاصةً أننا سنتعاون مع الدول الأفريقية في التصدي لأعمال الإرهاب”. كذلك كشفت التقارير أن السياسة الجديدة الأمريكية نحو دول أفريقيا سوف تتغاضى إلى حد ما على ما كانت تطالب به من قبل وهو موضوعات حقوق الإنسان، خاصةً أن اقتراب الصين وروسيا إلى دول إفريقيا كانت تتجنب إثارة مثل هذه الموضوعات.

وعلى الطرف الآخر، قام وزير الدفاع الامريكي “لويد أوستن” بزيارة دول المغرب العربي في الجزائر والمغرب، حيث أعلن قبل الزيارة “أننا سنقف مستقبلًا مع دول أفريقيا، خصوصًا من خلال (أفريكوم) وهي قوات موحدة مقاتلة أمريكية تحت قيادة وزارة الدفاع الأمريكية، وتتعاون في العمليات العسكرية مع 53 دولة أفريقية. وخلال زيارته إلى هذه الدول وقع اتفاقيات تعاون عسكري واستراتيجي بهدف تحقيق الأمن والاستقرار في شمال أفريقيا.

وهكذا بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تضع القارة السوداء أفريقيا في مرتبة متقدمة من مستويات الاهتمام الخاصة بها. وأعتقد أن نظريات “هنري كيسنجر” تغيرت لتصبح أفريقيا أحد أهم الأولويات في اهتمامات السياسة الأمريكية الخارجية في الفترة القادمة. ومن المتوقع أن تركز أمريكا على الدول الأفريقية ذات القدرة السياسية المتفوقة مثل جنوب أفريقيا التي وقفت على الحياد خلال الأزمة الروسية الأوكرانية حيث ستعمل أمريكا على استقطابها مرة أخرى. كذلك الدول الواقعة على الشاطئ الغربي لأفريقيا المواجهة للمحيط الأطلسي. كذلك الدول الغنية بالنفط مثل نيجيريا. وأخيرًا الدول ذات الثروة في المواد الأولية مثل اليورانيوم والذهب و النفط. لذلك بدأت أمريكا تغييرًا رئيسيًا في استراتيجيتها وسياستها بهدف التقارب مع الدول الأفريقية وحرمان روسيا والصين من الانفراد بدول القارة السمراء.

ومن هذا المنطلق قامت الولايات المتحدة في ديسمبر الماضي بعقد مؤتمر القمة الأفريقي، حيث تم الدعوة 49 رئيس دولة وحكومة، حيث أكدت واشنطن في هذا المؤتمر التزامها الدائم اتجاه القارة الإفريقية. خاصة التحديات التي تواجه أفريقيا حاليا، في مقدمتها الإرهاب وتنمية الاقتصاد حيث قدمت دعما ماليا لهذه الدول. وكان الهدف بالطبع، هو كسب ثقة القادة الأفريقيين، واللحاق ببكين وموسكو، حيث أصبحت أفريقيا ساحة صراع دولي على المصالح التجارية والجيوسياسية.

وفجأة جاء انقلاب النيجر ليبدد أحلام الإدارة الأمريكية، حيث وجدت أمريكا أن غرب أفريقيا بدأ يضيع منها، حيث أصبحت مالي، بوركينا فاسو، وأفريقيا الوسطى تحت السيطرة الروسية، بينما ظلت التشاد الحصن الأخير للولايات المتحدة. وقد قامت فرنسا، بمحاولة دفع دول الاكواس للتدخل العسكري، ضد قوات الانقلاب في النيجر بينما تحاول الولايات المتحدة أن تتعامل مع هذا الانقلاب بشيء من الدبلوماسية، بدلا من التعاون القوي الفرنسي. خاصة أن القوات الولايات المتحدة لديها في النيجر حوالي 1100 جندي علاوة على قوات في مطار أغادير ومن هنا سوف نجد ان الولايات المتحدة الامريكية سوف تبذل جهدا كبيرا في الفترة القادمة لمحاولة كسب ود اكبر عدد ممكن من الدول الافريقية خاصة بعد ما حدث في النيجر وهذا ما ستظهره الأيام القادمة

كاتب المقال

اللواء أركان حرب الدكتور سمير سعيد محمود فرج

Email: [email protected]

واحداً من أهم أبناء القوات المسلحة المصرية.

ولد في 14 يناير في مدينة بورسعيد، لأب وأم مصريين.

تخرج، سمير فرج، من الكلية الحربية عام 1963.

والتحق بسلاح المشاة، ليتدرج في المناصب العسكرية حتى منصب قائد فرقة مشاة ميكانيكي.

تخرج من كلية أركان حرب المصرية في عام 1973.

والتحق بعدها بكلية كمبرلي الملكية لأركان الحرب بإنجلترا في عام 1974، وهي أكبر الكليات العسكرية في المملكة البريطانية،وواحدة من أكبر الكليات العسكرية على مستوى العالم.

فور تخرجه منها، عُين مدرساً بها، ليكون بذلك أول ضابط يُعين في هذا المنصب، من خارج دول حلف الناتو، والكومنولث البريطاني.

تولى، اللواء أركان حرب الدكتور سمير سعيد محمود فرج، ، العديد من المناصب الرئيسية في القوات المسلحة المصرية، منها هيئة العمليات، وهيئة البحوث العسكرية. وعمل مدرساً في معهد المشاة، ومدرساً بكلية القادة والأركان. كما عين مديراً لمكتب مدير عام المخابرات الحربية ورئاسة إدارة الشئون المعنوية.

تتلمذ على يده العديد من الشخصيات السياسية والعسكرية البارزة، إبان عمله مدرساً في معهد المشاة، ومدرساً في كلية القادة والأركان المصرية.

لم تقتصر حياته العملية، على المناصب العسكرية فحسب، وإنما عمل، سمير فرج، بعد انتهاء خدمته العسكرية، في العديد من المناصب المدنية الحيوية، ومنها وكيل أول وزارة السياحة، ورئيس دار الأوبرا المصرية، ومحافظ الأقصر. ويشغل حالياً منصب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة NatEnergy.

وله العديد من الكتب والمؤلفات العسكرية، خاصة فيما يخص أساليب القتال في العقيدة الغربية العسكرية. كما أن له عمود أسبوعي، يوم الخميس، في جريدة الأهرام المصرية ومقال أسبوعى يوم السبت فى جريدة أخباراليوم.

مقالات ذات صلة