يحتل الشعب الكويتي، كغيره من الشعوب العربية، مكانة خاصة في قلوب الشعب المصري، وهو ما تجلى، بوضوح، عندما غزا صدام حسين الكويت، وأعلن ضمها للعراق، فإذا بالشعب المصري ينتفض معلناً غضبه، ورفضه، لهذا الاعتداء، وإذا بأبناء الشعب الكويتي يتدفقون إلى مصر، هرباً من بطش صدام حسين، يقيناً منهم أن مصر وطنهم الثاني، الذي لا يشعرون فيه بغربة، ولا يلاقون فيه إلا بحرارة الاستقبال، وحسن الضيافة.
ففي يوم 2 أغسطس من عام 1990، تقدمت فرق الحرس الجمهوري العراقي، بأوامر من صدام حسين، مخترقة الحدود الكويتية، وقامت بالسيطرة على مراكز البلاد والعاصمة الكويتية، وقام الجيش العراقي بالسيطرة على الإذاعة والتليفزيون الكويتي. وفي يوم 4 أغسطس قامت السلطات الموالية لصدام، بتعيين حكومة صورية، في الكويت، تحت مسمى جمهورية الكويت، بزعامة علاء حسين، أحد عملاء صدام، في محاولة لإقناع العالم بأن ما يحدث في الكويت هو انقلاب عسكري، قاده الضابط الكويتي علاء حسين، الذي طلب دعم العراق للإطاحة بأمير الكويت. وبعدها أصدر صدام حسين قراراً، باعتبار الكويت المحافظة رقم 19، من دولة العراق.
وبالطبع، لم يصدق المجتمع الدولي، تلك المزاعم، وتباينت ردود أفعال الدول العربية حول ذلك الحدث، بين رفض الغزو العراقي لدولة عربية، ومساندة للموقف الكويتي، من مصر والسعودية والإمارات والبحرين وقطر وعمان وسوريا والمغرب، وبين تحفظ من دول عربية أخرى، مثل الجزائر وتونس ومنظمة التحرير الفلسطينية، مما دعا السيد الشاذلي القليبي، أمين عام جامعة الدول العربية، حينئذ، والتونسي الجنسية، أن يعلن استقالته.
وعلى مستوى مصر، فلا يخف على أحد الموقف الراسخ للرئيس محمد حسني مبارك، وجهوده، منذ الدقيقة الأولى، في إقناع صدام حسين بالعدول عن قراره، والانسحاب فوراً من الكويت، ولما لم ينصاع صدام حسين، دعا الرئيس مبارك لعقد قمة عربية طارئة بالقاهرة، في اليوم التالي، 3 أغسطس1990، لبحث العدوان العراقي على دولة الكويت العربية المستقلة، وأعلنت القمة العربية شجب الاجتياح العراقي للكويت، وطالبت صدام حسين بالانسحاب الفري، غي المشروط.
كان الدور الذي لعبه الرئيس الراحل حسني مبارك، محل تقدير واحترام من الدول العربية، والمجتمع الدولي، والحقيقة أنه ارتكز فيه على الرأي العام المصري الرافض لغزو صدام حسين للكويت واحتلالها. ولم تكتف مصر بذلك، بل دفعت بما يقرب من 40 ألف مقاتل مصري، إلى منطقة حفر الباطن، في السعودية، لتكون ثان أكبر القوى العربية، المشاركة في التحالف الدولي لتحرير الكويت، والمكون من أمريكا، والسعودية، وبريطانيا، وفرنسا، ومصر، والمغرب، والكويت، وسوريا، وعمان، وباكستان، وكندا، والإمارات، وقطر، وبنجلاديش، وكوريا الجنوبية، وأفغانستان، والأرجنتين، والنرويج، وتشكوسلوفاكيا، واليونان وبولندا، والفلبين، والدنمارك، والمجر.
ضمت القوات المصرية فرقة مشاة ميكانيكي، وفرقة مدرعة، ومجموعة صاعقة، وعناصر من الدعم النيراني واللوجستي، وقادها الفريق صلاح الحلبي، رحمه الله، والذي تولى بعد حرب الكويت منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، وعُين اللواء كمال عامر، رحمه الله. نائبا له، والذي عُين، فيما بعد، رئيساً للجنة الدفاع والأمن القومي، في البرلمان المصري. وقد جاء قرار دفع القوات المسلحة المصرية في حرب الكويت، بعد موافقة وإجماع من مجلس الشعب المصري، طبقاً لما قرره الدستور، وهو ما كان تعبيراً عن إرادة شعب مصر، ومشاعره تجاه شعب الكويت الشقيق.
وفي مذكراته، ذكر السيد الرئيس حسني مبارك، أن فترة غزو صدام للكويت كانت أقسى فترات حكمه، لما رآه من اعتداء دولة عربية على استقلال دولة عربية شقيقة ذات سيادة، مضيفاً أنه حمّل نفسه بمسئولية بذل كل الجهود الممكنة، حتى عودة الكويت إلى شعبها وحكومتها، وطرد صدام حسين وقواته الغازية. وفي الفترة من 17 يناير إلى 28 فبراير 1991، بدأت عملية “عاصفة الصحراء”، وهي الحرب التي شنتها قوات التحالف، المكونة من 34 دولة، بقيادة الولايات المتحدة، ضد العراق، بعد أن منح مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، تفويضاً للولايات المتحدة بتحرير الكويت، ومعها قوات التحالف.
قامت استراتيجية قوات التحالف على الاستنزاف، بهدف إضعاف الجيش العراقي، من خلال تنفيذ ضربات جوية، لمدة 43 يوم، وفي يوم 24 فبراير، شكلت قوات التحالف ثلاث مجموعات برية للتوغل في الأراضي الكويتية والعراقية؛ تكونت المجموعة الأولى من القوات المصرية، فقط، وكانت مهمتها التقدم باتجاه الكويت لتحريرها، وهو ما تحقق بالفعل، أما المجموعتان الثانية والثالثة، فتكونتا من باقي قوات التحالف، لمهاجمة العراق. جدير بالذكر أن القوات السورية كان لها فرقة مدرعة، في حفر الباطن، بجوار الفرق المصرية، إلا أن الرئيس السوري، آنذاك، حافظ الأسد، رفض اشتراك تلك الفرقة السورية المدرعة، في تحرير الكويت، معللاً موقفه بأنه لا يريد أن يصبح هناك ثأراً بين العراقيين والسوريين، إذا ما شاركت قواته في الهجوم، على القوات العراقية الموجودة في الكويت.
وفي يوم 27 فبراير 1991، أعلن الرئيس الأمريكي بوش، الأب، تحرير الكويت بعد 100 ساعة من الحملة بالقوات البرية، وعاد للكويت سيادتها، واستقلالها، وأثبتت مصر أنها الدعم والسند للأمة العربية، عبر التاريخ، وكانت تلك الحرب وبالاً على العراق، وشعبه، الذي مازال يعاني، حتى يومنا هذا، من عواقب، وويلات، تلك المغامرة، غير المحسوبة، التي قام بها صدام حسين.