آثار ومصرياتسياحة وسفرشئون مصريةمنوعات

الباحث الاثارى” أحمد السنوسى” يواصل سلسلة مقالاته عن محافظة الجيزة والتي لا يعلمها اكثر المصريين…(7)

في يوم 24 يوليو، 2019 | بتوقيت 11:48 صباحًا

سادسا:منطقة منف.

كانت منف من اكبر العواصم المشهورة في العالم القديم،وكانت اول عاصمة بعد توحيد القطرين.وعلى الرغم من انها ليست جبانة ولكنها تقع في الطريق من سقارة الى ميدوم ومزعونة وماتزال اثر سياحى يمكن زيارته.وكل ما تبقى من تلك المدينة لا يستغرق وسى الساعة فقط،وهى تقع الان في قرية (ميت رهينة)

وكانت منف الإقليم الأول من أقاليم مصر السفلى وعرفت باسم (انب حدج= الجدار الابيض) اما في العصر اليوناني فكان اسمها (ممفيس) وتعرف الان باسم قرية (ميت رهينة) والهة الإقليم فكان الاله (بتاح) والاله (سوكر).

وحتى بعد ان نحيت عن مكانتها وتلها العاصمة (اثيت تا وى = الفيوم) في عصر الدولة الوسطى،او (واسط = الأقصر) في عصر الدولة الحديثة،فقد ظلت من اهم مدن مصر القديمة ومن اكثرها ازدحاما بالسكان،ولم تتدهور مكانتها كاعظم مدينة مصرية الا بعد تأسيس مدينة الإسكندرية.

ويذكر المؤرخ (هيرودوت) بان قصة المدينة تبدأ بعهد الملك (مينا) موحد القطرين،وجعلها عاصمة موحدة للبلاد بالرغم من انه هو نفسه من مصر العليا (ابيدوس – سوهاج) وهذا الموقع الذى اختاره الملك له مميزات واضحة،فعلى الرغم من انه قريب من الدلتا الى درجة ان تمكن الملك من السيطرة التامة على اتباعه الجدد في الشمال،فانه غير متداخل تماما في الدلتا.وقد اقام الملك (مينا) فيها ببناء اول معبدا في التاريخ المصرى بعد التوحيد،وهو معبد الاله (بتاح) وكان كبيرا جدا وكما في النصوص القديمة.

ويذكر هيرودوت ان الملك الثانى من ملوك الاسرة الثانية وهو الملك (رع نب) انشأ بها أيضا شكلا من اشكال عبادة الحيوان واصبح أخيرا على جانب كبير من الشهرة ويعنى بذلك عبادة العجل (أبيس) ويحتمل عبادته كانت اقدم من ذلك؟؟.

فقد ذكر في حجر (باليرمو) ان اول حديث للعجل ابيس كان في عهد الاسرة الأولى وقد استمر (بتاح) على كل حال محتفظا بمكانته؟؟

وظلت المدينة شامخة طوال التاريخ وكانت اول ضربة وجهت لها هي احتلال الملك (بعنخى) لها،ولكن اظهر احترامه للاله بتاح في

معبده.وهو اول ملك كوشى (نباتا) ووضع على العرش بعد انتخابه من الكهنة ووافق الشعب الكوشي علي تنصيبه،وكان ملك على مملكة كوش.وأثناء العام 20 من حكمه هجم بعنخي من الجنوب على مصر حتى وصل إلى الدلتا،وأسس الأسرة المصرية (25) وكانت عبادة آمون قد انتشرت في النوبة،واعتنقها ملوك كوش.ووصل الى منف لجعل الكهنة يعترفون بشرعيته في حكم مصر ولذلك دخل منف وادى طقوس الاله بتاح.

ثم تلا ذلك هجوم الاشوريين على مصر وخاصة مدينة منف واستولوا على المدينة وتم نهبها مرتين،الأولى على يد (اسرحادون)

والثانى (اشور بانيبال) ومن المؤكد ان أحدا منهم لم يظهر الرحمة ما اظهره الملك بعنخى.

ثم أخيرا قام الملك الفارسى (قمبيز) المتهور بعد انتصاراته في (الفارما) بدخول المدينة وخربها وذبح حكامها وكهنتها،وقام واقترف اكبر الاثام آنذاك وهو قتل العجل ابيس.

وفى أوائل العصر الرومانى احتفظت المدينة بالكثير من عظمتها ورخائها على الرغم من انها لم تكن آنذاك اكثر من عاصمة لاحد المقاطعات المصرية،ورغم افقار قصورها الفخمة التي سرعان ما تحولت الى خرائب.فقد تعرضت بما بقى من مكانة لها لضربة قاسمة حين اصدر الامبراطور الرومى (تيودسيوس) مرسوما الى تخريب منف مما أدى الى تخريب المعابد وتحطيم التماثيل،وحل الخراب تماما بها وظلت هكذا حتى دخول الإسلام الى مصر..

وعند الفتح الاسلامى لمصر سلم حاكم مصر (المقوقس) المدينة الى (عمرو بن العاص) وكانت مخربة كما سبق القول من قرون سابقة وعندما أسس المسلمين العاصمة الأولى لهم وهى (الفسطاط) على الضفة الشرقية من النيل اتخذوا أولا من منف وما بها من احجار موردا لهم لاسخدام هذه الأحجار لمبانيهم.

– وفى أوائل القرن 13 زارها العالم العراقى الشهير (عبد اللطيف البغدادى) والذى كانت شهرته (ابن اللباد) وابدى دهشته الكبرى من اتساع الاطلال وقال بانها كانت كبيرة الاتساع والعرض.وهو اول من يماثل اقوال التوراة عن هذه المدينة،حيث نبؤة النبى (ارميا) القائلة ((..ستصبح نوف صحراء جرداء ومهجورة لا يسكنها ساكن…وسابطل تماثيلهم في نوف…)) وقد ايدت تلك البقايا القليلة من التماثيل المحطمة بين حين واخر عزاء لمنقبى الاثار عما كانوا يبذلونه من جهد جهيد في هذه المنطقة.

** ويميل السيد الاثارى الكبير (فلندرز بيترى) الذى قام بالحفر في المنطقة عام 1908 وما بعدها،الى الاخذ بالرأى القائل بان (منف) لم تكن ميدنة صغيرة رغم ما بقى منها لا يدل على ذلك مطلقا.ويقول كذلك:انه الى الشمال التل الذى يوجد الان بلا شك كان يشغله (قصر ابريس) احد ملوك الاسرة 26،واذا اتجهنا الى الشرق راينا (قصر مرينبتاح) من ملوك الاسرة 19 ابن الملك رمسيس الثانى.

**وأبدت نتائج الحفر في موقع المعبدين ولذى قام به بيترى الى نتائج وكما ذكرها المؤرخ (هيرودوت) الذى كان لديه معلومات وافية عن العصور المختلفة التي تم فيها بناء المعبدين وعن الذين اضافوا وزينوا المعبد الكبير.ويوجد بالمنطقة الان مجموعة من الاثار التي توجد في مكان المعبد القديم للاله (بتاح) واهمها:

تمثال ضخم لابو الهول من المرمر ويرجح بانه للملكة حتشبسوت او الملك تحتمس الثالث.

6- تمثال عملاق ضخم في بيت المتحف: وهو للملك رمسيس الثانى ويبلغ طوله 28 مترا ووزنه 80 طنا،وكان ملقى مهملا في طين ميت رهينة.وقد كشف عن هذا التمثال في عام 1820 كلا من الاثاريين (كافيلجا و ستون) وقد اهدياه بكل بساطة آنذاك الى المتحف البريطاني.ونحمد الله ان المتحف لم يتخذ اية محاولة لنقل هذا الأثر اعلظيم،الذى ظل راقدا في مكانه لمدة 66 عاما كاملة في حفرة من الطين،يهبط اليها الزائرون اذا رغبوا في القاء نظرة على وجه الملك رمسيس.

وكان التمثال يغرق كل عام ابان الفيضان،ولا يظهر الا عند انحسار المياه عنه.وتروى مدام (اميليا ادوارد) التي لك تكن حتى عام

1877 من بين الذين نزلوا الى الحفرة لرؤية التمثال ((…ان الذين نزلوا الى الحفرة وراوه وقت الجفاف،ذكروا انه كان من أروع

وارفع امثلة الفن المصرى في ازهى عصوره…))

**وبعد عشرة أعوام في عان 1887 قام السير (فريديرك ستيفنسن) ليزيل عار هذا الإهمال،فجمع مبلغا من امال مكن الميجور

(ارثر جنولد) من رفع التمثال من الوحل ووضعه فوق قاعدة اكثر صلابة من قوالب الطوب.ويرقد هذا المثال الان في مبنى متواضع من الطوب اللبن،أقيمت به منصة يمكن منها رؤية التمثال بسهولة.

** ثم أقيم الى الان مبنى جميل (بيت المتحف او متحف ميت رهينة) لعرض هذا التمثال وبه ممر علوى يستطيع ان يمر عليه الزائر ويستعرض التمثال من جميع الجهات.وووضعت داخل هذا المبنى الكبير اثار من بينها لوحة الملك (ابريس) الذى تم ذكره من قبل.

ويستحق هذا التمثال المشقة البسيطة لرؤيته لأننا اذا استثنينا التمثالي المعروفين باسم (تمثالى ممنون) في الأقصر،وأجزاء التمثال الهائل للملك رمسيس الثانى بالرامسيوم،افن هذا التثمال في ميت رهينة يعتبر أروع مثال لهذا الطراز الخاص العملاق من القفن المصرى يمكن رؤيته في مكانه الاصلى.

والى لقاء مع المقال القادم والحديث عن منطقة سقارة

كاتب المقال

الباحث الاثارى والمرشد السياحى

احمد السنوسى