شئون مصريةمنوعات

الدكتور عوض عباس رجب يكتب لـ ” المحروسة نيوز ” ويغوص فى بحر ذكرياته .. هدية عيد ميلادى..صفعة على وجهى !!

في يوم 23 يوليو، 2019 | بتوقيت 12:00 مساءً

في يوم الجمعة من كل أسبوع كان يأخذني والدي معه لصلاة الجمعة في احد المساجد الكبرى مثل (الأزهر-الحسين-السيدة زينب-السيدة نفيسة-السيدة عائشة)…وكان يجعلني اجلس علي الكنبة العالية المخصصة للشيخ الذي يتلوي آيات من الذكر الحكيم …كان قلبي ينفطر إعجابا ويرقص فرحا في النظام المبدع لصلاة الجماعة يوم الجمعة من الركوع و السجود وكان يشد قلبي فرحا منظر سجود آلاف المصلين شكرا و حمدا للرحمن الرحيم …أن الصلاة في حياة الطفل الصغير تبدأ كعادة يقلد فيها المصلين ثم تتحول لعبادة عند بلوغ الإنسان لسن العشر سنوات …لذلك علينا جميعا أن نتعلم من القصة القادمة.

يوم أخر في حياتي محفور في ذاكرتي كأنه حدث بالأمس  … يوم 15 سبتمبر عام 1964….عاد والدي من عملة متأخرا علي غير العادة في تمام الساعة 11 مساء و كنت قد استسلمت للنوم….وصل والدي للمنزل و نادي علي وطلب ضرورة إيقاظي من النوم فاليوم توجد مناسبة هامة جدا في حياة عوض  و لا بد للأسرة كلها أن تحتفل بعيد الميلاد العاشر لمولدي وكان سبب تأخر والدي في العودة هو بحثه عن بائع فاكهة (النبق) التي كان يعلم والدي بعشقي لها مع شراء تورته عيد الميلاد  أيضا ….شكرته علي اهتمامه بعيد ميلادي و لكنة بادرني بسؤال هام: هل أديت الصلاة اليوم؟.. وكانت إجابتي :لا يا أبي….فما كان منه إلا أن صفعني علي وجهي صفعة قوية  (كانت أول و أخر صفعة من والدي علي ما أتذكر ) وهو شديد الغضب لإهمالي لأداء فريضة الصلاة …حاولت والدتي الحبيبة أن تدافع عني فقال لها والدي الحبيب لقد أمرنا رسول الله بدعوة الأبناء للصلاة بداية من عمر 7 سنوات و ضربهم عندما يبلغوا سن العشر سنوات…واليوم هو عيد ميلاد عوض العاشر لذلك كانت الصفعة القوية.

و من العجيب أنني أتذكر الآن انه خلال فترة دراستي للدكتوراه بالمملكة المتحدة عام 1987(كنت ابلغ من عمري وقتها حوالي 33 عاما)أن عدت من المعمل متأخرا جدا و كنت تعبان و نمت من الإرهاق دون تناول طعام العشاء أو أداء صلاة العشاء …نمت نوما عميقا و فجأة استيقظت لشعوري وتذكري للصفعة القوية حينما كنت في العاشرة من عمري،قمت و توضأت وتذكرت المرحوم والدي وصليت العشاء ودعوت له بالرحمة والمغفرة .

وأتذكر أيضاً في يوم الجمعة  5 يوليو عام 1969 كنت في زيارة للمرحوم والدي في حجرته بمستشفي دار الشفاء بالعباسية وكانت والدتي ترافقه بالمستشفي حيث كان مصاب  بالمرض اللعين الذي أصاب معظم أهل القرية المصرية (سرطان الكبد)..كان يتحدث معي حديثا وديا وكان يوصيني خيرا بوالدتي و بإخوتي الكبار و أنا أخر عنقود أبنائه…ضحكت و لم افهم الرسالات التي يحاول أن يوصلها لي…وقال لي يا ولدي أنك سوف تكون (عوضا ) عني  بعد مماتي لأمك و أخوتك  و سوف تكون أنت المسئول إمامي عن صلة الرحم بين أشقائك الكبار…تجمعهم و تتزاور معهم …وقال لي أيضا لقد اختصتك أنت ( بكنز) لم يحصل علية احد غيرك…..رقص قلبي فرحا و قلت له أين تخبأ الكنز يا أبي فضحك من قلبه وقال الكنز موجود في قلبك يا عوض….(حب الناس…..حب الناس و سوف يحبونك حبا جما)…..لم افهم معني كلماته في وقتها و كنت مستعجلا للذهاب لمشاهدة مباراة الأهلي و الزمالك الودية (كان الدوري العام متوقفا لأحداث حرب نكسة 1967)…حاول والدي أن يؤخر مغادرتي له  و لكنني لم أكن فهمت رسالته الأخيرة.

وفي فجر السبت 6 يوليو 1969 سمعت طرقات حزينة ضعيفة علي باب المنزل و حينما قمت بفتح الباب و جدت أمي الحبيبة تقف إمامي و هي تبكي و عندئذ أدركت أن والدي الحبيب قد اسلم روحه الطاهرة إلي بارئها وحينما هممت بالبكاء حضنتني أمي الحبية بفيض حنانها و كرمها و همست في إذناي…من هو أفضل خلق الله المفروض أن كل المسلمين يحبونه فأجبتها محمد رسول الله صلي الله علية وسلم …قالت إذا كان محمد خير العباد قد مات هل تعتقد أن والدك لن يموت…لا تبكي يا ولدي و توضأ وصلي و أدعو الله أن يغفر له ويرحمه.

تحجرت الدموع بين مقلتي عيناي و توضأت و صليت ركعتين لله و شكرته علي نعمة العديدة و دعوت للمرحوم والدي بالرحمة والمغفرة.

اللهم ارحم والدي و اغفر لهما ذنوبهما و احشرهما مع الشهداء و النبيين و ابن لهما قصرا في جناتك جنات النعيم …اللهم أمين..أمين..أمين .

كاتب المقال 

الدكتور عوض عباس رجب ، مقرر لجنه معاهد السياحة و الآثار بقطاع التعليم   بوزارة التعليم العالي

 ‏أستاذ الكيمياء الحيوية كلية الزراعة جامعة القاهرة‏ 

مدير ‏مركز جامعة القاهرة للتعليم المفتوح‏ سابقاً