اليوم كنت في طريقي لمنزلي بالهرم من منطقة بين السرايات وعادة كنت أتخذ طريقي عبر الدائري من مطلع بين السرايات ولكن حدث أمر غريب وعجيب حيث فوجئت بنفسي أنحرف بالسيارة يمينا وأسلك طريق بين السرايات في اتجاه محور 26 يوليو ولم أكن مخططا لهذا المسار أبدا ،حينما وجدت نفسي في شارع المرور تعجبت واندهشت كثيرا، لماذا سلكت هذا الطريق؟!
عند باب كلية العلاج الطبيعي جاءتني الإجابة علي سؤالي سريعا.، كانت هناك سيدة ترتدي السواد ملامحها من أهل الصعيد الطيبين المحترمين جداااااااااااااا ،وواضح أنها رقيقة الحال وكان يسبر بجانبها شاب طويل رفيع يعاني من مرض ضمور العضلات ولا يسير بطريقة طبيعية فهو يقفز بين الحين والحين، دمعت عيوني رثاء علي حال الشاب الطيب ومعه السيدة الفاضلة أمه.
تقدمت بسيارتي سريعا وقطعت عليهما الطريق و طلبت من الشاب أن يركب السيارة هو و أمه لتوصيلهما لأي مكان يريدانه فضحك الشاب ضحكة جميلة بريئة كلها حب و فرح و لكنني فوجئت برفض السيدة المحترمة والدته وقالت لي خالص الشكروالاحترام فالمشي علاج لمرض أبنها.
نزلت من سيارتي و صممت علي ركوبهما معي و فتحت الباب الأمامي للشاب ففرح جدا و نظر لي بسعادة و أمتنان وشكر و تقدير،.اضطرت الأم للركوب في المقعد الخلفي و قالت شكراً سيدي الفاضل ولا تتعب نفسك معنا فنحن الحمد لله مستورين ولا نريد أن نضيع وقتك الثمين،.طلبت مني الوقوف أمام أقرب صيدلية في نهاية الشارع، وسوف نكمل طريقنا و جزاك الله كل خير عنا و آسفين جدا لإضاعة وقتك.
سألتها عن أسم أبنها ….قالت (محمد) وهو يبلغ من العمر 21 سنة،و هو مصاب منذ ولادته بالضمور في العضلات و عدم القدرة علي النطق، وقالت أن (محمد) هو كل شيء، وأهم شيء في حياتها منذ وفاة المرحوم زوجها (الله يرحمه) وهي سيدة أرمله منذ حوالي 5سنوات و الحمد لله ربنا وسع عليها من خيره ولا تحتاج لأي مساعدة من أي إنسان (أحست السيدة المحترمة برغبتي في تقديم مساعدة لها و لابنها فسبقت في حديثها عن عدم احتياجها لأي شيء حتى تقطع علي الطريق للمساعدة ).
وصلت أمام باب الصيدلية في شارع محي الدين أبو العز.،.استأذنتها تعطيني روشته الطبيب لشراء الدواء الذي يحتاجه أبنها (محمد) فرفضت بأباء،وأقسمت 100 يمين بعدم شراء الدواء الآن ، وقالت سوف أشتريه من الصيدلية بجوار منزلها في مدينه الشباب ب 6 أكتوبر و طلبت النزول هي وابنها لركوب سيارة ميكروباس لتوصيلها لمطلع كوبري محور 26 يوليو في ميدان لبنان.
أمام إصرار الأم المحترمة طلبت منها توصيلها هي و (محمد) لميدان لبنان فوافقت بعد إلحاح و كان (محمد) سعيد جدا و يضحك بصوت عالي لركوب السيارة بجواري، وحاولت أن أمنحها ممن منحناوأعطانا الله من خيراته العظيمة ،ومن طيبات ما رزقنا الله رزقا حلالا طيبا فرفضت السيدة المحترمة رفضا شديداً و قالت لي هناك ناس أولي بمساعدتك منا فنحن و الحمد لله مستورين و سعداء بنصيبنا في الحياة الدنيا و أنا و أبني (محمد) راضيين بكرم الله معنا وحياتنا كلها يسر و سعادة وهناء، و قالت لي (السعادة في الرضاء بقضاء الله ..مره قبل حلوه).
وصلت إلي موقف سيارات ميكروباس 6 أكتوبر وحدث ما أسعدني و رسم الابتسامة و الفرحة علي شفاهي و عيوني الحزينة علي حاله (محمد)….فوجئت بجميع السائقين في الموقف و المعروف عنهم غلظه القلوب ينادون بسعادة بالغة و بفرحه تملأ عيونهم و ملامح وجوههم القاسية علي (محمد).
تسابق السائقون علي فتح باب سيارتي المتواضعة حيث يجلس (محمد) و تسابقوا علي حمله ووضعة في المقعد الأمامي لسيارة السائق الذي فاز بحمل (محمد) ونزلت من سيارتي و سئلت عن أجرة مشوار مدينة الشباب فرفض السائق الحصول علي الأجرة وقال لي أنت لست أكرم مني و أنا أولي ب(محمد) منك فهو زبوني كل يومين، ضحكت السيدة المحترمة و قالت لي ألم أقل لك أن الله لطيف بعباده كريما رءوف رحيم .
السيدة المحترمة رفضت المساعدة وهي تستحقها وقد حسبتها غنية من تعففها.
فيا أحبائي فلتقدموا إحسانكم لمن يقدر إن يصل لمثل هؤلاء الناس
ولا تجعلوا إحسانكم لمن يطلب منكم. ومن غيركم .. فتظلمون العفيف من الناس
ولا تأخذكم شفقة بأناس إن عارضتهم وناقشتموهم في أسباب سؤالهم ردوا عليكم بعنف وسوء أدب .
فهم لا يستحون وأسبابهم واهية فلا تظلموا أغنياء الفقراء بسبب تعففهم.
وكما قال قرائننا الحكيم فى محكم آياته “لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ” الآية (273)}من سورة البقرة