منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، قبل خمسة عشر شهراً، طلب الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الحصول على طائرات حربية متقدمة، وخاصة الطائرات المقاتلة، الأمريكية الصنع، من طراز “إف 16″، للتغلب على التفوق الجوي الروسي فوق سماء منطقة العمليات، لكن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لم يستجب خشية استخدامها لضرب أهداف في عمق روسيا، مما قد يدفع الكرملين إلى تصعيد الصراع باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية.
إلا أن الموقف تغير، فجأة، بإعلان الرئيس الأمريكي بالسماح بتدريب الطيارين الأوكرانيين على قيادة المقاتلات “إف 16″، مع توجه جديد نحو السماح لدول أخرى، من أعضاء حلف الناتو، بتوفير المقاتلات لأوكرانيا. ويرجع التحول في الموقف الأمريكي إلى فشل الجيش الأوكراني في هجوم الربيع ضد القوات الروسية التي تسيطر، حالياً، على 20% من أراضيه، والذي يعود لسيطرة الروس على سماء منطقة القتال فوق أوكرانيا، من ناحية. ومن ناحية أخرى لتوجيه رسالة للكرملين بأن الغرب مازال موحداً، ومصراً على مواجهة روسيا في أوكرانيا، مهما طال أمد الحرب.
وطبقاً لتقارير وزارة الدفاع الأمريكية، البنتاجون، فإن الطائرة المقاتلة “إف 16″، احتلت المرتبة الثامنة على قائمة أولويات أوكرانيا، وفضل مسؤولو البنتاجون الأمريكي التركيز، في البداية، على القدرات ذات الأولوية القصوى لأوكرانيا، مثل الدفاع الجوي، والمدفعية، والمدرعات، إلا غير أن كل ذلك تغير، خلال الأيام القليلة الماضية، بعد تصاعد مطالبات وتحليلات في الصحف ووسائل الإعلام الأميركية، بأهمية إرسال طائرات “إف 16” إلى أوكرانيا بهدف تحسين قدراتها العسكرية في مواجهة روسيا، وخاصة بعد فشل هجوم الربيع المضاد.
الطائرة إف 16
تعد الطائرة المقاتلة متعددة المهام خفيفة الوزن، وفعالة من حيث التكلفة، إذ يتراوح سعر الواحدة منها بين 63 إلى 80 مليون دولار، حسب الطراز، وتبلغ سرعتها ضعف سرعة الصوت (2 ماخ)، أي 1500 ميل في الساعة، ويصل مداها إلى 2002 ميل، وتستخدمها الجيوش، في 25 دولة، في القتال الجوي، والهجوم البري، والحرب الإلكترونية. تتميز المقاتلة “إف 16” بقدرة عالية على المناورة، تفوق مثيلاتها من فئتها المقاتلة، كما يمكنها تحديد الأهداف في جميع الظروف الجوية، واكتشاف الطائرات التي تحلق على ارتفاع منخفض. وفي الهجمات البرية، يمكنها الطيران لأكثر من 500 ميل، وتوجيه الأسلحة والقذائف بدقة فائقة، بالتزامن مع قدرتها على الدفاع عن نفسها ضد طائرات العدو، والعودة إلى نقطة البداية.
ويعتقد بعض المحللون، في أوروبا والولايات المتحدة، أن المقاتلات “إف 16” قادرة على ردع القوات الجوية الروسية، المتفوقة بشكل كبير، وقد تمنعها من مهاجمة أوكرانيا في المستقبل، وهو ما عبر عنه عضو مجلس الأمن القومي الأميركي السابق، وسفير الولايات المتحدة السابق لدى الناتو، الفريق المتقاعد دوج لوت، بقوله أن طائرات “إف 16″، يمكن أن توفر دعماً جوياً وثيقاً للقوات البرية الأوكرانية، وهو ما يعد أمراً حاكماً في الهجوم المرتقب أن تشنه أوكرانيا في العام الحالي أو في العام المقبل.
وعلى الطرف الآخر، صرح وزير الدفاع الروسي، سيرجي شويجو، بأن دخول المقاتلات الأمريكية المتطورة لن يغير موازين القتال، خاصة وأن استخدام هذه الطائرة في ميادين القتال لن يتم قبل أربعة شهور، على أحسن تقدير، بعد تدريب الطيارين الأوكرانيين على استخدامها، فضلاً عن محدودية أعداد المقاتلات، والذي لن يتعد 60 طائرة، من المتوقع أن تتسلمها أوكرانيا من بعض دول حلف الناتو، بعد تعهد الولايات المتحدة الأمريكية، بتعويض تلك الدول بالمقاتلات الأحدث منها، من طراز F35. مؤكداً على استمرار التفوق العددي للطائرات المقاتلة الروسية، فوق سماء ميادين القتال في أوكرانيا، بالإضافة إلى التفوق النوعي المتمثل في استخدام المقاتلات الروسية المتطورة من طراز “سوخوري 35″، بواسطة طيارين روس، تم تدريبهم عليها لسنوات طويلة، بما يضمن كفاءتهم القتالية على نظرائهم بالجيش الأوكراني.
وهو الرأي الذي يؤيده الكثير من المحللين العسكريين، بأن انضمام المقاتلات الأمريكية “إف 16″، لن يغير الكثير في موازين القتال في هذه الحرب، ولن يحقق للقوات الأوكرانية المقاتلة نجاحاً كبيراً بالقوات النيرانية، في هجومها ضد الدفاعات الروسية، خاصة أن قوات الدفاع الجوي الروسي، تعتبر من أكفأ قوات الدفاع الجوي في العالم، والتي يميزها نظام الصواريخ S400. بل ويرى بعض الخبراء، أن تغيير تنظيم السلاح الجوي الأوكراني، المعتمد على الطائرات السوفيتية الصنع، والتحول لاستخدام الطائرات الغربية، قد يزيد من استفزاز روسيا، وهو ما سيطيل من أمد هذه الحرب.
وفي أعقاب قرار سابق اتخذته الإدارة الأمريكية الحالية، بتوفير ذخائر عنقودية لأوكرانيا، على الرغم من المخاوف بشأن المخاطر التي يمكن أن تشكلها هذه الأسلحة على المدنيين، وبعدما كانت بريطانيا قد زودت أوكرانيا بذخائر اليورانيوم المنضب، قبل عدة شهور، والتي تستخدمها أوكرانيا، حالياً، بالدبابات تشالنجر البريطانية، فقد قررت الولايات المتحدة الأمريكية، في الأسبوع الجاري، تزويد أوكرانيا بذخائر اليورانيوم المنضب، لاستخدامها من خلال الدبابات الأمريكية M1A1، ضمن صفقة جديدة بمقدار 275 مليون دولار، كجزء من حزمة مساعدات عسكرية جديدة من المقرر الإعلان قريباً.
وهكذا نتابع استمرار الدعم الأمريكي، والناتو، لأوكرانيا، ضمن حلقات الضغط على روسيا، بعد فشل أوكرانيا في تنفيذ هجومها المضاد في الربيع، وسط تساؤلات عما إن كان ذلك الدعم سيمكن أوكرانيا من صد الهجوم الروسي، ووسط آمال شعوب العالم في أن يحل السلام مع نهاية العام.
Email: [email protected]