يمر النظام الدولي الحالي بمرحلة تحول من عصر القطب الأوحد ويعني الهيمنة الأمريكية إلى نظام جديد متعدد الأقطاب أو قطب جديد اخر امام الولايات المتحدة الامريكية ولعل أهم تلك الأسباب هوالتنافس الأمريكي الصيني. خاصة أن الصين أصبحت الآن العدو الأول لأمريكا نظرا لأنها أصبحت القوة الاقتصادية الثانية على العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية ومن الناحية العسكرية أصبحت الصين القوة الثالثة عسكريا عالميا بعد أمريكا وروسيا. كما أصبحت تملك أكبر قوة بحرية عسكرية في العالم. خاصة أنها تبني الآن أكبر حاملة طائرات عسكرية في العالم.
كما ظهر تميز الصين مؤخرا في المجال التكنولوجي، ولعل شركة هواوي الصينية التي أصبحت من أكبر شركات الاتصالات و الإلكترونيات تطورا في العالم حتى أنها فازت في مناقصة تطوير نظام الاتصالات G5 في المملكة المتحدة بريطانيا ولكن طلبت أمريكا ان ترفض بريطانيا قبول عرض شركة هواوي حتى لا تتجسس الصين على كل اتصالات الدول الاوروبية لذلك جاءت كل التحليلات من مراكز الدراسات الاستراتيجية في العالم حول فرض سؤال هل أصبحت الصين قوة عظمى رائدة لأنها تتمتع بدرجة كبيرة من التفوق العلمي والاقتصادي والسياسي والعسكري التي تمكنها من ممارسة الهيمنة والنفوذ في السياسة الدولية والنظام الاقتصادي العالمي حيث أنها حققت هذه القوة من خلال عدة محاور هل ستصبح الصين القوة الجديدة امام الولايات المتحدة وكان الرأي الذي يؤيد ذلك يعتمد على عدة عوامل.
الأول الانتشار الجغرافي الاقتصادي الصيني في مناطق أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية خاصة عندما تم إعادة إحياء طريق الحرير القديم الذي هو من أكثر المشاريع طموحا للتنمية الصينية في آسيا وأوروبا بإنشاء شبكة من الطرق الجديدة وخطوط أنابيب للطاقة وطرق سريعة وخط حديدي حيث تخطط الصين لإنشاء 50 منطقة اقتصادية خاصة أنها انفقت 200 مليار دولار. على هذا الخط. علاوة انها بدأت بناء الشراكات الاقتصادية في المناطق التي أهملتها واشنطن وخصوصا افريقيا واسيا وجاء اقتراب الصين مؤخرا إلى دول مجلس التعاون الخليجي وبناء شراكة اقتصادية مع هذه الدول وأهمها السعودية، وثانيا على المستوى السياسي جاء تدخل الصين سياسيا نحو تحقيق المصالحة بين السعودية وإيران، وعودة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين. تمهيدا لخلق تفاهمات سياسية تزيل التوتر الموجود في المنطقة وخاصة التهديد الحوثي من اليمن للأمن القومي السعودي وثالثا يأتي توظيف الصين لقواتها العسكرية لدعم نفوذها الدولي خاصة في منطقة بحر الصين، خاصة أنها تملك حاليا أكبر قوة بحرية في العالم، وبدأت في فرض سيطرتها على تلك المنطقة من العالم
ولعل نجاحها في أن تكون جزر سليمان. تابعة للصين أكبر دليل على ذلك، ورغم محاولة الولايات المتحدة إثارة الصين لإجبارها على الدخول في أي نزاع عسكري قادم، يضعف من تطوير قدراتها الاقتصادية. لكن يبدو أن الصين تعلم تماما أن هذا فخ تنصبه لها الولايات المتحدة. ولعل أبسط مثال على ذلك زيارة بيلوسي رئيسة الكونجرس الأمريكي السابقة إلى تايوان ثم مرور رئيسة تايوان الحالية على امريكا خلال زيارتها الأخيرة، لكن يبدو أن الصين تتفهم تماما ضرورة عدم الدخول في أي استفزازات عسكرية في الفترة الحالية تؤثر على نموها الاقتصادي.
وجاءت الحرب الروسية الأوكرانية وزيارة الرئيس الصيني إلى موسكو. لمدة ثلاثة أيام، ورغم إعلان الصين أنه ليس هناك تحالف مع موسكو ضد الولايات المتحدة، لكن كل الشواهد تؤكد أن العلاقات بدأت تنمو الآن مع روسيا بدرجة كبيرة حتى أن الصين أصبحت أكبر مستورد للنفط الروسي. ضاربة بذلك عرض الحائط بالتحذيرات والعقوبات الأمريكية.
كما تحاول الصين اليوم بناء تحالف ليس مرئي ولكنه واضح للجميع مع روسيا وإيران وفي المستقبل كوريا الشمالية، ولكنني ارى أن الصين لن تدخل مستقبلا في أي تحالف عسكري يثير الآخرين. واقصد بالطبع الولايات المتحدة وحلف الناتو، كذلك فإنني أرى أن الصراع القادم بين كل الولايات المتحدة والصين سوف يتم التركيز عليه من ناحية الولايات المتحدة تجاه الابعاد الاقتصادية حيث تعمل أمريكا حاليا على تقليل الاعتماد على الواردات. من الصين وفتح مصانع جديدة لإنتاج. لكل ما يتم استيراده من الصين.
كذلك بدأت الصين مرة أخرى في الاقتراب أكثر من أفريقيا، ذلك الملعب الذي فقدته أمريكا خلال العقود الماضية وتركته مفتوحا للصين. ولعل المؤتمر الذي تم في الولايات المتحدة وتم فيه دعوة. معظم قادة أفريقيا وتخصيص مساعدات أمريكية لدعم هذه الدول الأفريقية كان اقوى رد ضد توغل النشاط التجاري والاقتصادي من الصين لدول افريقيا مع انها أحد الوسائل لمنع الصين من استمرار تغولها في أفريقيا. ولقد كان رفض الولايات المتحدة القاطع للمبادرة الصينية لإحلال السلام بين روسيا وأوكرانيا هي أحد المؤشرات حتى لا تبدو الصين كقوة سياسية قوية في العالم.
حيث تؤكد أن واشنطن لا تريد للصين أن تكون لها أي قوة أو نفوذ لتحقيق السلام في هذه الحرب، لذلك فإنني اري أن السيناريوهات القادمة سوف تركز فيها الصين على عدم الدخول في أي مغامرات عسكرية تستنزف فيها قواتها الاقتصادية، وهذا ما تحاول أن تقدم عليه الولايات المتحدة خاصة باستخدام ورقة تايوان رغم أن واشنطن تعتنق اصطلاح أن الصين الواحدة لكنها قد تجد نفسها مرغمة على استخدام ورقة تايوان مرة أخرى لإثارة الصين والتحرش بها عسكريا لإجبارها على الدخول في أي نزاع عسكري قادم، وهذا بالطبع ما نراه أمر مستعبدا في الوقت الحالي. خاصة أن رئيس الأركان الأمريكي مارك بيلي قد أعلن أن هناك توازن في القوى النووية الصينية الأمريكية والتي قد تعطي أمريكا بعض التفوق في المخزون النووي.
وبالنسبة لمنطقة بحر الصين الجنوبي التي تعتبرها الصين منطقة جيوسياسية لأنها تمثل المجال الإقليمي لها. ومن هذا المنطلق بدأت الولايات المتحدة التواجد في هذه المنطقة وإقامة علاقات تحالفية مع باقي دول هذه المنطقة وكانت آخرها الفليبين بإقامة تواجد عسكري امريكي هناك وتنفيذ تدريبات عسكرية مشتركة معها، لذلك فإن الجميع ينتظر أن تكون منطقة بحر الصين الجنوبي هي منطقة الصراع القادم بين الولايات المتحدة. والصين،
ومن هذا المنطلق، فإن الصين تعد نفسها في الفترة القادمة لكي تكون ندا قويا للولايات المتحدة مع قدرتها على احتواء روسيا وإيران ثم كوريا الشمالية لتكون تكتل آخر ضد الولايات المتحدة وحلف الناتو، أو تكون الصين نفسها هي من يقود هذا التكتل منفردا أمام الولايات المتحدة والناتو وهذا ما ستظهره الأيام القادمة.