من المقرر أن تجرى الانتخابات العامة في تركيا لعام 2023 حيث ينتخب الأتراك رئيسا جديدا في الجمهورية بالإضافة إلى 600 عضو في الجمعية الوطنية. الكبرى كل منهم لمدة خمس سنوات، وكانت الانتخابات السابقة التي جرت في 24يونيو 2018 حيث حققت هذه الانتخابات انتقال البلاد من النظام البرلماني إلى نظام رئاسي وأسفرت الانتخابات عن فوز الرئيس رجب طيب أردوغان الذي شغل المنصب منذ عام 2015 وفي هذه الانتخابات عام 2018 خسر حزب العدالة والتنمية الأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية في تركيا لأول مرة، مما اضطر أردوغان إلى الاعتماد على حليفه حزب الحركة القومية التابع لدولت بهجيلي لتمرير التشريعات.
ولقد أعلن الرئيس أردوغان أن الانتخابات الرئاسية والنيابية ستجري في 14 مايو هذا العام عقب انتهاء شهر رمضان، وكانت هناك تكهنات بتأجيل هذه الانتخابات بعد حدوث الزلزال، لكن أردوغان أكد على إجراء الانتخابات في هذا التوقيت، ولقد أعلنت المعارضة التركية نيتها العودة إلى العمل بالنظام البرلماني في حالة فوزها بهذه الانتخابات. وانضمت في تحالف أطلق عليه طاولة الستة الذي يضم ستة أحزاب تركية
وهم كمال كليتشدار أوغلو رئيس حزب «الشعب الجمهوري»، وميرال أكشنار رئيس حزب «الخير»، وعلي باباجان رئيس حزب «الديمقراطية والتقدم»، وأحمد داود أوغلو رئيس حزب «المستقبل»، وغولتكين أويصال، رئيس «الحزب الديمقراطي»، وتمل كارامولا أوغلو رئيس «حزب السعادة»،
حيث يسعى تحالف المعارضة لقطع طريق الرئاسة أمام أردوغان، بينما يهدف الرئيس أردوغان إلى تمديد حكمه. المستمر منذ 20 عام، لذلك تعتبر انتخابات القادمة أبرز تحدي أمامه لتصل مدة حكمه إلى ربع قرن من الزمان في حالة فوزه كذلك فإن هذه الانتخابات فقط لن تقرر من يحكم تركيا بل ستقرر أيضا كيف سيكون نظام الحكم في البلاد هل هو نظام رئاسي أم نظام برلماني.
ويعد رجب طيب اردوغان هو أقوى زعيم تركي منذ أن أسس مصطفى كمال أتاتورك الجمهورية التركية الحديثة قبل قرن من الزمان، حيث عمل أردوغان منذ توليه الحكم على إبعاد تركيا من مخطط أتاتورك لبناء الدولة التركية على النظام العلماني حيث كان هدف رجب أردوغان إلى أن تكون تركيا دولة دينية بدلا من دولة علمانية.
ويقول الاقتصاديون أن قيام أردوغان بتطبيق أسعار فائدة منخفضة أدت لارتفاع التضخم إلى أعلى مستوى خلال الأربعة والعشرين عاما الماضية ليصل خمسة وثمانين في المئة. كما انخفضت الليرة التركية إلى عشر قيمتها مقابل الدولار خلال العشر سنوات الماضية. لذلك تركز المعارضة الآن في حملاتها الانتخابية على إعادة استقلال البنك المركزي التركي الذي أصبح يتحكم فيه أردوغان وإعادة الحكومة البرلمانية ووضع دستور جديد يكرس ريادة القانون.
وعلى الجانب العسكري فإنه خلال فترة حكم أردوغان السابقة شن أربع عمليات عسكرية توغل في سوريا وهجوما مسلحا على الأكراد داخل العراق وأرسلت تركيا دعما عسكريا إلى أذربيجان وليبيا. وأدى شراء تركيا صفقة نظام الدفاع الجوي الروسي إس 400 إلى أن تفرض الولايات المتحدة عليها عقوبات على صناعة الأسلحة التركية وحرمانها من استلام صفقة الإف 16 الجديدة، كما أثار اعتراض أردوغان على قبول عضوية النيتو لكل من السويد وفنلندا زيادة التوتر بين الولايات المتحدة وتركيا.
ولكن جاء توصل تركيا في تحقيق اتفاقية تحقيق الممر الآمن لصادرات القمح الأوكرانية مع روسيا ليؤكد أن لتركيا لها دور قادم في المرحلة القادمة في الصراع في الحرب الأوكرانية والروسية وعلى المستوى السياسي. شهدت فترة أردوغان السابقة مواجهات دبلوماسية مع السعودية والإمارات، ولكنه نجح أن تعود العلاقات مرة أخرى. إلى بر الأمان، كذلك دخل في مواجهات مع اليونان وقبرص حول الحدود البحرية في منطقة شرق المتوسط، ولكن جاءت أحداث الزلزل الأخيرة لتهدئة الأمور بين الدولتين وقام وزير خارجية اليونان بزيارة تركيا كما قدمت كل الدولتين الدعم اللازم في مشكلة الزلزال.
وفجأة حدث انفراط عقد المقاومة التركية حيث أعلن حزب الخير التركي انسحابه من تحالف المعارضة الرئيسي مؤكدا رفض مقترح الدفع بزعيم حزب الشعب الجمهوري ليكون مرشحا مشتركا للمعارضة في انتخابات الرئاسية القادمة أمام الرئيس أردوغان. وقالت زعيمة الحزب ميران اكشنار أن الأحزاب الخمسة الأخرى في التحالف قد اتفقت على الدفع بزعيم الحزب الجمهوري كمال أوغلو ليكون مرشح المعارضة أمام أردوغان، وبالتالي فإن الطاولة السداسية المؤلفة من ستة أحزاب معارضة انفرط عقدها.
خاصة أن هناك من يرى أن ترشيح كمال اوغلو وهو من الأقلية العلوية ويبلغ من العمر 74 عام أنه يفتقد للكاريزما في مواجهة أردوغان الذي يظهر دائما. بصورة الرجل القوي أمام الشعب التركي، ورغب الانتقادات الكثيرة التي وجهت إلى أردوغان، فإن آخر استطلاعات الرأي العام في الشهر الماضي أكدت أن أردوغان وحزبه لا يزالان يحتفظان على ما يبدو بقاعدة تأييد واسعة. في أوساط الناخبين.
وبالنسبة للمعارضة جاء استطلاع الرأي العام أن المعارضة لم تحصل على تأييد جيد ربما يعود إلى انها لم تقدم خطة ملموسة لإعادة بناء المناطق التي دمرها الزلزال. وقد قامت المعارضة باتهام الحكومة في أنها تخاذلت في معاونة المنكوبين الأتراك من آثار الزلزال ولكن يبدو أن حجم المساعدات التي وصلت إلى تركيا تجعل الموقف الآن في المناطق المنكوبة. أحسن بكثير، خصوصا إعلان أردوغان البدء في إنشاء مناطق إسكان جديدة للمتضررين من الزلزال.
وفجأة أعلنت المعارضة انها اختارت كمال أغلو زعيم الشعب الجمهوري العلماني ليكون مرشح في الانتخابات القادمة وفي مواجهة الرئيس الإسلامي رجب طيب اردوغان في الانتخابات القادمة في 14 مايو القادم، وفور صدور قرار تحالف المعارضة اعلن مدحت سانجار رئيس الحزب الديمقراطي المؤيد للأكراد ان الحزب سوف يؤيد كمال أوغلو في الانتخابات الرئاسية. كما اتفقت مجموعة المعارضة الستة أنه في حالة فوز كمال أوغلو بالرئاسة فإنه سيتم تعيين باقي رؤساء الأحزاب المعارضة نواب للرئيس، كما سيعطي الحق لكل حزب أن يعين وزير من الحزب.
وهكذا تمر تركيا خلال الفترة القادمة بأهم لحظة في تاريخها الحديث منذ أن حقق لها كمال أتاتورك استقلالها. واعلان الجمهورية الجديدة حيث ستكون نتائج الانتخابات القادمة في حالة فوز أردوغان ليكون أول رئيس لتركيا يجلس على كرسي الرئاسة مدة ربع قرن من الزمان وبالطبع هذا سوف يعطيه الفرصة لكي ينفرد بالسلطة تماما. اما في حالة فوز زعيم المعارضة فإنه من الصعب التكهن بمستقبل نظام الحكم في تركيا للخمس سنوات القادمة وهذا ما ستظهره نتائج الانتخابات بعد يوم 24 يونيو القادم.