أخبار عاجلةالمنطقة الحرة

الدكتور عبدالعزيز آدم بكتب عن : وهم الزمن وتشوه الزمان !!

في يوم 25 فبراير، 2023 | بتوقيت 2:28 مساءً

ما هو الزمن؟..سؤال يبدو في ظاهره بديهي ولكنه في الحقيقة في غاية التعقيد والصعوبة أو يمكنك القول أن هذا السؤال البسيط لا توجد له إجابة دقيقة منذ معرفة نظرية النسبية وحتى يومنا هذا.
عرفنا من خلال نظرية النسبية أن الثوابت البديهية التي تعلمناها منذ طفولتنا واعتدنا عليها، ما هي إلا محض وهم. فبحسابات الفضاء المهول الخطان المتوازيان يلتقيان في نقطة ومجموع زوايا المثلث قد تكون أكبر أو أقل من ١٨٠ درجة. ولكن الأهم هو تغير مفهومنا لتعريف الزمن. الزمن الذي يمر عليك يختلف عن الزمن الذي يمر على الآخرين من حولك زيادة ونقصانًا بحسب مكانك وحالتك بين الحركة والسكون، فكلما زادت سرعتك كلما زاد تشوه الزمن. ولتوضيح ذلك عليك أن تتخيل أنك تستقل سيارة تسير بسرعة ٦٠ كم/س مثلًا، أثناء وجودك في السيارة سوف تمر على الاجسام الثابتة بسرعة ٦٠ كم/س وإذا صادفتك سيارة تسير في نفس اتجاهك بنفس السرعة سوف تراها وكأنها متوقفة (تسير بسرعة صفر)، واذا مرت بك سيارة تسير بنفس سرعتك ٦٠ كم/س ولكنها تسير في الاتجاه المعاكس سوف تراها وكأنها تسير بضعف سرعتها الحقيقية (١٢٠ كم/س) كونها تسير في عكس اتجاهك سيتم جمع سرعتك وسرعتها. كل هذه النتائج بديهية ومنطقية، ولكن مهلًا لا تتسرع، الأمر سوف يختلف تمامًا عندما تذيد سرعتك. دعنا نتخيل أنك استطعت بشكل ما أن تزيد سرعة سيارتك لتصل بها إلى سرعة الضوء ٣٠٠ ألف كم/ث وهذا مستحيل نظريًا كما ذكرت نظرية النسبية لأينشتاين أن أي جسم له كتله فمن المستحيل أن يصل لسرعة قريبة من سرعة الضوء، ولكن لمجرد التخيل سنفترض وصولك لهذه السرعة، عند اقترابك من سرعة الضوء سوف يتشوه الزمان بشكل رهيب وسيحدث له تمدد أي أن الزمن سوف يتباطأ بشكل رهيب إلى أن يتوقف تمامًا عند وصولك لسرعة الضوء. عندما تتحرك بسرعة الضوء، وفرض أن رأيت شاع ضوء يسير موازيًا لك في نفس اتجاهك وبطبيعة الحال سرعته هي نفس سرعتك، فمن البديهي أن تراه يسير بسرعة صفر كونه يسير في نفس اتجاهك وبنفس سرعتك، ولكن الحقيقة الصادمة أنك سوف تراه يسير بسرعته الحقيقية وهي سرعة الضوء ذلك لأن الزمن لن يتحرك في هذه الحالة، والأغرب أنه مهما كان اتجاه شعاع الضوء حتى وإن كان يسير بعكس اتجاهك سوف تراه يسير بنفس سرعته الحقيقة (٣٠٠ ألف كم/ث). هذا استنتاج في غاية الخطوة إذ يعني أن الزمن الذي يمر عليك وأنت تتحرك هو أقل من الزمن الذي يمر عليك وأنت ثابت وكلما زادت سرعتك كلما قل الزمن الذي يمر بك، وإذا وصلت إلى سرعة الضوء سيتوقف الزمن تمامًا!
الأمر الأكثر إثارة أنه لا يوجد شيء ثابت في هذا الكون، كل الأجسام والمخلوقات تتحرك؛ الأرض التي نحن عليها تدور بشكل دائم حول نفسها وحول الشمس والشمس تدور والمجرات تدور وكل شيء في الكون يدور فلا يوجد مرجع ثابت يمكن منه قياس الزمن أو السرعة لأي جسم مهما كان حجمه ومكانه. والزمن يختلف أيضًا من كوكب لآخر على حسب كتلته، والجاذبية هي ليست قوة وإنما ببساطة هي تشوه في نسيج الزمكان تحدثه الكواكب والأجرام الكونية كل على حسب كتلته، وكلما تغيرت الكتلة كلما تغيرت قوة الجاذبية ومعها يزيد وزنك أو يقل عند وجودك فرضًا على هذه الكواكب بحسب اختلاف كتلتها عن كتلة الأرض. إلى أن يصل الأمر إلى الكتلة المهولة التي تتمتع بجاذبية لانهائية لدرجة أنها تجذب الضوء لداخلها فتصبح سوداء حالكة، ألا وهي الثقب الأسود الذي عنده يتشوه الزمكان (الزمان والمكان) ليتوقف الزمن تمامًا ويتلاشى الحجم في كتلة مهولة، ولك أن تتخيل أن كوكب الأرض إذا تحول إلى ثقب أسود فلن يتعدى حجمه كرة تنس الطاولة مع احتفاظ بنفس حجمه.
إنه أمر يدعو للتأمل، الزمن لا تعريف له ولا مقياس له، أنت ترى وتسمع الماضي؛ فكلمات صديقك التي تسمعها وأنت تتحدث معه لا تصل إلى اذنك ويترجمها عقلك في ذات اللحظة التي تخرج هي من أحباله الصوتية وفمه. وصوت الطائرة النفاثة تسمعه بعد مرورها وتجاوزها إياك بمسافات بعيدة، وصوت البرق في السماء تسمعه بعد حدوثه وبعد أن ترى ضوئه بوقت معتبر، الضوء ذاته التي تراه هو من الماضي كذلك. ضوء الشمس المبهج المنير يصلك بعد ثمان دقائق من خروجه من مصدرة، وإذا انفجرت الشمس وتلاشت من الكون ستظل تراها ساطعة مبهجة لمدة ثمان دقائق كاملة برغم تلاشيها، أنت ترى ماضيها إذًا. والشمس هي أقرب النجوم لك. أما النجوم البعيدة التي ترى ضوئها الساطع المتلألأ يومًا بعد يوم ويفصلك عنها آلاف بل وملايين السنين الضوئية، الكثير منها غير موجود أصلًا وقد تلاشت منذ آلاف أو ملايين السنين، أنت هنا حرفيًا ترى ماضي هذه النجوم عندما كانت في عنفوان تلألأئها وزهوها، رغم أنها قد اندثرت ولا وجود لها.
ما هو مفهوم الزمن إذن؟ وما هو مفهوم الماضي والمستقبل؟ وهل نعيش كل الأزمنة في الوقت ذاته. نحن في عام ٢٠٢٣، فهل يعيش معنا ازمنة متوازية؟ هل يعيش موازيًا لنا من تفصلنا عنهم سنوات لا حدود لها قبل هذا العام وآخرون تفصلهم عنا سنوات عديدة بعد هذا العام؟ أليس هذا الاحتمال قائم طالما انه لا يوجد معيار حقيقي للزمن؟

وبعد كل ما قرأت في هذه المقالة هل مازال هذ السؤال بديهيًا بالنسبة لك- ما هو الزمان؟َ!

كاتب المقال

الدكتور عبد العزيز آدم
عضوٍ الاتحاد العالمي للصحة النفسية واخصائي علم النفس السلوكي

   

مقالات ذات صلة