أخبارمنوعات

“اللواء الدكتور سمير فرج ” يكتب لـ ” المحروسة نيوز ” عن : التحليلات والدروس المستفادة من الحرب الروسية الأوكرانية

في يوم 14 يناير، 2023 | بتوقيت 3:53 مساءً

خلال الأسبوع الماضي تم دعوتي في أحد المحطات الإخبارية العالمية، على مائدة مستديرة خلال ساعتين، مع خبراء عسكريين، من روسيا، الولايات المتحدة، وألمانيا، وفرنسا،

وكان محور النقاش، ونحن على أبواب العام الثاني من الحرب الروسية الأوكرانية، كيف نحلل هذه العملية العسكرية وما هي الدروس المستفادة من هذه الحرب. ولقد وجدت أنه من المناسب أن أعرض في مقالة اليوم، ما تم عرضه في هذه الحلقة، خاصة أنني كنت البادئ في الحوار، وقدمت تصوري الشخصي، حول هذه الحرب، وبالتالي كان تحليلي هو أساس حوار الحلقة كاملة لهذه الحرب، والدروس المستفادة منها وتأثيرها في الفكر العسكري العالمي.

ورغم أن ما سيتم عرضه اليوم هو فكر عسكري فقط، إلا أنني أتعشم أن تصل أفكاري العسكرية إلى المواطن المدني بأسلوب مبسط قدر الإمكان.
وقد كانت أولى تحليلاتي، إن روسيا في هذه الحرب، قد قدمت لأول مرة فكرا جديدا، وهو استخدام الصواريخ الباليستية، في تنفيذ ضربة صاروخية، لتبدأ بها القتال، بدلا من الضربة الجوية، التي كانت أساس بدء العمليات، في المفهوم العسكري القديم سواء في العقيدة العسكرية الشرقية (الروسية) أو العقيدة الغربية (حلف الناتو)،

وكان استخدام هذه الفكرة يعتمد على أن الصواريخ الباليستية أكثر دقة للوصول للهدف، وبتكلفة أقل بكثير، يكفي أن نقول إن سعر الطائرة F16 والسوخوى 35 يقارب الآن مئة مليون دولار، علاوة على الطيار الذي سيتم تدريبه على الطيران عليها، لمدة لا تقل عن ست سنوات، أربعة منهم بالكلية الجوية واثنان للتدريب على الطائرة. كذلك الاحتياج إلى مطارات متطورة، ورادارات، وذخائر، عكس الصاروخ البلاستي، الذي يصل سعره الآن بضعة آلاف من الدولارات، ولا يحتاج الى طيارين مقاتلين مدربين.

كما أن الأنواع الجديدة من الصواريخ الروسية سرعتها حوالي تسعة أضعاف سرعة الصوت، وذات دقة عالية، ومن الصعب متابعتها وتدميرها.

أما التحليل الثاني، فإن روسيا كانت قد ركزت خلال ال20 السنة الماضية، على الساحة العسكرية في تطوير أنظمة الصواريخ البلاستيكية، لذلك فاجأت العالم كله، في هذه الحرب بهذه القوة الصاروخية الجديدة، والتي لم تنجح المخابرات الامريكية و دول حلف الناتو في الحصول على أي معلومات عنها مسبقا.

كان تحليلي الثالث، أن روسيا لم تضع في حساباتها في ال 20 سنة الماضية أهمية الطائرات المسيرة بدون طيار Drones، ودورها الهام في المعارك القادمة الأمر الذي أدى الى ان الطائرات المسيرة الروسية في هذه الحرب ليست على المستوى المطلوب،

ولم تطور بالشكل المناسب للحرب الحديثة، لذلك استعانت روسيا. بالطائرات المسيرة الإيرانية، لتدخل بها الحرب، ولذلك أعتقد أن روسيا خلال السنوات القادمة ستركز كل جهدها في تطوير صناعتها في مجال الطائرات المسيرة بدون طيار.

التحليل الرابع، هو فشل للقوات الروسية البرية، في اقتحام المدن، الأوكرانية، حيث فشلت في الأيام الأولى من اقتحام العاصمة الأوكرانية كييف، واضطرت القيادة الروسية إلى تغيير اتجاهاتها إلى شرق أوكرانيا، للاستيلاء على إقليم دونباس،

وجاء التحليل الخامس أن طول خطوط الإمداد للقوات الرئيسية المنفذة للعمليات الهجومية قد أعاق سرعة تنفيذ العمليات الهجومية والاستيلاء على مساحات أكبر من الأراضي الأوكرانية، لأنه خلال تسع شهور فقط استولت القوات الروسية على 20 % من أرضي أوكرانيا بسبب طول خطوط مواصلات الإمداد والإخلاء عبر شبه جزيرة القرم.

ويجئ التحليل الخامس، أنه لم يتم استخدام القوات الخاصة الروسية وقوات المظلات في هذه الحرب، خصوصا أن حرب المدن تحتاج إلى القوات الخاصة بتوسع، وللأسف اعتمدت روسيا على قوات فاغنر الروسية، وكان من الممكن استخدام قوات المظليين لإسقاطها، في العمق خلال تطوير القوات الأوكرانية، والاستيلاء على الكباري، ومحاور التقدم على نهر دنيبرو.

وكان التحليل السادس، أن روسيا نجحت في تعديل استراتيجية الهجوم، بمعنى مرونة الخطة في تعديل اتجاه للهجوم، ليكون شرق أوكرانيا، الى إقليم دونباس، بدلا من الاستيلاء على كييف العاصمة، لتعثر هجوم القوات الروسية عليها في الأسابيع الأولى من القتال، وهذا القرار، يحسب للقيادة الروسية وهو المرونة في اتخاذ القرارات، أثناء سير العمليات العسكرية على المستوى الإستراتيجي.

أما التحليل السابع فلقد جاء من الاستخدام المحدود للقوات الجوية الروسية في هذه الحرب رغم التطور الكبير، الذي تم في القوات الجوية الروسية، في الأعوام الماضية، لكن ربما جاء هذا الاستخدام المحدود، بسبب تغيير شكل الضربات الجوية، بالتركيز على الصواريخ الباليستية، والطائرات المسيرة بدون طيار، بدلا من الطيارات المقاتلة.

أما التحليل الثامن، كان عدم استخدام القوات الروسية لعناصر مشاة الأسطول والقوات البحرية في هذه الحرب، حيث يجيء التحليل التاسع ليكمل هذه الفكرة، بأن روسيا فشلت في الاستيلاء على ميناء أوديسا، وأعتقد أنه كان من أهم الأهداف الاستراتيجية لروسيا، في المرحلة الأولى من الحرب، لأنه بالاستيلاء على أوديسا، كانت أوكرانيا ستحرم من أن يكون لها أي مواني على البحر الأسود، خصوصا، أنها فقدت موانيها على بحر أزوف، ولو كانت هذه العملية قد تمت، لوضعت أوكرانيا في أسواء موقف لها، لذلك كان لابد للقوات الروسية، الاستيلاء على مدينة أوديسا، وهذا خطا جسيم للقيادة الروسية العسكرية خلال المرحلة الاولى من الحرب.

وبالنسبة للقوات الأوكرانية، فيمكن القول إنها نجحت في استدراج القوات الروسية، إلى حرب المدن، والتي نطلق عليها أيضا أن المدن هي مقبرة الجيوش العسكرية، لذلك نجحت القوات الأوكرانية، في منع روسيا من الاستيلاء على كييف العاصمة وأدارت معركة قوية، فيها كانت خسائر القوات الروسية كبيرة لذلك اتجهت لاحتلال إقليم دونباس، ولكن افتقرت القوات الأوكرانية خلال هذه الحرب للأسلحة الهجومية، حيث كان إمداد أمريكا ودول حلف الناتو لأوكرانيا بأسلحة دفاعية، لتحقيق الهدف الرئيسي الأمريكي، من هذه الحرب وهو إطالة مدة الحرب لاستنزاف الاقتصاد الروسي، وبالتالي أدى لإضعاف روسيا، العدو الثاني للولايات المتحدة.

حتى عندما دعمت أمريكا أوكرانيا بصواريخ الباتريوت، فإن ذلك السلاح كان سلاح دفاعي، لا يحقق لأوكرانيا استعادة 20% من الأراضي الأوكرانية التي استولت عليها روسيا. وحتى عندما اعلنت فرنسا منح أوكرانيا دبابات القتال خفيفة الحركة AMX و هي دبابات استطلاع وكان المفروض دعم أوكرانيا بالدبابات الأمريكية، M1A1 وهي دبابات تستخدم للعمليات الهجومية لاستعادة الأراضي التي احتلتها القوات الروسية، وحتى عندما دعمت أمريكا أوكرانيا بالصواريخ الهيمارس، فإن أمريكا فرضت قيود على أوكرانيا عند استخدامها، لأن مداها هو من 70 الى 80 كم، لذلك كانت الأوامر لأوكرانيا، الا تستخدم هذه المدافع لضرب العمق الروسي، لتجنب قيام روسيا باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية.

وهكذا فإن أوكرانيا تحارب الآن بأسلحة دفاعية، مكتوفة الايدي، أمام ثاني أكبر قوة عسكرية في العالم، لذلك نحن ننتظر الجزء الثالث من العملية العسكرية في الربيع القادم، وقد تنجح مفاوضات السلام القادمة، في شهر فبراير، في إيقاف نزيف، هذه الحرب التي لم تطول روسيا أوكرانيا فقط ولكنها أثرت على العالم كله.

Email: s[email protected]

كاتب  المقال

اللواء أركان حرب الدكتور سمير سعيد محمود فرج

هو احداً من أهم أبناء القوات المسلحة المصرية

ولد في 14 يناير في مدينة بورسعيد، لأب وأم مصريين.

تخرج، سمير فرج، من الكلية الحربية عام 1963

والتحق بسلاح المشاة، ليتدرج في المناصب العسكرية حتى منصب قائد فرقة مشاة ميكانيكي.

تخرج من كلية أركان حرب المصرية في عام 1973

والتحق بعدها بكلية كمبرلي الملكية لأركان الحرب بإنجلترا في عام 1974، وهي أكبر الكليات العسكرية في المملكة البريطانية،وواحدة من أكبر الكليات العسكرية على مستوى العالم.

فور تخرجه منها، عُين مدرساً بها، ليكون بذلك أول ضابط يُعين في هذا المنصب، من خارج دول حلف الناتو، والكومنولث البريطاني.

تولى، اللواء أركان حرب الدكتور سمير سعيد محمود فرج، ، العديد من المناصب الرئيسية في القوات المسلحة المصرية، منها هيئة العمليات، وهيئة البحوث العسكرية. وعمل مدرساً في معهد المشاة، ومدرساً بكلية القادة والأركان. كما عين مديراً لمكتب مدير عام المخابرات الحربية ورئاسة إدارة الشئون المعنوية.

تتلمذ على يده العديد من الشخصيات السياسية والعسكرية البارزة، إبان عمله مدرساً في معهد المشاة، ومدرساً في كلية القادة والأركان المصرية.

لم تقتصر حياته العملية، على المناصب العسكرية فحسب، وإنما عمل، سمير فرج، بعد انتهاء خدمته العسكرية، في العديد من المناصب المدنية حالتى الحيوية، ومنها وكيل أول وزارة السياحة، ورئيس دار الأوبرا المصرية، ومحافظ الأقصر. ويشغل حالياً منصب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة NatEnergy.

وله العديد من الكتب والمؤلفات العسكرية، خاصة فيما يخص أساليب القتال في العقيدة الغربية العسكرية. كما أن له عمود أسبوعي، يوم الخميس، في جريدة الأهرام المصرية ومقال أسبوعى يوم السبت فى جريدة أخباراليوم